موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٤
ما بعد مؤتمر الأزهر

محمد السماك :

البيان المشترك الذي صدر في اسطنبول عن البابا فرنسيس (رأس الكنيسة الكاثوليكية) والبطريرك المسكوني برثالوميو (رأس الكنيسة الأرثوذكسية)، تضمن عبارة تتطلب التوقف عندها. قال الزعيمان الدينيان: "اننا لن نقبل بشرق أوسط من دون المسيحيين".

لا أعرف ما اذا كان البابا والبطريرك قد علما بمشروع تتولاه جهة ما، بإقامة شرق أوسط جديد من دون المسيحيين، فاتفقا على رفضه وعدم قبوله. ولكن الذي أعرفه جيداً هو اننا نحن المسلمين، رفعنا ومنذ زمن طويل الشعار الوجودي الذي قلنا فيه : «لا شرق أوسط من دون المسيحيين». ورددنا مراراً أيضاً الشعار المبدأي الثابت وهو : «نكون معاً أولا نكون».

فالقضية التي نواجهها في الوقت الحاضر ليست حول مبدأ الوجود والدور، انما القضية هي كيف نعيد بناء أوطاننا معاً بحيث نتمكن، مسلمين مسيحيين، من التصدي لموجة الارهاب والتطرف التي تحاول تحطيم مجتمعاتنا وتمزيق دولنا لحساب قوى معادية تريد بنا شراً ؛ وكيف نحقق في عملية اعادة البناء ما نصبو اليه من حريات ومن حقوق ومساواة ؟

يعرف المسيحيون جيداً ان الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها الشراذم المسلحة لا تمتّ الى الاسلام بصلة. وقد سمعوا ذلك من علماء ومفكرين مسلمين مراراً وتكراراً، ولكنهم يريدون أن تعلن هذا الموقف مرجعيات اسلامية كبرى، وبأعلى صوت. وأعتقد انه بعد المؤتمر الموسع الذي نظمه الأزهر الشريف، وبعد البيان الذي صدر عنه، فان هذا الصوت قد ارتفع فعلاً. وهو صوت اسلامي جامع. يؤكد ذلك مشاركة مرجعيات اسلامية من دول آسيا وافريقيا، ومن أوروبا والولايات المتحدة، اضافة الى المرجعيات الاسلامية في العالم العربي، سنة وشيعة.

كذلك يعرف المسلمون ان جريمة التهجير التي يتعرض لها المسيحيون في العراق وسوريا، تشكل خطراً على وحدة وعلى تماسك النسيج الوطني في المجتمعات العربية، وتحرم هذه المجتمعات من كفاءات علمية وثقافية واقتصادية ومالية ووطنية. وانها فوق ذلك، تقدم لثقافة كراهية الاسلام في الغرب (الاسلاموفوبيا) خدمات مجانية، بالإيحاء من خلال الهجرة- بأن الاسلام يرفض الآخر المختلف. وانه يرفض حتى أهل الكتاب الذين أوصى بهم خيراً بالنص والعمل، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

ان ثلث مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم مليار و600 مليون انسان، يعيشون في دول وفي مجتمعات غير اسلامية. فأي مصير سوف يواجه هؤلاء اذا تكرست هذه الصورة المزورة عن الاسلام ؟.

فإذا كان الارهابيون بمصادرتهم الاسلام وبارتكابهم الجرائم بإسمه، يسيئون اليه والى المسلمين، فان المسيحيين بتخليهم عن أوطانهم ولو مكرهين، وبهجرتهم منها، ولو تحت ضغط الارهاب، يكملون هذه الاساءة من حيث لا يدرون. ولذلك فاننا عندما نقول ان الشرق لا يكون الا بمسلميه وبمسيحييه معاً، فاننا لا نقرض شعراً، ولا نرفع شعاراً لامتصاص مشاعر القلق والغضب، ولكننا بهذا الموقف المبدأي والأخلاقي، ندافع عن هويتنا وعن أوطاننا، وصدقوني اذا قلت : بل ندافع عن ديننا أيضاً.

أعود الآن الى السؤال الذي بدأت به. وهو كيف نتصدى معاً للتطرف والارهاب ونعيد بناء أوطاننا؟

لا نحتاج الى اعادة اكتشاف العجلة من جديد في البحث عن اجابة على هذا السؤال. فالوثائق التي أصدرها الأزهر حول المساواة في المواطنة، وحول الدولة الوطنية وشرعيتها، وحول الحريات العامة بما فيها الحريات الدينية وحرية الضمير، تقدم الإجابات المبدأية المطلوبة بمنهجية علمية، وبالتزام وطني واضح. فالمبادئ محددة وواضحة. وهي لا تحتاج الا الى آلية رسمية لتنفيذها.

نعرف ان دون ذلك عقبات. ولكننا نعرف أيضاً ان مذكرات الأزهر الشريف لم تكتفِ بتشخيص المرض الذي تعاني منه مجتمعاتنا، بل انها حددت لها العلاج. وأول العلاج وأكمله هو: الحرية. يبقى السؤال المحوري، وهو:

اذا كان الارهابيون في العراق وسوريا قد روّعوا الآمنين من مسيحيين ومسلمين، ومن عرب وأكراد وسريان وكلدان وآشوريين وصابئة وإيزيديين وشبك وتركمان، وسواهم من الجماعات، واذا كانوا قد سفكوا دماء ابرياء، وهجّروا آمنين، وسبوا أحراراً، وهدموا بيوتاً يذكر فيها اسم الله، من كنائس ومساجد .. اذا كانوا قد ارتكبوا كل هذه الجرائم ضد الانسانية وباسم الاسلام، فكيف يحرر الاسلام نفسه من براثن خاطفيه ؟ وكيف يقطع الطريق أمام مستغلي هذه الجماعات الارهابية ومستثمريها في مشاريعهم التدميرية ؟ وكيف يبرئ عقيدته في السماحة واحترام التعدد الإيماني والاختلاف الفكري والمذهبي من تهمة التكفير العشوائي التي يوصم بها ظلماً وعدواناً ؟

هناك آية قرآنية تجيب على هذا السؤال المركب وردت في سورة آل عمران . تقول الآية: « إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك اليّ ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة«.

فكيف يكفّر الارهابيون المسيحيين أتباع عيسى عليه السلام، والله يقول انه جعلهم فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ؟.

ان الارهابيين الذين يسفكون دماء الأبرياء باسم الاسلام، ويجزون رؤوس ضحاياهم وهم يرددون «الله اكبر»، يتحدّون الاسلام، بل انهم يتحدّون العزة الإلهية، الأمر الذي يجعل مواجهتهم واجباً على كل مؤمن بالله، مسلماً كان أو مسيحياً . بل واجباً على الانسانية جمعاء، على تعدد أديانها وأجناسها.