موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
لم يخبر الأسقف ترورو الحقيقة الكاملة حول مسيحيي الشرق الأوسط

بقلم: بيتر أوبورن ، ترجمة: موقع أبونا :

إن تقرير أسقف ترورو عن اضطهاد المسحيين في جميع أنحاء العالم قد طال كثيرًا، وهو جهد جريء. فالتقرير، الذي صدر هذا الأسبوع، بتكليف من وزارة الخارجية البريطانية، يهدف إلى تقديم الدعم وزارة الخارجية للمسيحيين المضطهدين.

يعاني المسيحيون من التمييز اليومي، ومما هو أسوأ من ذلك. في حين ترددت الحكومات الغربية العلمانية في تقديم عونها. ومع ذلك، فإن التقرير يشكّل خيبة أمل محزنة عندما يتعلق الأمر بمحنة المسيحيين في الشرق الأوسط، حيث نشأت المسيحية. ففي هذه المنطقة، فإن الاضطهاد، كما يُشير إليه الأسقف، قد بلغ أشدّ حالاته قسوة.

الأرقام في انخفاض سريع، وربما لا رجعة فيها. فتحليل الأسقف ضعيف، كما إن إلقاء لوم هجرة الفلسطينيين من الأراضي المقدسة على "التوترات التي يغذيها الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع" هو تفسير غامض وغير مرضٍ.

التفسير الأساسي

يولي التقرير القليل من الاهتمام للتفسير الأساسي لاضطهاد العديد من المسيحيين في الشرق الأوسط على مدار العقدين الماضيين. هذا يتعلّق بشكل أساسي بالسياسة الخارجية الغربية، وخاصة غزو العراق عام 2003.

وفي التقرير الخاص بالعراق، يتعين علينا انتظار النتائج قبل القيام بأية إشارة مباشرة إلى أن المنطقة لا تزال تعاني من آثار "التدخّل العسكري بقيادة الولايات المتحدة". هذا ليس جيدًا بما فيه الكفاية. أي نقاش جاد حول المحنة الحالية للمسيحيين في الشرق الأوسط يجب أن يضع سلوك الحكومات الغربية في مقدمة تحليلاتها.

فليست مفاجأة في أن أسقف ترورو قد فشل في القيام بذلك. فهو يعترف بأن العديد من موظفي الوزارة الخارجية ساهموا في مشروعه، لكنّه يدعّي أيضًا أن تقريره "مستقل". لماذا إذًا وافق مساعدتهم؟ عندما طرحت هذه النقطة على الأسقف، أصرّ على أنهم لم يقدموا "أية مساهمة على الإطلاق في إعداد النص". ومع ذلك، فإن قسم الشرق الأوسط من التقرير يأتي بمثابة اعتذار للسياسة الخارجية الغربية.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تقييم التقرير للحالة في سوريا، التي عانت من هجرة جماعية للمسيحيين منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011. يلقي الأسقف باللوم على الجماعات الطائفية في الاضطهاد، لكنة فشل في مواجهة حقيقة أن الغرب وحلفائهم قد دعموا بتهوّر بعض العصابات المسلحة ذاتها التي استهدفت المسيحيين.

يؤكد لي أسقف ترورو أنه تحدّث إلى رئيس أساقفة كانتربري السابق، جورج كاري، والناشطة المسيحية البارونة كوكس، وكلاهما على معرفة جيدة. لكن يبدو أنه لم يتعلّم الكثير منهم. فعلى الأقل، كان يجب أن ينتقد التقرير وزارة الخارجية البريطانية لتجاهلها بالكامل مصالح المسيحيين في السياسة السورية على مدار السنوات الثماني الماضية.

السياسة الخارجية البريطانية

ومن أجل أن نكون منصفين نحو الأسقف، فهو انتقد بشدة وزيرة الدولة للشؤون الخارجية البريطانية البارونة آنيلاي من سانت جونز، لاقتراحها عبر المقابلات مع (The Tablet) ومع (Christian Today)، بأن الدولة الإسلامية قد قتلت المسيحيين ليس على أساس دينهم، ولكن لأنهم دعموا نظام الأسد. كما ينتقد الحكومة البريطانية لحقيقة أن أقل من واحد في المئة من اللاجئين السوريين الذين أتوا إلى بريطانيا هم من المسيحيين.

من ناحية ثانية، يتجاهل التقرير الرفض البائس من قبل وزارة الخارجية لتقديم تأشيرات إلى رؤساء الأساقفة السوريين والعراقيين في عام 2016، ويُفترض أن ذلك يعود لتهديدهم بأنهم سيتحدثون عن عواقب سياسة الحكومة البريطانية على المسيحيين السوريين والعراقيين.

عندما طرحت هذه النقطة على الأسقف، أجاب بشكل معقول: "يشير التقرير بشكل متكرّر إلى أوجه القصور في ممارسات اللجوء والتأشيرات البريطانية التي تؤثر على المسيحيين الأجانب. لم نتمكن من تسمية كل حالة". يخبرني بيتر فورد، السفير البريطاني السابق في سوريا، أن التقرير عبارة عن تبييض لسياسة مشينة لتجاهل عواقب نتائج تصميمنا على طرد الأسد على المسيحيين السوريين".

محنة المسيحيين الفلسطينيين

فشل التقرير في معالجة المشاكل التي يواجهها المسيحيون في الأراضي الفلسطينية المحلتة، وهي منطقة تضم بيت لحم، مولد يسوع المسيح. لقد سافرت إلى المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتعلّمت من عدد من الكهنة الفلسطينيين كيف أصبحت حياتهم، في بعض الحالات، بائسة، بسبب السياسة الإسرائيلية.

تجد النساء الأجانب المتزوجان من رجال فلسطينيين صعوبة متزايدة في الحصول على تأشيرات، مما يعاني أن الأسر تتعرض لضغوط الإنقسام. لقد رأيت مصادرة أراضي الكنيسة من قبل المستوطنين في ظروف غامضة، وأهمها المباني التابعة للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية عند باب الخليل في المدينة القديمة بالقدس.

سألت الأسقف عن سبب فشله في الرجوع إلى "وثيقة كايروس فلسطين" التي أعدّتها الكنائس المحلية منذ عشر سنوات. كانت الوثيقة محاولة جادة للتصدي للمشكلات الأخلاقية والعملية التي تواجه المسيحيين الفلسطينيين اليوم، وأبرزت مظالم الاحتلال.

إنها وثيقة قويّة للغاية، ويجب أن تكون جزءًا من أي تقييم لحالة المسيحيين في المنطقة. أخبرني الأسقف أن "أي من شهودنا من الشرق الأوسط (وكان الكثير منهم) لم يشيروا إلى ذلك". أجد هذا أمرًا يصعب فهمه لان عددًا من كبار المسحيين الذين تحدثت إليهم هنا في الأسابيع القليلة الماضية أخبروني عن كايروس.

هنالك الكثير من الأمور الجيدة في تقرير الأسقف ترورو. لقد أدلى بتصريحات قويّة حول المأزق الذي يواجهه المسيحيون في جميع أنحاء العالم. لكنه لم يخبر الحقيقة الكاملة عن المسيحيين في الشرق الأوسط، وامتنع عن إثارة نقاط من شأنها إحراج وزارة الخارجية البريطانية.