موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠١٤
قيامة المسيح وقيامة مجتمعاتنا العربية نحو بناء الدولة المدنية

القس سامر عازر :

مؤخراً هاتف سماحة الشيخ حسّون مفتيَ سوريا سيادةَ المطران هيلاريون كبوجي المقيم حاليا في روما، وما كان من سماحة المفتي إلا وبعد الاطمئنان عن صحة المطران كبوجي أن سأله إن كان بإمكانه أن يتسلم نيابة عنه جائزة للسلام مقدمةً لهُ من منظمة في روما، فوافق. فقام سماحةُ المفتي بالاتصال بالجهة المانحة وأخبرهم أنه وبسبب ارتباطات هامة ومسبقة يتعذر عليه الحضور لتسلّم الجائزة، ولكنه طلب من ابن عمومته المطران كبوجي -وكلاهما أبناء حلب- أن يتسلمها نيابة عنه. فشكّلَ ذلك دهشةً وتعجباً عن مدى العلاقة الحميمة التي تربط ابني حلب معا بعضهما البعض، المفتي والمطران. ونتذكر في هذا المقام العلاقة الحميمة بين المرحومين المطران نعمة السمعان والشيخ ابراهيم القطان.

هذه صورةٌ من صورِ الأخوَّةِ والوحدة والمحبة التي على مدار قرون طويلة جمعت بين مسلمي ومسيحيي بلادنا العربية، وضرورة قيامةِ مجتمعاتِنا العربيةِ نحو بناء الدولة المدنية التي تجمع أبناءَها جميعاً في مفهوم المواطنة الكاملة وتحقيق العدالة والمساواة للجميع.

عالمنا اليوم أشبه بعالم النسوة، مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومه، اللواتي في فجر القيامة ذهبن إلى القبر ومعهن حنوطاً ليدهن جسد يسوع، وبجرأتهن عندما رأينا بأن الحجر قد دُحرج عن باب القبر يخبرنا البشير مرقس بأنهّنَ قد دخلْنَ القبرَ المنحوتِ في الصخر. وما أكثر القبورَ اليوم وما أوسع أبوابَها، وبدلاً من أن نبحث عن ثقافة الحياة، ننشر ثقافة ورائحة الموت والخراب والدمار والتشريد والقتل.

لكنْ أيها الأحباء، إيماننا المسيحي هو إيمان مفعمٌ بالحياة، إيمان ممزوج بالرجاء، إيمان أساسه قيامةٌ معَ المسيحِ الذي أبطل كلَّ رياسةٍ وكلَّ سلطانٍ وكلَّ قوةٍ وأبطلَ آخرَ عدو للبشرية وهو الموت.

لذلك فرجاؤنا في المسيح ليس رجاءً فقط في هذه الحياة، بل إيماننا بقيامة المسيح يعقد رجاءنا أيضاً على الحياة الآتية مع المسيح، لذلك لا نخشى على الذين رقدوا في المسيح. فالمسيح كما يصفه بولس الرسول هو "باكورة الراقدين" وهذا مصطلح معروف آنذاك حيث كان عيد الفصح اليهودي عيداً أيضاً للحصاد، إذ يَجيءُ في الوقت الذي يبدأُ فيه حصادُ الشعير. وكان يجب أنْ تقدمَ باكورة الحصاد للهيكل، والباكورة إشارة للمحصول الوفير في المستقبل. كذلك كانت قيامة يسوعَ المسيحِ إشارةً لقيامةِ كلِّ المؤمنينَ في المستقبل. وكما أن محصول الشعير الجديد لم يكن ليستعمل حتى تقدَّم الباكورة، كذلك لم يكنْ ممكناً أن يأتيَ حصادُ الحياة الجديد حتى قام يسوع من الأموات.

أحبائي، ليس غريباً إذا عندما يتكلم يوحنا البشير عن القيامة المجيدة قائلا: "إنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأمواتُ صوت ابن الله والسامعون يَحيون" (يو 5: 25). نعم، ونحن ننتظرُ قيامةَ الجسدِ عندَ مجيء المسيح، نحن مدعوون اليومَ لأنْ نقومَ مع المسيح بقوة كلمته المقدسة إلى حياة القيامة المجيدة.

هذه هي خاصية الكنيسة المسيحية أنها كنيسةُ القيامة، وإن كانت الكنيسة تجاهد وتتألم وتحمل الصليب مع سيدها، إلا أنها تنشرُ فرحَ القيامة المجيدة لجميع الناس: للمحزونين، للثكلى، للاجئين، للفقراء، للمرضى. فمن علامات الكنيسة الحيَّة كما عبر عن ذلك الدكتور مارتن لوثر أنها كنيسة الصليب أي الكنيسة المتألمة، ورسالتها أن تتألم وأن تحمل صليب المعاناة والتحدي والقيادة من أجل يختبرَ الناس ولو مقدمة حلاوة فرح القيامة المجيدة. فالمسيح تألم لأجلنا ونحن كما يكتب بولس وإن كنا نتضايق [أي نتألم] فلأجل تعزيتكم وخلاصكم (2 كو 1: 6).

لذلك فقيامة المسيح تشكل عقيدة أساسية في إيماننا المسيحي "وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم" (1 كو 15: 14)، وحقيقة قيامة المسيح تبرهن أربع حقائق تغير وجهة نظرنا للحياة الحاضرة والمستقبلة:

أولاً: إن القيامة تبرهن على أن " الحق أقوى من الباطل"، فقد قال يسوع في إنجيل يوحنا لأعدائه وأعداء الإنسانية " ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله" ( يو 8: 40). لقد جاء يسوع يحمل للناس فكرة حقيقية عن الله وعن الصلاح والخير، ولكن أعداءُه تمكنوا أن ينفذوا مؤامرتهم فصلبوه لأنهم أرادوا ألا تتحطمَ آراؤهم المزيفة عن الله وعن الصلاح. وبعبارةٍ أخرى، لو أن أعداء يسوع كانوا قد نجحوا في القضاء عليه نهائياً، لكان معنى ذلك أن الباطل أقوى من الحق. فالقيامة المجيدة هي الضمان النهائي لخلود الحق وعدم قابليته للفناء.

ثانياً: إن القيامةَ تبرهن على أن "الخير أقوى من الشر". فقد قال يسوع لأعدائه "أنتم من آب هو إبليس" (يو 8: 44). إنَّ القوى التي صلبت يسوع كانت هي بعينها قوى الشر، وإذا لم تكن هناك قيامة فإن قوى الشر هذه تكون قد انتصرت. كتب المؤرخ Froude "هناك درس واحد وواحد فقط يمكن أن يقال، وهو أن العالم قد بُنى بشكل ما على أسس أدبية وأخلاقية، وعلى المدى البعيد سوف يتضح لنا أن الخير لا بد يعلو وينتصر، وأن الشرَّ لا بد يُقضى عليه وينهزم" ولكن لو لم تحدث القيامة لتزعزع هذه المبدأ العظيم للناموس الأدبي والأخلاقي للكون. ولما كان لنا أن نستعيد ثقتنا ويقيننا في أن الخير أقوى من الشر.

ثالثاً: إن القيامة تبرهن على أن "المحبة أقوى من الكراهية". لقد كان يسوع هوَ الحبُّ الإلهي متجسداً. ومن الناحية الأخرى كان موقف الذين قاموا بصلبه يعكس الكراهية المجسمة. لقد بلغت كراهيتهم له حداً جعلهم ينسبون المحبة والنعمة المتجسدة في حياته إلى قوة الشيطان. ولو لم تكن هناك قيامة لكان معنى هذا أن كراهيةَ الإنسان في النهاية هَزَمتْ محبةَ الله. ولكنَّ القيامة كانت برهانُ انتصارِ المحبةِ على كل ما استطاعت الكراهية أن تفعلَه. إنَّ القيامة هي البرهان النهائي القاطع على أن المحبةَ أقوى من الكراهية.

رابعاً وأخيراً، إن القيامةَ تبرهن على أن "الحياة أقوة من الموت". فلو أن يسوع قد مات دون أن يقوم ثانية لكان معنى هذا أن الموت قد استطاع أن ينتصر على الحياة. حدث في سنوات الحرب أنَّ إحدى كنائس لندن قامت بجمع تقدمات وهبات عيد الشكر. وكان من بين الهبات حزمةَ نبات القمح. ولكن الاجتماع الذي كانت ستقام فيه خدمة أحد الشكر لم يقعد بالمرة لأن غارة جوية وحشية جاءت على لندن مساء السبت، وأصابت مبنى الكنيسة فحولته إلى أنقاضٍ ومرَّت الشهور وجاءَ الربيع. ولاحظَ أحدُهُم في وسط الدمار حيث كان مبنى الكنيسة قائماً قبل أن تحطمُهُ القنابل بعضَ الأغصانِ الخضراء. ثم جاء الصيف، فإذا بهذه الأغصان تَنضُرُ وتترعرع. وعندما جاء فصل الخريف كان الناس يرون في وسط الأنقاضِ رقعة من نبات القمح المترعرع. إن القنابلَ المدمِّرَةَ المخرِّبَةَ لم تستطع أن تقتل الحياة في نبات القمح وبذوره. لقد كانت الحياةُ أقوى من الموت. كذلك القيامةُ فهي البرهانُ النهائي القاطع على أن الحياة أقوى من الموت.

لذلك يصرُّ بولس الرسول أنه إن لمن تكن قيامة يسوع حقيقية من بين الأموات، فإن أساس الرسالة المسيحية عندئذ يكون باطلا وكذباً، ويكون كلُّ أولئك الذين ماتوا وهم يؤمنون بالقيامة، إنما كانوا يثقون في أوهامٍ باطلة. فبدونِ القيامة لن يكونَ هناكَ أيُّ ضمانٍ لانتصارِ القيمِ العظمى في الحياة أو لبقائها. وإذا انتزعت حقيقة القيامة من المسيحية لتحطم أساس المسيحية. "ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1 كو 15: 57).

"إن كان لنا في هذه الحيوة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس"، آمين.

القس سامر عازر
راعي وممثل الكنيسة اللوثرية في الأردن