موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٨ فبراير / شباط ٢٠١٦
في رثاء الدكتور جريس سعد خوري، بقلم د. حنا عيسى

د. حنا عيسى، أستاذ القانون الدولي :

يستحق جريس خوري "أبو بشارة" كلمة رثاء ووداع، هذا حق الراحل على الحي المقيم، وواجب الحي المقيم ازاء الراحل، خاصة اذا نشأت بين الاثنين صلة من نوع ما. وقد نشأت بيني وبين ابي بشارة صلة الاخوة وتبادل الافكار والقاء المحاضرات في مدينتي بيرزيت وبيت لحم للذكر لا الحصر.

نعم بعيداً أو قريباً في آن واحد عن أرض الوطن وفي ساحة القديس بطرس في الفاتيكان رحلت بشكل مفاجىء دكتورنا الغالي جريس سعد خوري، يوم الأربعاء بتاريخ 3/2/2016، رحلت وانت تهم بلقاء قداسة البابا فرنسيس، لقاء روحاني، لقاء محبة، لقاء تواصل، لقاء فلسطين في روما، ولقاء روما في فلسطين، نعم لقاء عظمة غبطة البابا باهل فلسطين، لقاء جريس خوري، مدير مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأراضي المقدسة الأخير في ساحة القديس بطرس، في روما.

رحل الدكتور خوري قائلاً نعم لن نموت، نعم سوف نحيا، هذه الثنائية الموت والحياة، بل أحادية الحياة والانعتاق والتحرر بكل مضامينها الوطنية هي اختيار شهيدنا البطل جريس سعد خوري وهذا الاختيار ممتد ومتواصل كما ترجمه استشهاد شاعرنا الكبير عبد الرحيم محمود في الأربعينيات من القرن المنصرم: "سأحمل روحي على راحتي والقي بها في مهاوي الردى، فإما حياة تسر الصديق وإمــا ممات يغيـظ العدا".

عشرات السنين وابا بشارة في لهيب المعركة وهو مع الأمل، مع النهار ومع قطرات المطر وجذور الصخر والحجر، مع الحياة، مضى وكل الأشياء في دمه وبين كفيه حتى آخر لحظة احتفظ بندى الفجر الأتي المشع بشراسة الموقف المنحاز إلى الوطن والمنساب بين ذرات رمل الوطن. نعم رحلت يا أخينا ويا حبيبنا ونحن بأمس الحاجة إلى فكرك وادبك ودراساتك وابحاثك وحكمتك وخبرتك. رحلت وأنت تبتسم للحياة. تبتسم لأصدقائك ومحبيك. رحلت وأنت تقول: انا لا احبك يا موت، لكني لا اخافك. ابا بشارة رحمك الله. قلنا لك في حياتك ونقول لك في مماتك: "في القلب انت كخفق القلب نحمله يسامر القلب يمحو الحزن بالمرح، بوركت وبورك من أعطاك منزلة تبقى كتاج على الأمجاد والمنح، فسوطة تتيه بفخر حينا نذكرها كالورد فاض على الاغصان بالملح".

نعم رحلت أيها المفكر، رحلت وتركت من ورائك زوجتك وابنائك وأصدقائك ومحبيك، وتركت فينا الحنان والفرح والمرح، تركت فينا الأمل والتفاؤل والحياة، تركت فينا الحب والاحترام، تركت فينا لغة الاستمرار والبقاء، تركت فينا اليقظة والنهوض إلى الأمام، تركت فينا أن نبقى على العهد من اجل وطننا فلسطين. نعم، سوف نبكيك لأنك تستحق البكاء الذي يذرف من اعيننا حزنا على رحيلك أيها المفكر الكبير، كبير في حياتك وكبير في مماتك. اعلم أيها المفكر الكبير بأنك كنت ولا زلت وستبقى في أعلى المراتب من قلوبنا.

لكل هذه الاسباب، يمثل رحيل جريس خوري خسارة ليس لذويه ومحبيه وتلامذته فحسب وهم كثر، بل وللفلسطينيين والعرب ايضا، فان الدرس الذي يستمد من سيرة شخص كأبي بشارة يختزل بجملة واحدة: اذا تعارضت الايديولوجيا مع الوطنية، فان الوطني يختار فلسطين. وهذا ما كان.