موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٣٠ ابريل / نيسان ٢٠١٦
عيد القيامة المجيدة وقيامة مجتمعاتنا العربية

القس سامر عازر :

نحتفل اليوم بأحد القيامة المجيدة/ أحد الفصح المجيد، وحدثُ القيامةِ هوَ الحقيقةُ الأساسيةُ في الإيمان المسيحي، وعليها يقوم صحة إيماننا المسيحي، وهي مصدر الفرح والرجاء والأمل والقوة، لذلك يقول المرنم " قوتي وترنُّمي الرب وقد صار لي خلاصاً" ( مز 118: 1).

إن هذا الحدث الفريد هو مَنْ وهب القوة لنسوة خائفات .. والفرح لتلاميذ حزانى .. والحياة للإيمان المسيحي على مدى ألفي عام. فابسط برهان قاطع على قيامة المسيح هو وجود الكنيسة المسيحية اليوم أي جماعة المؤمنين، فالقيامة ليست مجرد حدث تاريخي، لأنَّ يسوع المسيح ليس مجرد شخصية تاريخية، .. بل هو شخصٌ حيٌّ حاضر في وسطنا اليوم بقوة الروح القدس يُجري عملَهُ في وسطنا ويعلنُ لنا حقائق وإعلانات جديدة.

يسوعَ المسيحَ بالنسبة لنا ليس مجرد شخصٍ ندرسُ عنه بل شخصا نقابله، فأحياناً شخص بسيط قد يعرف يسوعَ أكثر ألف مرة من أعظم عالم لاهوتي درس مئات الكتب عن يسوع. وعندما نقابل يسوع تحدث القيامة الحقيقية في حياتنا فتتضح لنا معالم طريق الحياة الأبدية. عندها نستطيع أن نرى الأشياء من منظور مختلف، .. فنرى قيمة الحياة البشرية التي قدسّها الله.. ونرى قيمة الجمال والحب والفن والموسيقى، نرى معاني الجمال في الطبيعة وضرورة المحافظة عليها، نرى دورنا كرسالة في الحياة وكأشخاص ذات تأثير وفاعلية وليس مجرد قيمة رقمية في المجتمع، ومن يتتبع دور العرب المسيحيين يعرف إسهاماتهم الجمة في بناء الحضارة العربية والإسلامية ولا يمكن للشرق أن يكون شرقاً بدونهم.

لذلك، فرسالتنا أن نسعى لأجل التغيير الحقيقي والصادق في مجتمعاتنا العربية لنتجه نحو الديموقراطية والمعاصرة والحداثة والإنتاجية والفكر العلمي والديني المستنير، فالتغيير يبدأ من داخلنا وعندها فقط تكون للسياسات وللقوانين التأثير والفاعلية، فالقانون وحده لا يكفي للتغيير والتطوير ما لم ينبع الاستعداد للتغيير من داخلنا ومن قناعاتنا.

وحتى يحصل التغيير، وهنا بيت القصيد، لا بد من أن نلتقي مع ربِّ الحياةِ ومعطي الحياة والذي بيده مفاتيح الهاوية والموت. فلقاءُ التلاميذِ مع المسيح المقام قد نزع الشك من حياتهم والخوف من قلوبهم والإحباط من قاموسهم والاقتتال الداخلي بينهم بحثاً عن العظمة وعن المراكز الأولى، وفتح لهم باباً جديداً من العمل والخدمة، فانطلقوا بحماسة وبجرأة وبقوة يشهدون لما رأوه وسمعوه واختبروه غير خائفين من قوى الشر في العالم والتي هُزمت عند أقدام الصليب، ولا حتى من سلطانِ قيصر أي السلطان الزمني "إذ ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"، فلن تقدر أية قوة في الوجود أن تفصلَ الإنسانُ المؤمنُ عن محبة الله التي في المسيح يسوع، فهذا ما اختبره حديثاً مسيحيو المشرق خصوصاً في سوريا والعراق من شدة وضيق وخطر وسيف، "ففي هذه جميعها،" يكتب بولس الرسول، "يعظم انتصارنا بالذي أحبنا".

وفي الرابع والعشرين من العام الماضي صادفت الذكرى المئوية الأولى للإبادة الأرمنية حيث زُهق ما يقارب المليون والنصف مليون أرمني وسرياني وأشوري وكلداني، وكانوا من آوائل الشعوب التي قبلت الإيمان المسيحي في القرون الأولى للميلاد.

ورغم أحلك الأيام لم تمت المسيحية لأن مسيحَها حي "...وأبواب الجحيم،" كما قال يسوع "لن تقوى عليها"، وقد ذكر البابا تواضروس، بابا الأسكندرية والكرازة المرقسية، عندما أُحرقت بعضُ كنائس مصر وَدُكَّتْ أرضاً " بأن الكنيسة ليست حجارة،.. وإنْ هُدمت الكنائس فلن يُهدم الإيمان المسيحي."

وتأكيداً على أهمية استمرارية الوجود العربي المسيحي في القدس والأردن والعالم العربي كمكون رئيس وشريك في بناء الدولة يقوم اليوم صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم وبمكرمة ملكية سامية بالتبرع لصيانة القبر المقدس في القدس، مبرزاً أيضاً الدور الهاشمي في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية.

أحياناً كثيرة يكون الخوف يكون ذو وقعٍ كبير في النفس البشرية، تماماً كما حصل مع المريمات الثلاثة اللواتي ذهبن مع فجر الأحد بعد أنْ اشترين حنوطاً ليأتين ويدهن جسد يسوع، فمن خوفهم مما كنَّ قد عَلِمنَهُ من الشاب الجالس في داخل القبرِ على اليمين واللابس الحلة البيضاء عن قيامة يسوع الناصري وعن عدم وجوده في المكان، ماذا فعلن؟! لقد هربن بسرعة ولم يقلن في البداية لأحد شيئاً لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن.

ولكن عندما التقى المسيح المقام شخصياً معهنَّ، ونسمع في إنجيل اليوم العدد العاشرعن لقاءه الخاص مع مريم المجدلية ، إذ ذهبت وأخبرت الذين كانوا معه ينوحون ويبكون.

أحبائي، عند لقاء المسيح المقام تحول خوف المريمات وحزنهم إلى شجاعةٍ وفرح. ذهبن إلى القبر برائحة الموت وهن يحملن الحنوط ولكن عدن برائحة الحياة، ذهبن بِحَيرةِ من يدحرج لهن الحجر الكبير عن باب القبر وَعُدنَ ببشارة القيامة المجيدة.

لنعلم، أن الحجر مهما يكن كبيراً فالله قادرٌ على دحرجته. هذا ما نستقيه أيضاً من دروس التاريخ .. فكثير من القوى الطاغية قد تدحرجت وانهزمت، .. واليوم هناك أحجار كبيرة وكثيرة في شرقنا نتحير من يستطيع أن يدحرجها؟!

نعم، إيماننا الحي برب القيامة المجيدة يدعونا لأن نثق بأن رب القيامة والحياة قادر أن يدحرج الأحجار الكبيرة من أمامنا، ويبدل الأحوال ويغيرها، فمن نسوة خائفات حائرات يُشتم منهنَّ رائحة الموت بالحنوط الذي ذهبن به إلى القبر .. إلى نساء تلميذات شاهدات على حق القيامة المجيدة.

إننا نلتقي اليوم في أحد القيامة المجيدة مع المسيح المقام في كلمته المقدسة، وفي العشاء الرباني المقدس، مما يزيدنا عزماً واصراراً على نشر فرح القيامة ورجاء القيامة والحياة الأبدية، آمين.

كل عام وجميع الأردنيين وجلالة مليكنا المفدى بألف خير.