موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠١٤
ظاهرة الفقراء المطلعون ... نبذ العنف ومكافحة الإرهاب

د. أماني جرار :

نعيش اليوم حالة من الذعر لما نلمس من عنف بشتى الاشكال و ارهاب بكافة السبل . الإرهاب بحد ذاته كلمة مثيرة للجدل، فالإرهاب في اللغة من الرهبة و التخويف وهي تعني عملياً ابادة بشرية لأسباب سياسية. وقد تختلف وكالات الأنباء في الاشارة للمفهوم لتعني أي عمل يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل، ويمكن القول ان كافة العمليات الإرهابية غير مشروعة بالمعنى الانساني الذي يجمع كافى البشر على اختلافهم.

وقد تخلت بعض الادارات عن استعمال مصطلح الحرب على الإرهاب واستعاضت عنه باستعمال "الصراع الدولي ضد التطرف العنيف". وبغض النظر عن التسميات وأبعاده الايديولوجية او السياسية ، فإن هذا النوع من الحرب هو أمر مثير للجدل ولا بد ان تتعزز جهوده . وقد اختلف الأكاديميون و السياسيون في تعريفه ،ولكنه بصورة عامة يستخدم لوصف أساليب تهدد الحياة. كما يستعمله علماء الاجتماع ليعنوا به أساليب متكررة تولد الخوف و القلق وبأنه يقوم به أفراد بإشراف مجموعات داخل الدول. أما تعريف الاتحاد الأوروبي للإرهاب فهو عبارة عن عمل عدواني متعمد يقوم به أفراد أو مجاميع وتكون موجهة ضد دولة أو أكثر من دولة لغرض ممارسة الضغط على الحكومات بأن تغير سياساتها الداخلية و الاقتصادية او الدولية. ومما سبق ذكره , نجد أنه لا خلاف بين الأسرة الدولية على أعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً.

ويمكن تعريف الإرهاب بذلك أنه الاستخدام المدروس للعنف ، أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو عقائدية عن طريق الترهيب أو الإكراه أو بث الخوف . فقد ترعى بعض الدول والجماعات الإرهاب ، لإثارة الفزع وتحقيق مصالحها الخاصة ؛ وهو وباء ينشره مفسدون معادون للحضارة والإنسانية ، بحيث تعود فيها إلى جذور البربرية. أما العلاقة بين العنف السياسي والإرهاب فيكمن في كون الأول وسيلة أو أداة , بينما الإرهاب هو ناتج العنف.

ولعل حل هذه المعضلة المتفشية هذا اليوم يكمن في محاولة حل مشاكل مجتماعاتنا بطرق إيجابية تتطلب حماية حقوق الانسان و زرع الأخلاق في التربية و المنطق في التعليم. وقد يكون الدافع وراء الارهاب ضعف المواطنة و الوطنية المزروعة في الفرد و مدى ولائه وإهتمامه والحرص على موطنه ، فالوطنية شعور قلبي ووجداني يُترجم في المحبة والولاء والميل والاتجاه الإيجابي والدافعية الذاتية للعمل الخلاق الذي يستهدف رفعة الوطن و حريته و مستقبله، و "المواطنة" هي ذلك الجانب السلوكي الظاهر المتمثل في الممارسات الحية التي تعكس حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه، والتزامه بمبادئ المجتمع وقيمه وقوانينه، والمشاركة الفعالة في الأنشطة والأعمال التي تستهدف رقي الوطن والمحافظة على مكتسباته. وفي المقابل قد تظهرفئة من المواطنين غير المنتمين ،وهم الأكثر سلبية ، وهم يسلكون سبلا تخريبية ، فهم ما يسمى بالمفسدين في الأرض والإرهابيين، فيسعون في الأرض فساداً، ويهدمون ما يعتز الوطن به . ومع بروز هذه الفئة في المجتمع فإن مسؤوليتنا تجاه أمتنا تكون أكبر.

وكلي إيمان بأن نشر الديمقراطية في الدول غير الديمقراطية سيؤدي في المدى البعيد إلى زيادة استقرار العالم و القضاء على الإرهاب. فالقضية بداية تكمن في جوهر العملية التربوية و بالتالي دور المؤسسات المعنية بخلق مواطن واع فاضل يؤمن بالديموقراطية و الحوار كأساس للتفاهم البشري و تقبل الاخر.فالمواطن الذي نريد بناءه هو ذلك الايجابي الذي يهتم بالوطن و الإنسان بغض النظر عن أية تحديدات عرقية او مذهبية او فكرية او قطرية ، فهو مواطن ينتمي للبشرية جمعاء ويحافظ على الارض ويسهم في بناء و إعمار كوكبنا.

وهنا يأتي دور وزارات التربية و التعليم و التعليم العالي و الثقافة و التنمية السياسية و الإعلام التي يقع عليها عاتق التربية الإجتماعية ، و السياسية للمواطنين ، حيث يجب ان تقوم بوظيفتها بشكل أفضل من حيث عملية تكوين آراء المواطن وافكاره ومعتقداته وسلوكه وقيمه.

أما ما نعيشه اليوم من فجوة متناهية بين الذين يملكون والذين لا يملكون ، وكذلك الأحوال البيئية المتردية في العالم ، وضحايا الإرهاب الفظيع ، كل ذلك يشكل الأساس لما علينا أن نغيره لخير البشرية . فالمطلوب منا في مقابل أي شكل من أشكال الإرهاب ممارسة لفن الحوار.

كان ذلك بالنسبة لممارسة العنف المجتمعي ، اما الشكل الافظع عنفا فهو الإرهاب ، وهو أسلوب في العمل السياسي يستخدم العنف ويتعمد بث الخوف ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية بقصد التأثير في السلوك ، نجد أن الحل للخلاص من ذلك هو فتح قنوات الحوار لتصبح لغة عالمية للتفاهم الإنساني. من هنا كان لابد للإرهاب أن يصطدم مع مفاهيم السياسة الممتزجة بقيم الديموقراطية ، ومن هنا كان الحل في التصدي لذلك ،بإيجاد نظم سياسية مثالية يقوم العمل السياسي فيها على الحوار الذي يسعى فيه المشاركون إلى إقناع الآخرين بالصحة النسبية لمعتقداتهم الفكرية ، ويتم الاستماع فيه إلى من يؤمنون بقيم ومعتقدات تختلف مع الأغلبية دون الخوف من العنف . علينا إذا التحاور حول المسائل المتعلقة بالاختلافات الثقافية في إطار من المساواة والاعتدال و الوسطية واحترام حقوق الإنسان والتسامح الديني باعتباره مدخلاً حكيماً وأخلاقياً للحوار بين الثقافات . ولعل الطريق للسعي نحو السلام والسعي إلى مطاردة من يشكل تهديداً للسلام كخطوة أولى ، وكما أعتقد الفيلسوف نعوم تشومسكي ، فقد تكون الحرب ضد الإرهاب بتخليص العالم من مرتكبي الشرور وعدم السماح لبلاء الإرهاب الشرير بالبقاء.

ولعلني أجد هنا المحرك الأساسي الكامن وراء ظاهرة الإرهاب في عالمنا العربي المعاصر بروز حالة من الرغبة في التصفية لأسباب سياسية قد تعود لجذور عدم تقبل الاخر من منطلق الاختلاف العقائدي مثلا ، او قد يعود لاسباب اخرى اجتماعية و ثقافية ، و هو ما يسمى بظاهرة (الفقراء المطلعون) في ظل ثورة كامنة تغذيها آمال محبطة ،و غياب لتربية ديموقراطية وحماية لحقوق المستضعفين في الأرض ،حيث التناقض العميق بين الشعارات و الواقع.وبالتالي فإن القيم الإنسانية هي أساس الحوار والتفاهم الإنساني في عصر التطرف . فالتاريخ المدون يبرز المذابح البشرية المرتكبة من حيث الحجم والتكرار وأمد الحروب الطويلة والمجاعات والإبادة الجماعية التي تظهر المزيد من الكراهية والعنف ، في حين أنه بالإمكان حل الصراعات بالطرق السلمية ،و التغيير المؤسسي الإصلاحي وحماية حقوق الإنسان . إلا أن هذا يتطلب جهداً جماعياً للتعامل مع أشكال العنف الذي يسيطر على عقل الإنسان . فمعاناة الإنسانية المريرة كانت على الدوام بسبب جرائم الإبادة والاستبداد والرعب والإرهاب.

الإرهاب إذا معضلة هذا الزمان،وقد تكون مشكلة الحكومات على اختلافها و تباينها! حيث يرى الدارسون لهذه الظاهرة أن لها جذورها التاريخية ،ففي البدء عرفت مظاهر العنف و الإرهاب لدى فرقة سميت ب(الحشاشين)والتي كانت فرقة انتحارية ،كما عرف لدى اليابانيين ظاهرة (الكاميكازي)،وفي سيريلانكا ظهرت فرقة (نمور التاميل)،والأشكال عديدة لهذه الظاهرة في العالم بأسره. و نجد اليوم هذه الظاهرة اكثر ما نعانيه في الدول العربية نتيجة للتراكمات الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية المتردية.

وليس هناك شعور يسلب العقل من كل قدرة على التصرف والتفكير كالخوف ، لأنه يغذي مشاعر الشك والميل إلى القسوة باعتبارها مشاعراً بدائية ترتكز على العنف ، وهذا ما يجدر رفضه .

ولإحداث النقلة النوعية المطلوبة من حالة الهمجية و البربرية نحو المدنية الحقة ،نحتاج كبشر إلى إحداث تغيير جوهري في التركيبة الفكرية لنا كأفراد و جماعات ،بل أيضا كدول وحكومات. نحن بحاجة ماسة لخلق الفكر البنائي و الثقافة التنويرية العقلانية الإنسانية الرافضة للعصبية و التطرف و العنف . وللتغلب على ثقافة الإرهاب ،علينا كأفراد بداية الخروج من حالة الأنا المنغلقة القسرية الرافضة للآخر ، وعلى الدول والحكومات ان ترفض التفاوض مع الارهابيين ، و التأكيد على غرس ثقافة أكثر تحضرا و إنسانية ،ثقافة ترفض كل محاولة لمحو الرأي الاخر المخالف لنا بصورة غير قانونية و لا أخلاقية .