موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ يوليو / تموز ٢٠١٨
صناع السلام ومجلس حكماء المسلمين

اميل امين :

شهدت العاصمة البريطانية لندن الايام القليلة الفائتة مؤتمرا متميزا جاء تحت عنوان "صناع السلام" وهو نتاج تعاون مشترك بين مجلس حكماء المسلمين الذي يتراسه فضيلة الامام الاكبر شيخ الجامع الازهر الاستاذ الدكتور احمد الطيب وكنيسة كارنتربري الكنيسة الرسمية في بريطانيا.

ياتي المؤتمر في اوقات مضطربة وقلقة تعم القارة الاوربية التي تعاني من حالة تشارع وتنازع في الروح الاوربية ما بين تراث اوربا التنويري والذي يقدس الحريات الدينية واختيارات الفرد الشخصية في كل مناحي الحياة، وبين اصحاب الدعوات العنصرية الذين لا يرون في الاخر سوى اداة للتخريب ولهدم منظومة التراث الاوروبي، ويصل الامر الى القول بان هذا الاخر وعادة ما يكون المسلم سواء من المقيمين او المهاجرين هو المقصود، وسط هواجس اطلقها اليمين المتشدد هناك تحت راية "اسلمة اوربا".

على ان الكثيرين لا يعرفوا ماهية مجلس حكماء المسلمين ومتى تاسس وما هي المهام المنوطة به. في هذا السياق ينبغي ان نقدم شيء من التعريف عن تلك الهيئة التي باتت تمثل جسرا وقنطره بين الشرق والغرب عامة وبين الاسلام والمسيحية واليهودية بنوع خاص.

يعد مجلس حكماء المسلمين هيئة دولية مستقلة تأسست في 21 رمضان من عام 1435 هـ، الموافق 19 يوليو عام 2014، تهدف إلى تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، بهدف المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم.

ويعتبر المجلس -الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرًّا له- أوَّل كيان مؤسَّسيٍّ يهدف إلى توحيد الجهود في لمِّ شمل الأمَّة الإسلاميَّة، وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها وتهدِّد القيم الإنسانيَّة ومبادئ الإسلام السَّمحة وتشيع شرور الطَّائفيَّة والعنف التي تعصف بالعالم الإسلاميِّ منذ عقود.

ولعل علامة الاستفهام التي يطرحها البعض في الاوقات الراهنة: هل العالم في حاجة الى مثل هذه المجالس او تلك الجماعات من الحكماء والفهماء حول العالم؟ السؤال له وجاهته سيما وان البعض قد بلغ به الياس من التغيير، لكن في المقابل.. هل من بديل اخر غير الحوار والجوار؟

الشاهد انه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي سعى البعض الى اعتبار الاسلام هو العدو الاخضر الجديد المرشح لان يحل محل الاتحاد السوفيتي، وعليه فقد تم تبديل العدو، ولم ياخذ المنظرون لهذا التعديل الجديد ان هناك فارق كبير بين الشيوعية كايديولوجية لا يأثم صاحبها ان تركها او بدلها، فيما الاسلام دين له قدسيته لدى من يؤمنون به اي انه مطلق لا يقبل القسمة او المفاوضة.

ومن اسف شديد فان دعاة الفرقة من كبار المفكرين الذين يعدون بحال من الاحوال طابور خامس ذهني استطاعوا الترويج لفكرة انقسام العالم بين فسطاطين واحد للخير واخر للشر، ومن هنا انبثقت رؤية صدام الحضارات من جهة ونهاية التاريخ من جهة ثانية، وبات العالم في دائرة من الشر والشر المتبادل، وطالما بقيت الجهالة بالاخر هي العرف السائد.

يوقن المرء باهمية طرح مجلس حكماء المسلمين من قراءة الاهداف التي يسعى اليها من خلال مبادرته لتفعيل "حوار الشرق والغرب" والانفتاح على الأخر، ومد جسور التعاون بين بني البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم، في محاولة منه للبحث عن سبل العلاج من مرض التطرف والعنف والإرهاب، والعمل على التعاون على البر والتقوى والتعايش السلمي ونشر ثقافة السلام في العالم، والحد من اتساع نطاق استباحة حرمة الأنفس والأعراض والأموال، وتقديم المصالح العليا للإنسان والأوطان على المصالح الخاصة.

جمع لقاء صناع السلام بين شباب من مختلف بقاع واصقاع العالم ومن اديان ومذاهب وطوائف مختلفة، ومن المؤكد ان الهدف الرئيس الذي جمع شمل كل هولاء هو اتاحة اكبر فرصة ممكنة من المعرفة المتبادلة بين هولاء واولئك، ذلك انه ان كان الناس اعداء ما يجهلون، فان التعارف والتلاقي يتيح فرصة اشمل واعم لخلق انسانية كونية واحدة يمكنها ان تقف صدا وحدا امام مواجهات التفريق بين البشر.

من افضل اللمسات واللمحات التي حفل بها مؤتمر صناع السلام كان لقاء ملكة بريطانيا لفضيلة الامام الدكتور الطيب والتي اكدت على اهمية الدور الذي يقوم به الازهر الشريف في اطار ترشيد وتجديد الخطاب الديني وقطع الطريق على دعاة الكراهية واصحاب الرايات الظلامية، والجميع قد شاهد وسمع طوال السنوات الماضية ما الذي نتج عن وجود تنظيمات شريرة من عينة داعش واخواتها.

لفت النظر ايضا وفي رمزية لا تخطئها العين استضافة الكنيسة البريطانية لفضيلة الامام في نفس المكان الذي يعيش فيه رئيس اساقفة انجلترا، ما يعني انه كانت هناك شراكة حقيقية للتلاقي ولكسر رتابة المؤتمرات التقليدية، وحينما يعطي الرعاة والقادة الدينين المثل الصالح في المودة والتفاهم فان الحوار يكتسب مصداقية خاصة.

من افضل الكلام الذي قيل على هامش فعاليات مؤتمر صناع السلام ذاك الذي تفوه به شيخ الازهر خلال استقباله للورد جورج كاري رئيس اساقفة كانتربري السابق اذ قال فضيلته: "إن الحوار بين الثقافات والأديان يجب أن ينتقل من الإطار النظري إلى التطبيق العملي في المجتمعات عن طريق إشراك الشباب والاستفادة من طاقاتهم وأفكارهم المبدعة في تعزيز قيم السلام والتعايش وكسر حدة التوتر بين أتباع الديانات حول العالم".

وأضاف فضيلته أن القيادات الدينية عليها واجب كبير في إصلاح الوضع الصعب الذي يعيشه العالم الآن جراء الحروب، مؤكدًا أن الأزهر الشريف وكنيسة كانتربري مؤهلان للقيام بدور كبير في إيجاد تفاهمات بين الشرق والغرب.
من جانبه، أكد رئيس أساقفة كانتربري السابق أن مشاركة فضيلة الإمام الأكبر في "منتدى شباب صناع السلام"، الذي يعقد خلال يوليو الحالي في العاصمة البريطانية لندن، سيكون لها أثر كبير في رفع وعي الشباب المشارك بأهمية صنع السلام حول العالم وتعميق رؤيتهم لمفاهيم التعايش السلمي والاندماج الإيجابي وقبول الآخر.

احلى الكلام.. الحوار هو القضية والحوار هو الحل..