موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٤ أغسطس / آب ٢٠١٥
سجال الحضارات.. ووهم الحوار

د. صبري الربيحات :

نقلاً عن "الغد" الأردنية

في شماتة واضحة من قبل أكثر كتّاب الغرب تخصصا في شؤون الشرق الأوسط كتب توماس فريدمان في النيويورك تايمز قبل أيام مقالا قال فيه إن الشرق الاوسط سينتهي بفعل كارثة مناخية إنْ لم تنجح الصراعات القائمة بين السنة والشيعة، والاكراد والاتراك، والفلسطينيين والاسرائيليين في إنهاء وجوده. وقد استدل على نبوءته بارتفاع درجات الحرارة خلال الأسابيع الماضية إلى أرقام قياسية حيث وصلت في بعض المدن الأيرانية إلى 72 درجة مئوية مقرونة بمستوى رطوبة لم تألفه المنطقة من قبل.

عقلية التشفي وربما الازدراء التي يتحدث بها فريدمان أصبحت ظاهرة واسعة الانتشار في أوساط الكتاب والمفكرين والإعلاميين وبعض الساسة ممن أصبحوا متحدثين رئيسيين على برامج الحوارات واللقاءات التي تنعقد شرقا وغربا تحت عناوين الفهم المشترك والتعايش وقبول الآخر وحوار الأديان والحضارات وغيرها من العناوين.

في العقود الثلاثة الأخيرة تعمقت الفجوة بين الشرق والغرب. وقد كان ذلك بفعل تدهور أوضاع الاتحاد السوفيتي الذي أدى إلى غيابه عن المسرح كقوة كبرى وراعيا للثورات و كمصدر أساسي لتهديد الرأسمالية العالمية.

الغرب الذي وجد نفسه لاعبا وحيدا على مسرح الأحداث تفرغ للبحث عن خصم بديل يساعده في تعميق الترابط بين مكوناته من خلال التعاضد على مواجهته، ويوجه طاقاته السلبية والعدائية نحوه، فكانت نظرية صدام الحضارات التي صاغها صموئيل هنتنغتون الإطارالنظري المفسر للعلاقة والمشكل للنظرة والموجه لاتجاهات وسلوك الكثير من التيارات السياسية نحو الشرق وشكل العلاقة المحتملة معه.

اليوم وبالرغم من تشابك المصالح الاقتصادية بين الشرق والغرب واعتماد العديد من اقتصاديات العالم الغربي على الطاقة التي ينتجها الشرق، وبالرغم من انخراط الأنظمة العربية في حلقات العولمة الأمنية والسير بخطى متسارعة نحو تنفيذ كل البرامج والخطط التي ترسمها القيادات الأمنية للأحلاف المعنية بمكافحة الإرهاب واستئصال داعش وتقليص نفوذ التيارات الإسلامية إلا أن غالبية الشعوب العربية لا تتفق مع ما تقوم به انظمتها السياسية. ويعلم الغرب أن الأحلاف المعقودة هي أحلاف أنظمة لا توافق الشعوب.

طوال هذه العقود لم تتوسع دائرة الحوار ولم تتجاوز الرجال والنساء الذين هرموا ولم يتغير خطابهم. فقد قابل توماس فريدمان وغيره ممن يراهم الغرب خبراء في طرق تفكير وشعور وسلوك المسلمين والعرب غالبية صناع القرار في العالم الاسلامي وبنى شهرته الصحفية على قدرته على طرح الاسئلة الصعبة على الاباطرة في عقر بيوتهم حاملا اجندة الاسئلة المحرجة حول موقف انظمتنا من اسرائيل، وبناء الكنائس بجوار المساجد والمقامات والعتبات، وأسباب تأخر السماح للنساء بالاختلاط وقيادة السيارات، وحقوق العمال المهاجرين واستمرارية القيود التي فرضت على حركتهم وحريتهم وسفرهم وأجورهم.

في عشرات الحوارات التي حظيت بفرص المشاركة فيها يلتقى المحاورون ليقولوا حديثا متشابها عن الشرائع السماوية والفطرة الانسانية ومحبة المسيح وعدالة محمد وعلاقة القرابة بين أنبياء الديانات الذين انحدروا من صلب ابراهيم وطبيعة علاقة الاسلام باليهود في عهد النبي وايام الاندلس والدولة العثمانية.

موضوعات العدالة الانسانية للجميع والتكفير والجهاد والقتل الجماعي وتغاضي بعض الحكومات عن التعديات التي يتعرض لها الناس بسبب عقيدتهم مواضيع خارج اطار البحث الذي انحصر في التركيز على الجوامع وتجميد البحث في الاختلافات.

الحوار الذي يجري بين اتباع الديانات وابناء الثقافات المتنوعة ضروري لادامة الحوار لكن اهميته في تغيير طرق الشعور والنظرة والتصور للاخر لا تزال محدودة وربما غير مجدية ...المطلوب ايجاد اطار انساني يتجاوز الاديان والجنسيات والثقافات يساعد الجميع على الشعور بالانتماء له..