موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الثلاثاء، ٢٩ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥
زيارة البابا ورسالة أميركا

جيمس الزغبي :

كنت محظوظاً لأنني حضرت العديد من الفعاليات التي واكبت زيارة البابا فرانسيس إلى واشنطن الأسبوع الماضي. والشيء الذي بدا واضحاً جداً خلالها هو أن «فرانسيس» هو «بابا أميركي» جاء إلى هنا وهو يحمل للأميركيين رسالة عميقة الدلالات. وخلال يومين من زيارته آثر البقاء في واشنطن. وكانت زيارته للعاصمة الأميركية تاريخية وفقاً لكل الاعتبارات، ، وعامرة بالإيحاءات المهمة. وكل خطوة كان يخطوها، كانت تستحق التسجيل، وكانت كلماته تستحق التأمل والتحليل.

وكان مما أثار إعجابي، الطريقة التي قدم نفسه فيها على أنه «ابن لعائلة مهاجرة»، وأيضاً كلمته التي ألقاها في الكونجرس وركز فيها على القيم والدروس التي يجب تعلّمها من أربعة عظماء أميركيين هم: أبراهام لينكولن ومارتن لوثر كينج ودوروثي داي وتوماس ميرتون. وكان من الملاحظ أن «فرانسيس» لم يكن يتكلم كإنسان غريب، بل كأميركي مثلنا.

وعندما أشار البابا إلى أنه ابن عائلة مهاجرة، فقد عبّر عن سعادته بأن يحلّ ضيفاً على هذا البلد الذي يعود فضل بنائه بالدرجة الأولى إلى تلك العائلات. وعندما انتقل للحديث عن مساهمة الأميركيين الكاثوليك «في بناء المجتمع المبني على التسامح والرافض لكل أشكال التفرقة الظالمة»، كان يعبر عن الطموحات التي كانوا ينشدونها والعقبات الصعبة التي صادفتهم أثناء حياتهم في أميركا.

وخلال القرن الماضي، كان الأميركيون من أصل ألماني معزولين، والإيطاليون مهمشين، والإيرلنديون ضحايا لنوع مقيت من التفرقة والعنصرية. وكان الكاثوليك بشكل عام، لا يُنظر إليهم كأميركيين حقيقيين. حتى أن الكثير من الأميركيين يعتقدون بأن الكاثوليكي لا يجوز أن يصبح رئيساً لأن ولاءه للدستور الأميركي مشكوك فيه. وكان هذا هو السبب الذي حرم حاكم ولاية نيويورك الكاثوليكي من الترشح للرئاسة في عقد العشرينيات على رغم الشعبية الواسعة التي كان يتمتع بها، وكان الانتماء الكاثوليكي أحد أهم التحديات التي واجهها أيضاً جون كنيدي عندما ترشح للرئاسة عام 1960.

واليوم تمكن الكاثوليك بشكل كبير من تجاوز هذا التحيّز وأصبحوا يشكلون جزءاً فاعلاً من المجتمع الأميركي. وقد حرص الرئيس أوباما على الإشارة إلى هذا التحول عندما قال في خطاب الترحيبب بالبابا: «إن زيارتك هذه تظهر بوضوح مدى تقدير كل الأميركيين بكافة مشاربهم وتوجهاتهم للدور الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية في تقوية أميركا وإطعام الجياع ومواساة المرضى وإيواء المشردين وتعليم الأطفال».

وعندما أطلّ البابا من شرفة «الكابيتول» ليخطب في حشد يضم 50 ألفاً جاءوا للترحيب به، لم تكن عين المرء لتخطئ ملاحظة وجود قيادات عليا من أعضاء الكونجرس وهي تحيط به تضمنت أتباعاً كاثوليك أميركيين من أصول ألمانية وإيطالية وإيرلندية وليثوانية وأميركية لاتينية. وعلى رغم الرفض والمعارضة التي واجهوها من أسلافهم، إلا أنهم تمكنوا الآن من الارتقاء إلى أعلى المناصب.

وخلال خطابه في الكونجرس، آثر البابا تذكير الأميركيين بضرورة التعلّم من تاريخهم وقال: «خلال القرون الأخيرة، تدفق الملايين من البشر إلى هذه الأرض ليحققوا أحلامهم لبناء مستقبل أفضل في ظل الحرية. ونحن، أبناء هذه القارة، لا يتملكنا الخوف من الأجانب، لأن الغالبية العظمى منا كنا أجانب ذات مرة. وبما أن الكثير منكم هم أيضاً من نسل المهاجرين، فإن من واجبكم عندما يناشدكم الأجنبي طالباً العون، ألا تديروا له ظهوركم وأن تتجنبوا عقلية الاستعداء».

وعندما تعرض لأزمة النازحين، آثر البابا تذكير الأميركيين بأنهم يقفون الآن أمام تحدٍّ كبير وقال: «في هذه القارة، كان ألوف الناس قد فضلوا السفر نحو الشمال بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل لأبنائهم. أليس هذا ما نريده لأطفالنا؟. علينا ألا نهتم بعددهم، بل إن ننظر إليهم كأشخاص مثلنا، وأن نتمعّن في وجوههم ونستمع لقصصهم، وأن نحاول تقدير موقفهم بقدر ما نستطيع. ويجب أن تكون استجابتنا لحاجاتهم نابعة من دوافع إنسانية بحتة، ومن أخوّة صادقة».

لقد كانت رسالة البابا نابعة من واقع الآلام التي واكبت ظاهرة الهجرة والنزوح عبر العصور، وهي تتلخص بحكمة ذهبية تقول: «عامل الآخرين بمثل ما تريد منهم أن يعاملوك به».

وعمد أيضاً إلى توسيع مدلولات وأبعاد هذا المفهوم خلال كلمته أمام الأساقفة عندما حثّهم على الترحيب بالمهاجرين والنازحين الجدد.

(جريدة الاتحاد الإماراتية، 27 أيلول 2015)