موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٤ يونيو / حزيران ٢٠١٦
دمشق: يتمتع المسيحيون والمسلمون بعلاقات عمل وثيقة

بقلم: كريستينا أوجوتشيوني ، ترجمة: منير بيوك :

جلبت خمس سنوات من الحرب الدمار إلى سوريا. ففي العاصمة دمشق، وسط أكوام من الانقاض ووسط النفوس التي يسكنها الخوف جراء انهاكها بموجات العنف، هناك الذين ما زالوا يتمسكون بالمثابرة وبالصبر، محاولين بكل وسيلة الوفاء لأواصر المحبة، والتقارب، والعهد ولتعزيزها مما يطغي بطابع "الإنسانية" على الحياة حتى في ظل الظروف الصعبة.

الأخت كارول طحان، 44 سنة، من حلب في سوريا، هي مديرة الرهبنة السالسية التي تدير دار حضانة، وثلاث ورش خياطة، وكنيسة كبيرة. وفي وصفها للحياة اليومية في دمشق، فإنها تؤكد على الروابط بين الناس من مختلف الأديان، تلك الروابط التي لم يتم كسرها أو التفريط بها في غمرة النزاع. "فقبل الحرب في المدينة، لم يكترث أحد بصورة عملية إلى إيمان الفرد الديني وكانت الأمور بين المسيحيين والمسلمين تسير بشكل جيد. أما اليوم فقد تغيرت الأمور. فغالباً ما يتم تقسيم المسلمين إلى فصائل تعارض بعضها البعض، كما برزت مظاهر التعصب التي تسبب قدراً كبيراً من المعاناة. إلا أنه ما تزال العلاقات بين المسلمين والمسيحيين جيدة. وتتجلى هذه الروابط في الصداقات الأصيلة التي تجمع الكثير من الشبان على مقاعد المدرسة، وفي التضامن الذي تبديه الأسر نحو بعضها البعض، وفي التكاتف الذي يبدوه مما يساعدهم بالتعامل مع المشاكل بدعم بعضهم البعض. نحن الراهبات نساعد الجميع، ونقدم كل ما لدينا دون تمييز بين المسيحيين والمسلمين اقتداء بيسوع. كما يساعدنا في لقيام بعملنا أيضاً متطوعون ومساعدون مسلمون، وأناس طيبون وكريمون يعملون بتفان. نشعر باحترام عميق يكنوه لنا، كما يكنه الشعب بأكمله، بما في ذلك الجيش".

الحياة اليومية

تحسنت الحياة في المدينة منذ بدء سريان وقف إطلاق النار بحيث تحصل كل الأحياء على التيار الكهربائي على الأقل لبضع ساعات كل يوم، على الرغم من أنه لا يتم الحصول أبداً على التيار الكهربائي والماء في أوقات محددة خلال النهار. وتابعت الأخت كارول قائلة: "نادراً ما نسمع أصوات انفجارات أو طلقات نارية. وعلى الرغم من هذا التقدم، لا يشعر أحد بأمان حقيقي. نأمل أن يدوم وقف إطلاق النار، لكننا نعيش في خوف دائم من استئناف الاشتباكات ومن الصواريخ التي يتم إطلاقها. تكمن المشكلة الأكبر في الفقر. إنها الأسعار. فأسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص قد تجاوزت كل الحدود المعقولة بحيث لا يتمكن الكثير من الناس من تلبية احتياجاتهم اليومية. أقوم أنا وأخواتي الراهبات الأربع بتوزيع حزم غذاء ودواء، كما نساعد المعوزين سواء بدفع ما يتبقى من تكاليف العلاجات الطبية أو تلبية تكاليفها كاملة. ونقضي الكثير من الوقت ونحن نصغي إلى جميع أولئك الذين يبحثون عن كلمات عزاء وتشجيع. لم نفكر ولو لمرة واحدة بمغادرة سوريا حتى عندما كان القتال عنيفاً. نحن موجودون هنا لنبقى وسنواصل رعاية الأشخاص الذين أصابهم البلاء".

الأطفال وجروح الحرب

معظم الأطفال، الذين يبلغ عددهم 217 طفلاً، والذين يقضون وقتهم في الحضانة هم مسلمون. يطلب الآباء والأمهات إلحاق أطفالهم بالحضانة بسبب تناقل الكلام عن شعورهم بالهدوء والفرح هنا. تقول الأخت كارول: "نحن نفعل كل ما بوسعنا جنباً إلى جنب مع المعلمين (إحدى المعلمات مسلمة تتميز بكفاءة عاليه جداً) لخلق بيئة مسالمة وسعيدة، مع إيلاء قدر كبير من الاهتمام لاحتياجات كل طفل. من المؤسف أن الحرب قد تركت أثراً عميقاً على الأطفال الذين تبدو عليهم علامات الصدمة بوضوح. يتبادر على ذهني على وجه الخصوص طفلة وصلت قبل أيام قليلة. كانت هذه الطفلة قد شاهدت جدها يُقتل على يدي ميليشيا الدولة الإسلامية في العراق والشام. منذ ذلك الحين لم تكن قادرة على الكلام، وإنما تتمتم بعبارات غير مفهومة، كما لا يمكنها الجلوس بسكينة. ونسعى حالياً إلى بذل أفضل الجهود لمساعدتها.

كثيراً ما يبدي الأطفال مختلف أشكال السلوك العدواني، فعندما يجلبون ألعابهم المفضلة من منازلهم، ونلاحظ أنها غالباً ما تكون بنادق. وقد وجدنا هذا الحل الذي يتمثل في أنه حال وصولهم نقوم باستلام ألعابهم، ثم نقدم لهم ألعاباً مختلفة ذات طابع جيد وكرات ملونة على سبيل المثال. كما نحاول أن نجعلهم يعتادون على اللهو مع الأطفال الآخرين دون محاكاة الحرب".

ورش الخياطة

تدير الأخت كارول ثلاث ورشات خياطة أنشأتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي اقترحت تقديم المشروع للأخوات السالزيان قبل خمس سنوات. قبلت الراهبات المشروع على الفور، لاعتقادهن أنهن سيساعدن العديد من النساء اللواتي اتسمت حياتهن بالصعاب الشديدة. كان هناك في السنة الأولى أربعة عشر طالباً. هناك اليوم مئة طالب من المسلمين (الذين يشكلون الغالبية) والمسيحيين. فقد فر العديد منهن من مناطق أخرى من سوريا وفقدن كل شيء، في حين عانت آخريات من عنف لا يوصف، أو أنهن أرامل وحيدات. يشتمل المشروع على دورة تدريبية سنوية، تختار في نهايتها النساء المؤهلات إما البدء بالعمل بالمنازل بعد تزويدهن بآلة خياطة توفرها المدرسة بحيث يستطعن بيع ما يصنعون، أو يستطعن أن يوظفوا في المختبر المدرسي ويحصلن على راتب. وفي الحالة الأخيرة، فإن الراهبات من يقمن ببيع قطع الملابس ومن ثم شراء ما يحتاجه المعوزون.

المتعاونون المسلمون

تستذكر الأخت كارول قائلة: "إن إنشاء هذه المشاغل ليس بالمهمة السهلة. فقد تلقينا المساعدة من رجل مسلم سخي جدا. لا أدري ماذا كنا سنفعل بدونه! لا تزال حتى اليوم نستطيع الاعتماد على موظفين منهم المسلمين كما هو الحال في معلمتي الخياطة المتفانيتين اللاتي يساعدوهن نساء مسيحيات. فالطلاب سعداء جداً لتمكنهم من البدء من جديد بتعلم مهنه والقيام بها في بيئة مضيافة. وكما يقال في الغالب أنه يوجد روح الأسرة الحقيقية هنا. المحصلة النهائية إنهم يشعرون بالراحة النفسية بأن هناك من يرعاهم، وبأنهم يتمتعون بالحماية".

سلام المستقبل

ومستذكرة المستقبل، علقت الأخت كارول قائلة: "من الواضح أننا جميعا نصلي وكلنا أمل بتحقيق السلام وبتمكين العديد من الناس الذين فروا إلى الخارج من العودة إلى ديارهم. كما أن إعادة الإعمار تحتاج إلى أن تشمل الناس من الخارج والداخل. أعتقد أنه ستكون روح الترحيب والاحترام والإحسان المألوفة -التي ما تزال توحد العديد من المسيحيين والمسلمين- لبنة هامة في جهود إعادة الإعمار".