موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٨ سبتمبر / أيلول ٢٠١٦
حقوق الطائفة تلتهم حقوق الإنسان

الأب د. جورج مسّوح :

حين تطالب إحدى الطوائف بإقرار ما تسمّيه حقوقها في الدولة، إنّما يكون ذلك، في غالب الأحوال، نتيجة لهيمنة طائفة واحدة أو طوائف عدّة على معظم "الحقوق". الحرمان، ربّما، هو الباب إلى دخول البازار، حيث تدور المساومات وتُعقد الصفقات ما بين ماسكي أمور الطوائف من العلمانيّين ورجال الدين. الطائفيّة تجارة رابحة لزعماء الطوائف، وإن أدّت إلى خسارة أفراد الطوائف كلّها حقوقهم الإنسانيّة والمدنيّة على السواء.

يسعى الداعون إلى استعادة حقوق الطائفة، باستغلالهم هذا الحرمان، إلى شدّ العصبيّة الدينيّة والمذهبيّة، وذلك بإثارة وتضخيم مشاعر الاضطهاد والخوف من الآخر. لكنّهم، في الوقت عينه، يعملون على الاستئثار برأي الطائفة، ومصادرة قرارها، عبر اللعب على وتر الغرائز، وبخاصّة غريزة البقاء، وتغليبها على العقل والمنطق.

هي لعبة مزدوجة، بواسطتها يُحكم بعض أفراد الجماعة هيمنتهم على أبناء طائفتهم، بغاية الوصول إلى الاستبداد بالسلطة. لا بدّ، إذًا، من قمع المخالفين الذين يشكّلون خطرًا على الرأي الأحاديّ للطائفة الذي، برأيهم، يمنح القوّة اللازمة لمقارعة الطوائف الأخرى التي يعمل زعماؤها وفق المنهجيّة ذاتها. أصحاب الطوائف كلّها تجمعهم المصلحة الواحدة. لذلك، ثمّة تواطؤ بينهم جميعًا. الدبكة لا تكون دبكة من دون جماعة من الراقصين. راقص واحد لا يصنع دبكة.

يلاحَظ، في هذا البازار، أنّ الإنسان لا قيمة له. حقوقه مهدورة ومداسة في سبيل "حقّ" زعماء الطوائف بالزعامة المطلقة. يضحّي الناس بحقوقهم، ويستسلمون للواقع، ويقبلون باستعبادهم، لأنّ صاحب المشيئة، مشيئة الطائفة، ساقهم إلى الاصطفاف ورائه لتلبية رغباته وشهواته، وذلك باستعماله شعارات جذّابة، كالشراكة الوطنيّة، والعيش المشترك، والتوازن الطائفيّ، والميثاقيّة... ويا ليت أحدهم يعرف تحديد معاني هذه العبارات.

يبدو جليًّا، أنّنا في لبنان، نولي الأولويّة لحقوق الطائفة على حساب حقوق الإنسان. المواطَنة غائبة، وإن قلنا إنّنا نحيا في وطن واحد، لا ينطبق عليه وصف "الوطن"، لغياب المواطَنة. لا وطن من دون مواطَنة حقّ، هذا من البديهيّات. المواطن مطلوب منه تأدية جميع واجباته، ولكنّ ثمّة تفاوتًا هائلاً في الحقوق بين مواطن وآخر. ثمّة مَن لا يحقّ له الترشّح في القضاء حيث رقم سجلّه لعدم وجود مقعد خاصّ بطائفته. ثمّة مَن لا يحقّ له الزواج مدنيًّا في وطنه بسبب مصادرة الطوائف لقوانين الأحوال الشخصيّة. ثمّة مواطنات لبنانيّات متزوّجات من أجانب لا يحقّ لهنّ منح الجنسيّة لأولادهن... ثمّ يحدّثوننا عن الوحدة الوطنيّة بلغة خشبيّة وبرطانة ممجوجة.

المشكلة تكمن في غياب مفهوم الفرد عن مجتمعاتنا وعن ثقافاتنا وأنماط تفكيرنا. فالمرء ليس فردًا منعزلاً ذا مواهب يُعرف بها، بل هو رقم في كتلة دينيّة، أو مذهبيّة، أو عرقيّة... وهو، وإن أعلن تحرّره من الانتماء إلى أيّ تصنيف قبليّ، ثمّة مَن يدرجه، على الرغم منه، في إحدى هذه الانتماءات، ويعامله على هذا الأساس الحصريّ الذي لا مهرب منه كالقضاء والقدر.

حقوق الطائفة أهمّ من حقوق الإنسان. حقّ زعيم الطائفة أهمّ من حقوق الطائفة ومن حقوق الإنسان. ما عادت للإنسان قيمة ولا فرادة. ما عاد الإنسان في بلادنا إنسانًا. لذلك لا عجب أن نرى الناس تُقتل وتُذبح وتُهجّر بأعداد هائلة، وليس ثمّة مَن يكترث.