موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٨ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
جامعة الكسليك تنظم مؤتمرًا حول التعليم العالي الكاثوليكي

الوكالة اللبنانية :

نظمت جامعة الروح القدس (الكسليك) مؤتمرًا دوليًا بعنوان "التعليم العالي الكاثوليكي في لبنان والشرق الأوسط: تعزيز الرسالة والريادة في الابتكار"، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بالتعاون مع رابطة الكليات والجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الدولي للجامعات الكاثوليكية، ومؤتمر رؤساء الجامعات الكاثوليكية في لبنان.

وحضر المؤتمر رؤساء جامعات "الروح القدس الكسليك" الأب البروفسور جورج حبيقة، "القديس يوسف" الأب سليم دكاش، "الأنطونية" الأب ميشال الجلخ، "سيدة اللويزة" الأب بيار نجم، "الحكمة" الأب خليل شلفون، "العائلة المقدسة" الأخت هيلدا شلالا، "الجامعة الأميركية في مادبا" الدكتور نبيل أيوب، وشخصيات دينية وسياسية وتربوية واجتماعية.

وقال رئيس جامعة الكسليك: "نجتمع اليوم في جامعة الروح القدس، جامعة الروح الممثل بألسنة من نار التي بعثت الحقيقة في نفوس التلاميذ وزودتهم بنعمة التشارك مع كافة المجتمعات، إذ مكنتهم من التحدث بلغات عديدة ومختلفة. لقد ثبت التلاميذ مبادىء الرسالة الكاثوليكية في التعليم، وخاصة في التعليم العالي، كما جاء في الإنجيل المقدس، في رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل قورنتس 28:12، وذلك من خلال رسالتهم وحسن تدبيرهم والرغبة والإرادة في إيصال الحقيقة".

أضاف: "كما تم تسليط الضوء على الرسالة الكاثوليكية لجامعاتنا من خلال شهادة القديس البابا يوحنا بولس الثاني في مقدمة الدستور الرسولي للحبر الأعظم حول الجامعات الكاثوليكية، تحت عنوان ’من قلب الكنيسة‘: "لعدة سنوات، لمست في نفسي نضوجا واسعا من خلال تجربتي في العمل الجامعي والحياة الجامعية: البحث الحثيث عن الحقيقة وفرح البحث عنها بقلب واسع ورحب مع الشبيبة ومع كل من يفكرون بصرامة، كي يتصرفوا بشكل صحيح ويخدموا البشرية بشكل أفضل".

وتابع: "نحن مدعوون اليوم لتخريج مفكرين متنوعين وقادة مخلصين قادرين على تلبية حاجات المجتمع المعرفية بشكل مسؤول. إن هدف الجامعة الكاثوليكية، وانطلاقًا من ارتباطها بالكنيسة، هو توثيق وترسيخ الإيمان والعقل كركائز للتعليم الجامعي. كون العلم والمعرفة ولدا لخدمة الإنسان، لذلك، فإن دورنا كمؤسسات كاثوليكية للتعليم العالي هو دور محوري وتحويلي"، مشددًا عل أهمية "التعاون بين كافة الجامعات الكاثوليكية، ليس فقط في لبنان، إنما في جميع البلدان. وأنا كلي إيمان بأنه لو تضافرت جهودنا، سنصل إلى قمة النجاح. عندها سيصبح بمقدورنا أن نلهم طلابنا بطريقة تعاملنا مع بعضنا البعض، كمؤسسات تعليم عالٍ كاثوليكية، ونكون أبهى تجل لطاقة الحب التجديدية والتكاتف المثمر والتلاحم الاجتماعي الخلاق".

واختتم افتتاح المؤتمر بكلمة للبطريرك الماروني، لفت فيها إلى أن مداخلته تشمل نقطتين أساسيتين: "التعليم كرسالة والتعليم كابتكار". وعن موضوع "التعليم كرسالة للعالم. وقال: "اعتبر المجمع البطريركي الماروني الذي انعقد بين عامي 2003 و2006 أن التعليم يشكل جزءا أساسيا من رسالة الكنيسة، وبالتالي كرس نصين بما يخص هذه المسألة: الأول حول "التعليم العام والتقني" والثاني حول "التعليم العالي". وفي خلاصة النص حول التعليم العالي نجد تأكيدا على ارتباط التعليم ورسالة الكنيسة العالمية ارتباطا وثيقا: "التدريب من أجل الآخرين ومن أجل خدمتهم، هذا هو المبدأ الأساسي الذي نستنتجه من دراسة العلاقة بين الموارنة والتعليم العالي في القرون الماضية واليوم أيضا والذي نعتمده كدرس ثابت". وبحسب المجمع الماروني، هكذا نفهم "الانجازات الكبرى التي حققها طلاب كل من المعهد الماروني في روما (الذي تأسس عام 1584) ومعهد عين ورقة (الذي تأسس عام 1789) ودورهم الريادي في النهضة الثقافية في لبنان والعالم العربي، في ضوء الرسالة التي ركزوا عليها بروح مسيحية منفتحة ما أدى بهم إلى التحليق والانطلاق من المجتمع إلى الفضاء الوطني والتألق من لبنان نحو البلدان المجاورة وسائر الشرق".

وأضاف: "يذكر البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون ببعد التعليم التبشيري في منشوره البابوي "الأمم والمعلم" (أي "Mater et Magistra") سنة 1961 حيث يقول "يجب أن يولد التعليم المسيحي عند المسيحيين وعيا يرتكز على القيام بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية تبعا للتعاليم المسيحية". فبالنسبة له، تعتمد الكنيسة على تعليم اتباعها لتأمين ازدهار وحضارة بأبعادها المتعددة وفي مختلف عصورها". واستنتج أن "رسالة المؤسسات الجامعية الكاثوليكية لا تقتصر فقط على توفير تعليم جيد لشباب اليوم كي يتمكنوا من إيجاد مكان لأنفسهم في عالم العمل وكسب العيش الكريم، بل يجب أيضا تنشئتهم لكي يتمكنوا من المساهمة في تحويل مجتمعاتهم وبناء "حضارة الحب". ووفقا لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية والتقليد الماروني، يشكل التعليم الجامعي أولا تنشئة لشخصية الطلاب كي يصبحوا العناصر الفعالة للتغيير الاجتماعي، وفقا لقيم الإنجيل". كما أشار إلى أن "إعلان المجمع الفاتيكاني الثاني حول "التعليم المسيحي" يحث الجامعات الكاثوليكية على دراسة المشاكل الجديدة الناتجة عن تطور العالم الحديث بعناية وبوحدة بين الإيمان والعقل. وبهذه الطريقة، سيتم تحضير طلاب هذه المؤسسات على أن يصبحوا أشخاصا بارزين من خلال علمهم، وجاهزين لتحمل أصعب المهام في المجتمع، وبالوقت عينه أن يكونوا شهداء للايمان في العالم". في الإطار نفسه، قال البابا فرنسيس "إن الجامعات هي أماكن تتمتع بامتياز التفكير وتطوير هذا الالتزام بالتبشير بطرق متكاملة ومتعددة المجالات" (الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل)".

وانتقل البطريرك الراعي إلى المحور الثاني من مداخلته: "التعليم كابتكار لمستقبل منطقتنا"، وقال: "إنكم مجتمعون اليوم في لبنان كمسؤولي التعليم العالي الكاثوليكي في المنطقة وفي العالم، للتفكير معا حول مسألة تطوير مهمة ورسالة مؤسساتكم. وأدعوكم، في ظل تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، إلى التأكد بأن مهمتكم هي في صميم رسالة الكنيسة العالمية، فيما يخص تجديد العالم من خلال الديناميكية وعمل للروح القدس المستمر الذي يغير حياة الشباب. لذلك من الضروري أن يتوجه طلابنا نحو المهن المتعلقة بالصحة والهندسة والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجيا وعلوم الكمبيوتر والمعلومات والاتصالات، بدلا من اللاهوت والعلوم الدينية".

واقترح "أربع قيم أساسية في رسالة التعليم العالي في المنطقة وفي المساهمة في تجديد مجتمعاتنا كمكان للحياة، والإزدهار والكرامة". وقال: "يمكننا طرح هذه القيم الأربعة بمعادلة ذات حدين: الحرية والتضامن من جهة، والتعددية والمواطنة من جهة أخرى. وليس بعيدا عن هذا التأمل، أدعوكم أن تستوحوا من المنشور الحديث الصادر في العام 2017 عن مجمع التعليم الكاثوليكي تحت عنوان: "Eduquer à l'humanisme solidaire pour construire une civilisation de l'amour". وتحدث عن الحرية والتضامن، فلفت إلى "أن الحرية أساس كل القيم وهي الطريق نحو الحقيقة. وبفضل هذه الحرية، تتطور العلوم باستمرار من خلال الشك والأسئلة والنقاشات المنطقية. وبفضل هذه الحرية، يأخذ الشباب القرارات المهمة ويوجهون حياتهم نحو خدمة الخير ليصلوا إلى الالتزام الجذري في الحياة الدينية. وبفضل هذه الحرية، يساهم الشباب ديموقراطيا في تطوير إدارة مجتمعاتهم السياسية. لذلك، فدور الجامعات تعليم الطلاب التفكير بحرية والتمتع بالتفكير النقدي كي يتمكنوا من الهروب من الاغراءات الظلامية والشعوبية والأصولية، أكانت سياسية أو دينية".

وقال: "يجب أن يتعلم الشباب أيضا أن الحرية الحقيقية لا يمكن أن تعاش بالأنانية، بل بالتضامن وخدمة الآخرين. وخلال زيارته لجزيرة لامبيدوسا تضامنا مع اللاجئين في 8 تموز 2013، شجب البابا فرنسيس بشدة ما أطلق عليه اسم "عولمة اللامبالاة". وفسر قائلا: "إن ثقافة الرفاهية، التي تقودنا إلى التفكير بأنفسنا، تجعلنا لا نتعاطف مع أوجاع الآخرين وتجعلنا نعيش في فقاعات الصابون، وهي جميلة، ولكنها لا تساوي شيئا. إنها وهم باطل ومؤقت يدفعنا إلى اللامبالاة تجاه الآخرين، وحتى إلى عولمة اللامبالاة". إنني أعتقد أن دور الجامعات الكاثوليكية هو أن تساعد الشباب ألا يجعلوا من حريتهم فقاعة صابون، بل أن يعيشوا هذه الحرية كهبة أعطيت لهم وتدفعهم إلى النضال من أجل العدالة وخير الجميع".

وعن التعددية والمواطنة، قال: "الحرية تولد التعددية، ولكن تشكل التعددية في آن واحد فرصة وتحديا لمجتمعاتنا المعاصرة وبخاصة في الشرق الأوسط. فنحن نتعلق اليوم بالتعددية أكثر فأكثر، وذلك بعد ظهور الآثار المدمرة التي نتجت عن الأصولية الارهابية التي تحتقر وتضطهد كل ما لا يتوافق معها. يعتمد مستقبل مجتمعاتنا على قدرتها على العيش وتعزيز المواطنة التي تشمل التنوع. ويجب تعزيز التنوع كونه حقا وفرصة للاثراء الشخصي والاجتماعي". أضاف: "يشير منشور مجمع التعليم الكاثوليكي المذكور أعلاه "التربية من أجل الإنسانية المتناغمة" إلى أن امتلاك القدرة على رمي كل أسس أي حوار سلمي للسماح بالتقاء التنوع بهدف بناء عالم أفضل هي من طبيعة التعليم. فهو أولا عملية تعليمية يتجذر فيها البحث عن تعايش سلمي ومثر في مفهوم الإنسان على نطاق اكبر - في توصيفه النفسي والثقافي والروحي - إلى أبعد من أي شكل من أشكال الأنانية والتعصب الإثني، بحسب مفهوم التنمية المتكاملة والمتعالية للانسان وللمجتمع (رقم 15)".

وخلص البطريرك مداخلته إلى القول: "منطقتنا قد عانت كثيرا من العنف الذي حاول مرارا وبطرق مختلفة خنق الحريات فيها وإلغاء التعددية. ولكنها تظهر بفضل صوت شبابها رغبة في عيش هذه القيم واستعادة كرامتهم. نؤمن بالحياة وبأن المسيح أتى ليفيض علينا (يو 10:10) وسيقاوم محاولات الموت هذه. ونعتمد أيضا وقبل كل شيء عليكم، لجعل مؤسسات التعليم العالي الكاثوليكية واحات يعيش فيها طلابنا ويختبرون هذه القيم ويكتسبون مهارات ضرورية لإثراء حياتهم على الصعيد المهني والاجتماعي والروحي والدولي".