موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠١٨
تلفيقات وسائل التواصل الاجتماعي

د. صلاح جرار :

منذ أن تورّطت الناس بالإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيّما الفيسبوك والتويتر واليوتيوب وأنا أشكّك في مصداقية كثير ممّا ينشر في هذه الوسائل وأشكّك في أهدافه. وما زلت أدعو إلى أن ننظر إلى كلّ ما ينشر بعين العقل والمنطق والبصيرة كي نكون قادرين على تمييز الغثّ من السمين والصادق من الكاذب والطيّب من الخبيث.

وقد بدأت تظهر في الآونة الأخيرة حقيقة كثير من الأكاذيب والتلفيقات التي تنتشر بشكل واسع وعريض على صفحات تلك الوسائل ويتناقلها الناس إمّا عن جهل وإمّا عن قصد وسوء نيّة.

ومن الشواهد على ذلك الفيديو الذي انتشر مؤخّراً لإيفانكا ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد اشتمل الفيديو على حديث لإيفانكا عن والدها وهي تفتخر به وبإنجازاته، أمّا الترجمة التي كانت في أسفل الشريط لأقوالها فقد جاءت مختلفة كلّياً عن محتوى الفيديو، وقد حملت الترجمة –على لسان إيفانكا- تطاولاً على المملكة العربيّة السعودية وإساءة بالغة لها، وهو ما خلا منه الفيديو تماماً، وكلّ من له أدنى معرفة باللّغة الإنجليزيّة يستطيع أن يكشف التلفيق بسهولة بقليل من الاستماع لكلام إيفانكا دون قراءة الترجمة المرافقة. ونظراً لغرابة ما تضمنته الترجمة وتجاوزها حدود الدبلوماسيّة فقد انتشر الفيديو بصورة سريعة وتداوله كثير من الناس دون أن يتحققوا من صحّته.

وأمّا الفيديو الثاني فيحتوي لقاءً جمع بنيامين نتنياهو مع عدد من جنوده ودار الحوار بينه وبينهم باللّغة العبرية، وقد أظهرت الترجمة أن الجنود كانوا يتحدثون عن خوفهم وهربهم من مواجهة الشباب الفلسطينيين. وقد قام نتنياهو –حسب الترجمة- بتقريعهم وشتمهم بأقصى العبارات، غير أنّ الذين يعرفون اللّغة العبرية أفادوا بأنّ الحوار الذي دار بين نتنياهو وجنوده مختلفٌ كلّياً عن الترجمة.

ويوجد فيديو آخر يتحدث فيه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن فلسطين وينكر فيه وجود ما يسمى (بإسرائيل) وأنّ اسمها فلسطين وليس لليهود بها أيّ حقّ. وبقليل من التأمّل في الفيديو يظهر أنّ صاحب الصوت ليس جيمي كارتر وإن كانت في خلفية الفيديو صورة لجيمي كارتر وهو يتحدث.

هذه أمثلة قليلة من أخرى كثيرة جدّاً وصور قليلة من صور كثيرة جدّاً للتلفيق والتزوير على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.

ويهدف هؤلاء الملفّقون إلى العبث بعقول القرّاء وغسل أدمغتهم وإثارة الفتن داخل المجتمعات العربيّة وخلق الأحقاد بين الناس وتعزيز الصراعات بين العرب.

ويستغل هؤلاء الملفّقون جهل القارئ باللّغات الأجنبيّة وميله إلى قراءة الترجمة العربيّة للفيديو دون أن يكلّف نفسه عناء الاستماع للّغة الأصلية للمتحدث في ذلك الفيديو، كما يستغلّون نزعة القارئ العربيّ لتصديق كلّ خبرٍ مثير ورغبته في نشره بين الناس.

ولذلك، فإنّ علينا أن نكون حذرين من كلّ ما يصل إلينا من المنشورات والفيديوهات وأنّ لا نسارع في تصديقها قبل أن نعرضها على عقولنا وقبل أن نتحقق من أهدافها. وفي رأيي أنّ الإسراع في نشرها والمشاركة فيها قبل التحقق منها هو إسهام في تحقيق أهدافها إذا كانت أهدافاً خبيثة، وبذلك نتحول إلى أدواتٍ لأعدائنا دون أن ندري.