موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٧ يوليو / تموز ٢٠١٥
تقرير مفصّل للـ"كاثوليكي": المناهج الدراسية ودورها في احترام الآخر الديني

المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام :

أصدر المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن تقريراً مفصلاً بعنوان 'المناهج الدراسية ودورها في احترام الآخر الديني'، مبنياً على المناهج الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم الأردنية، من الصف الأول الأساسي إلى الصف الثاني عشر (التوجيهي).

وفيما يلي النقاط التي توصل إليها التقرير (45 صفحة) والذي تم تسليمه لعدد من الشخصيات المعنية التي لم تعطِ التقرير أيّ حق من العناية والإصغاء. ولما كانت وزارة التربية والتعليم تتجه نحو عقد مؤتمرها العام نهاية هذا الأسبوع، أجد مناسباً توجيه التوصيات التالية:

تهدف هذه الدراسة، حول المناهج المدرسية في وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية، إلى إبداء ملاحظات حول ما تحتويه المناهج، من تغييب للتاريخ المسيحي في المنطقة، وفي هذا الوطن، وكذلك من أخطاء تاريخية، تذكرها بدون مراجعة، وبدون مراعاة لا للحقائق التاريخية ولا للمشاعر الدينية. فالإصلاح الحقيقي يبدأ في البيت، وهو كذلك في المدرسة، وفي المناهج المدرسية، من خلال ما تحتويه، ومن خلال كيفية إيصال المعلومات، وكلا الطريقتين بحاجة إلى تطوير وتحديث.

لقد تمت الدعوة بتاريخ 16/2/2013 إلى ندوة في المعهد الملكي للدراسات الدينية، وشارك بها معالي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وسماحة مفتي المملكة، ومعالي وزير التربية والتعليم، وعطوفة مديرة المناهج التربوية، ومدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، وأصحاب السيادة الأساقفة، وعدد من الكهنة والمهتمين، وتم التباحث حول المناهج الدراسية، وهل تربي على احترام الآخر - الديني؟.

في مؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين العرب المنعقد في عمّان، والذي دعا اليه ورعاه صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وحضره صاحب السموّ الملكي الأمير غازي بن محمّد، جاء في ورقة مجلس رؤساء الكنائس في الاردن، والتي تلاها المطران مارون لحام في 4/9/2013:

"المناهج المدرسية: هنالك أخطاء تاريخية في مناهج دراسية وبالخصوص كتاب 'الثقافة العامة' فيما يخص مخطوطات قمران، إضافة إلى عدم وجود ذكر للماضي المسيحي للأردن في القرون التي سبقت مجيء الإسلام، مما يولّد عند الطالب المسلم الاعتقاد أن المواطن المسيحي إنسان غريب، كما يولّد عند الإنسان المسيحي نفس الشعور بالإغتراب عن تاريخه ووطنه ودوره في المجتمع الواحد. وقد يكون ذلك ناتجًا عن تولّي جهات معيّنة في الأردن وزارة التربية والتعليم في فترة ما من تاريخ الأردن الحديث".

وفي باب المقترحات في الورقة ذاتها، جاءة الدعوة إلى استصدار: قرار من الجهات المختصة بمراجعة بعض الفجوات في المنهاج التعليمي، فيما يخص الوجود المسيحي الماضي والحاضر في الأردن.

لقد تتبعنا المناهج المدرسية خلال العامين الدراسيين: 2011-2012 و2012-2013، فوجدنا الملاحظات التالية، وجل ما يتمناه المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، وجميع ذوي الإرادة الصالحة في هذا البلد العزيز، أن تكون المناهج المدرسية خادمة للألفة والمحبة والتعاون بين مختلف مكوّنات المجتمع، دون إيثار أحداهن على الأخرى. أمّا الملاحظات فهي:

1. المناهج المعتمدة في هذه الدراسة، هي المناهج المدرسية من كتب التاريخ والجغرافية والتربية الوطنية والاجتماعية واللغة العربية. ولم يتم مراجعة كتب التعليم الإسلامي في حصص الدين، احتراماً للخصوصية ولحرية تعليم الدين في كل غرفة صفية.

2. نعي تماماً، بأنّ الثقافة العربية والاسلامية هي الهدف الرئيس من مناهج المدارس، سيّما وأنّ دين الدولة هو الإسلام، كما ينص على ذلك الدستور. إلا أنّ ذلك لا يمنح المناهج الدراسية التي يتعلمها أو يتلقنها الطلاب والطالبات، على اختلاف عقائدهم ودياناتهم، بألا تميّز بين دراسة 'الدين' في 'حصص الدين'، ودراسة العلوم الأخرى. فهنالك العديد من الدروس، كما تبيّن الدراسة، تصلح لأن تكون حصصاً دينية، وليس تعليماً علمياً حول شؤون الكون والتاريخ والجغرافية، وعلى جميع الطلبة أن يتعلموه.

3. إنّ الفجوة الكبرى التي وجدها الباحثون في المركز الكاثوليكي، هي أنّ المناهج التربوية والتعليمية، غريبة وبعيدة كل البعد عن مبادرات حوارية عالمية، قادها الأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة، وبوعي شعبه العزيز. فهل من المعقول والمقبول، ألا تأتي المناهج على ذكر لمبادرات الحوار الإسلامي المسيحي التي بدأت في الاردن، كدولة أنموذجية، وريادية، في الحوار بين الأديان، وأين مبادرة 'كلمة سواء'، وأسبوع 'الوئام بين الاديان'، و'المنتدى الكاثوليكي الإسلامي الدائم'، وكلها مبادرات أصلها أردني، ومن الأردن انطلقت إلى كل أرجاء الأرض. هنالك بلا شك ذكر 'لرسالة عمّان' وهي المبادرة الوحيدة المذكورة.

4. التراث العربي الإسلامي. والأماكن المقدسة الإسلامية، والهوية العربية الإسلامية، وبخاصة في القدس هي من هموم الكتب المدرسية الأساسية، إلا أنّها تغفل عن ذكر القيمة المسيحية للمدينة المقدّسة.

5. إنّ ذلك يقودنا إلى نتيجة، مع كل أسف، انّ مناهجنا العزيزة لا تدعو الى الاحترام المتبادل، ولا الى الحوار، ولا الى التلاقي والوئام. وذلك لانّها لا تذكر تاريخاً إلا تاريخاً واحداً. ولا تذكر إلا ديانة واحدة. فكيف الدعوة الى التآخي والحوار والوئام، وليس هنالك احترام أو ذكر للتعددية الرائعة التي تميّز المجتمع الاردني الكريم؟

6. المؤلفون ولجان الإشراف: تخلو لائحة المؤلفين ولجان الاشراف من أي مؤلف مسيحي. وبالتالي المعلومات المعبأة في المناهج هي أحادية الدراسة والجانب والنظرة إلى شؤون الكون من خلال ديانة واحدة باستثناء مؤلف أو اثنين لمادة الجغرافيا.

7. تعاني بعض كتب التاريخ من قفزات 'غير منطقية' في العصور، أدت بطبيعة الحال إلى 'شطب' أي ذكر للوجود المسيحي أو العربي المسيحي في المنطقة. مثلاً: كتاب 'تاريخ العرب الحديث وقضاياه المعاصرة'، للصف العاشر، الوحدة السادسة: القدس تاريخ وحضارة، صفحة 69، الانتقال من تاريخ القدس في العصور القديمة (3000 قبل الميلاد - 636 ميلادي) إلى القدس في العهد الإسلامي (636 ميلادي - 1516 ميلادي).

8. بعض من كتب المناهج الدراسية تتناول قضايا تاريخ الكنيسة، بطريقة سطحية، وأحياناً مغلوطة، أو يتم التركيز على مواضيع خلافية، بحيث تقدم وجهة نظر على حساب الأخرى، وهذا يتنافى مع مبدأ 'إنصاف التاريخ'. من هنا ندعو إلى إزالة كل تشويش لعقيدة وتاريخ وهوية الآخر، وإدخال المفاهيم التي تركز على الحوار وثقافة التعددية. لكنّ المناهج تخلو من ذكر لتاريخ الكنيسة بشكل عام، أو التواجد العربي المسيحي. وليس للتاريخ المسيحي العربي من ذكر صريح ومباشر.

9. لدى الحديث عن التاريخ العربي في هذه المنطقة العربية، يذكر التاريخ العربي الإسلامي، وليس التاريخ العربي 'و' الإسلامي. انّ اضافة حرف 'الواو' بين 'العربي' و 'الاسلامي' سيدل بدون شك على احترام التعددية والاعتراف بوجود عرب غير مسلمين، وتحديدا مسيحيين. على سبيل المثال: كتاب التاريخ للصف التاسع الاساسي، عنوانه: 'التاريخ العربي الاسلامي'.

10. كتاب الثقافة العامة في الثانوية العامة: لقد كتب عنه الكثير ويرفق التقرير مقالات في نهايته، إلا أن وزارة التربية والتعليم مصممة على إبقائه وبالأخص الفصل المتعلق بمخطوطات قمران سيما وأنه يبين هذه المخطوطات التاريخية النفيسة، وكأنها جاءت فقط لتمهد لمجيء الإسلام، وليس لكونها مخطوطات أصيلة عن الكتاب المقدس. كما أن المادة تتكرر في منهاج التاريخ للصف السابع والصف العاشر وبنفس الأخطاء التاريخية.

11. تقتبس المناهج من كتب دينية غير سليمة وغير صحيحة تاريخياً: مثل إنجيل برنابا، وتعتبره إنجيلاً صحيحاً، بينما هو إنجيل مزيف وفيه أخطاء تاريخية وجغرافية ودينية.

12. نتساءل هنا أيضاً لم لا تأخذ وزارة التربية والتعليم قراراً بتثقيف الطالب حول شؤون دينية عامة والديانات التوحيدية وبخاصة المسيحية والإسلام، والدعوة إلى الحوار بين أتباع الديانات، مثلاً بأن تقدم شرحاً حول أسبوع الوئام بين الأديان (الأسبوع الأول من شباط)، وهو الذي صادقت عليه الأمم المتحدة بالإجماع تجاوباً مع مبادرة أردنية منذ أيلول 2010. من جديد، انّ السياسة الأردنية الخارجية مبادراتها مقدّرة في العالم أجمع، لكنّها في واد، ومناهجنا في واد آخر.

13. يجب إعادة النظر في التسميات التالية: عصر الجاهلية، النصارى، أهل الذمة، الطوائف، الإرساليات التبشيرية، الحروب الصليبية، والاقليات الدينية، والتعايش... واستبدالها بمصطلحات أكثر علمية وأكثر تعبيراً عن الأوضاع اليوم. وبخاصّة في التركيز على المساواة في الحقوق والواجبات، والكرامة الإنسانية، وحرية العبادة والضمير، وصولاً إلى مرحلة المواطنة نصاً وحرفاً وتطبيقاً. وبدل الحديث عن 'الاقليات'، لمَ لا نتحدث عن 'المكوّنات'؟

14. تخلو مناهجنا المدرسية من شرح لأي من الأماكن السياحية الدينية المسيحية، لذلك لا تشكل أي ترويج وتشجيع على زيارتها والتعرف على تاريخها. وهنا للانصاف الحضاري والتاريخي، دعوة الى تخصيص بعض الفصول من الكتب، للحديث عن أهم المواقع المسيحية التاريخية، واظهار صورها، واقتراح رحلات مدرسية لزيارتها.

15. إن النقطة الرئيسية التي توصل اليها الباحث هي أنّ مناهجنا العزيزة لا تسير بحسب المبادرات التي يوجهنا إليها صاحب الجلالة، ولا توجه المجتمع نحو مزيد من الألفة والمحبة، إن المتتبع للمناهج يرى بأنّ هنالك 'منهجاً' رئيسياً وهو تغييب كل ما هو ليس ديانة إسلامية، وعدم الدعوة إلى الحوار بين أتباع الديانات، لسبب وجيز وهو أنّ الديانات الأخرى غير موجودة، مغيّبة وملغاة من قاموس وصفحات المناهج. لذلك ليس هنالك دعوة الى الحوار.

16. نقترح إضافة الخطاب التاريخي الذي ألقاه سيد البلاد في المؤتمر الذي دعى اليه جلالته حول التحديات التي تواجه العرب المسيحيين، في 3 أيلول 2013. وفيه قال صاحب الجلالة: 'إن الحفاظ على الهوية العربية المسيحية ليس مطلباً ومنّة، بل واجباً'. من هنا، إنّ مناهجنا التربوية لا تحافظ على هذه الهوية، بل تنسفها تماماً، ولا تعطي أية قيمة حضارية لها.

17. هنالك تغييب لأيّ اشارة تدل على وجود 'ديانة ثانية '. فلدى الحديث عن مرافق المجتمع، تقول المناهج 'المساجد'، وتضيف اليها أحيانا 'بيوت العبادة الأخرى'. لماذا لا نبيّن للطالب، انّ هنالك كنائس الى جوار المساجد.

18. تركز مناهجنا على الأخلاق والقيم 'الإسلامية' في كل مجالات الحياة وحقوق المرأة والطفل متجاهلة ومغيبة القيم التي تتمتع فيها المسيحية. لماذا لا يتم الحديث عن 'حقوق الإنسان' وكرامته، من منطلق إنساني رفيع، ليس مسيحياً ولا مسلماً؟ إلا أنّ الأخلاق، بحسب المناهج المدرسية، هي محصورة دوماً بالجانب الإسلامي. وهالك أحيانا كثيرة ، ذكر انّ الديانة الاسلامية هي التي وضعت القواعد الانسانية السليمة، وكأنّ كل ما كان قبل الاسلام هو ظلم واجحاف بحقوق الانسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص.

19. لقد ورد في تدريبات اللغة العربية للصف السابع الآية الإنجيلية 'ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان'، وهنا نتساءل لماذا لا تتواجد مثل هذه الآيات المقتبسة من الإنجيل في مناهجنا? ثم لماذا لا نقول للطالب انّها آية من الانجيل، كما نذكر ذلك عند الآيات القرآنية؟

20. الاقتراح لدى الحديث عن الشأن المسيحي، الرجوع الى مصادر موثوقة، وهي امّا مصادر مكتوبة، او الى اشخاص كفوئين قادرين على تقديم المعلومة بنزاهة تامّة. ويمكن الاستعانة بكتيّب نشرته البطريركية اللاتينية قبل سنوات بعنوان: 'بعض القضايا الساخنة في تاريخ الكنيسة' للأب الراحل جورج سابا وفيه قراءة موضوعية لبعض المسائل الشائكة في تاريخ الكنيسة.

21. مثلان: الاول من كتاب الصف الخامس، التربية الاجتماعية والوطنية، الجزء الأول، ص 15، ففي عام 2012 كان العنوان: الاحوال الدينية (أي قبل الإسلام) يقول المنهاج: 'كان أكثر العرب قبل الاسلام يعبدون الأصنام والاوثان، مثل اللات، وعزى، ومناة، وهبل، رغم وجود عدد قليل من العرب كانوا يعبدون الله تعالى، كالحنيفية وهم أتباع سيدنا ابراهيم عليه السلام'. تم التغيير بين العامين الدراسيين، بعد كتابة الأب رفعت بدر في وكالة عمون بتاريخ: 2792012، وتحت عنوان: 'مناهج التربية والتلقين وإلغاء الآخر'‎، لكن التغيير لم يصل إلى حد ذكر اسم الديانة المسيحية، بل جاء في عام 2013 كالتالي: تحت عنوان: الاحوال الدينية (أي قبل الاسلام) يقول المنهاج: 'كان أكثر العرب قبل الاسلام يعبدون الاصنام والاوثان، مثل اللات، وعزى، ومناة، وهبل، رغم وجود عدد قليل من العرب كانوا يعبدون الله تعالى'. وبالتالي تخجل مناهجنا التربوية من ذكر (مجرد ذكر) لاسم ديانة أخرى.

المثل الثاني: المناهج المعدّلة، قامت وزارة التربية والتعليم بتغيير المناهج للصفوف الثلاثة الاولى: لكنّها ما زالت تربي على العنف واستخدام الدين استخداما خاطئا: مثال على ذلك ما جاء في كتاب اللغة العربية، الجزء الثاني، الصف الثالث الاساسي، المعدّل، فتحت عنوان: اقرأ واستمتع: 'نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد توليه الخلافة، انه قال: اذا رأيتم في اعواجاجا، فقوّموني، فقام رجل، وقال لعمر، والله لو راينا فيك اعوجاجا، لقوّمناك بسيوفنا، فقال عمر، الحمد لله الذي جعل في أمة محمّد من يقوّم عمر بسيفه'. فلم لا نربي ابناءنا وبناتنا على عقلية 'الحوار والاخذ والعطاء الفكريين، بدل ان نعملهم الأخذ بالسيف لكل من يخالفنا الرأي؟.

الخلاصة: جاء في خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، في مؤتمر 'التحديات التي تواجه المسيحيين العرب'، 3 أيلول 2013: "الهاجس الأكبر لدينا هو أن تترسخ النظرة السلبية والانعزال بين أتباع الديانات، ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي. وهذا يتطلب منا جميعا التركيز على موضوع التربية والتنشئة لحماية الأجيال القادمة، وهذه مسؤولية الأسرة وباقي المؤسسات التربوية، إضافة إلى المساجد والكنائس".

فإذا كان رأس البلاد قد استخدم كلمة 'كنائس' إلى جانب 'المساجد' فلماذا تصر لجان التأليف والإشراف على مناهج التربية والتعليم على أن العالم لون واحد وليس تعددية راقية؟.