موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٧ ابريل / نيسان ٢٠١٧
المسلة المصرية في قلب الفاتيكان

الأنبا يوحنا قلته :

أغلب الظن أن المسلة الفرعونية المنتصبة في قلب الفاتيكان، وأمام كنيسة القديس بطرس، أكبر كنيسة في العالم، هي آخر ما يلقي عليه النظر قداسة البابا فرنسيس قبل أن يأخذ الطائرة قادماً إلى مصر وطن المسلة.

لقد احتفل قداسته بعيد ميلاده الثمانين يوم 17 ديسمبر 2016 ولم يزل يتدفق حيوية يغمرها دوماً الأمل في بناء إنسانية تمضي في سياسة السلام والتضامن وهو القائل في خطابه وأن يصبح «اللاعنف أسلوباً للحياة» (صحيفة الفاتيكان اوسرفاتورى رومانو 15 ديسمبر 2016) وهو القائل: الحرب تبدأ من قلب الإنسان وكلنا مسؤولون عن السلام، وإعلان الحرب يبدأ من كل واحد منا (المصدر ذاته 26/2/2017).

نحن أمام شخصية لها ملامحها الواضحة ويمكن الإشارة إلى ثلاث سمات خاصة بالبابا فرنسيس: أنه أرجنتيني الجنسية، فهو منتمي للعالم الثالث ولبلد يسعى جاهداً للترقي والتنمية، لذلك كان أحد همومه وهواجسه الوقوف إلى جانب الدول النامية فالشعوب جميعها في حاجة إلى السلام قبل الخبز، يسهم في مشروعات كثيرة لمساعدة هذه الشعوب التي تحاول اختراق دائرة الفقر.

أنه ذو ثقافة من مؤسسة الآباء الجزويت «يسوعي» التي تضم قرابة عشرين ألفا من الرهبان، ولهم مدارسهم وجامعاتهم ولها خاصية الثقافة الشاملة المنفتحة على ثقافات العالم فى الفن والأدب والفلسفة.

بُعده عن مظاهر الترف. رفض أن يلقب بفرنسيس الأول أو الثاني وأعتبر الأمر نوعاً من الرفاهية، ووضع نظاماً للحياة فى الكنيسة يتسم بالبساطة لا الثراء أو البذخ وفي أحاديثه أحياناً يتذكر حياته في الأرجنتين وبنوع خاص حنان والدته، لذا نراه يدافع بكل قوة عن كيان الأسرة وقدسية الحياة العائلية وخبرته واسعة وعميقة في العمل في الأحياء الشعبية وبين الفقراء.

يأتي البابا فرنسيس إلى مصر، زيارته تشيع البهجة والفرح وهو يدرك تماماً قيمة مصر وتاريخها الحضاري واستيعابها لكل الثقافات وحدبها على الأديان كافة، يدرك أن مصر وحدها دون بلدان العالم كافة سمعت صوت الخالق تبارك وتعالى على قمة جبل سيناء، وتزلزل الجبل فأي جلال وبهاء أعظم من هذا، كما يدرك أن مصر اكتشفت قبل الأديان الموحى بها الإيمان بالإله الواحد، ولما اتهم سيجموند فرويد مصر بأنها اخترعت الأديان صحح له المعلومة الدكتور حسين فوزي في كتابه «السندباد» بأن مصر اكتشفت الإيمان ولم تخترعه، كما يدرك قداسة البابا أن أكثر من ثلث تراث الحضارة الإنسانية في مصر وآثارها، لذلك لم تعرف حروباً أهلية، ولا قبلية، ولا دينية، كما استوعبت مختلف الأديان والمذاهب، أنها مصر يا قداسة البابا، أرض السلام ووطن التعايش، وأن شعبها من أكثر شعوب الأرض حباً في بناء الحياة، والاستقرار، والترقي.

وأود أن أذكر قداستكم بأن مصر يقودها اليوم ابن من أبنائها البررة نشأ على أرضها وتربى فى مدارسها وأصبح جندياً في جيشها، أنه يا سيدي واحد منا نحبه ويحبنا، ويبذل كل الجهد ليترقي بالوطن دون كلل أو ملل، أنه مصري أصيل قبل كل شيء، يعمل على التعايش بين الشعوب والتضامن بين أصحاب الأديان والانفتاح على كل الثقافات.

يا قداسة البابا، ستطأ قدمك الأرض التي تربى عليها موسى النبي كما شهد الكتاب المقدس «وتعلم موسى الحكمة من مصر» (سفر الأعمال 2) ووطأتها أقدام السيد المسيح وأمه العذراء وحارسه القديس يوسف، وإن كانت مصر يا صاحب القداسة أرض النيل والهرم والكرنك والأزهر والمرقسية، فهي قبل ذلك كله الأرض التي أسست علوم الأديان والتي توهجت عليها حياة الرهبنة. يا صاحب القداسة سبعة آلاف سنة من الحياة والحضارة ترحب بكم وشعب يبني ويرتقي ويسعى لتكون الحياة أفضل يرحب بكم، فأهلاً وسهلاً بقداسة البابا.

(نقلاً عن الأهرام المصرية)