موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٥ أغسطس / آب ٢٠١٨
الحوار هو الحل

د.حسان ابوعرقوب :

الكون مبني على الاختلاف، الشمس والقمر، الذكر والأنثى، الماء والنار، وهذا الكون يسير على النواميس التي خلقها الله، ولا يبغي عنها حولا، وتعيش المكوَّنات بناء على هذه النواميس بتكامل عجيب غريب، فلكل منها وظيفته التي يؤديها، ولا تتنازع بالوظائف.

والبشر بطبيعتهم مختلفون باللون، واللسان، والثقافة، والأفكار، والمؤكد أن المطلوب أن يؤدي كل واحد وظيفته متكاملا مع الآخر لعمارة الكون وبنائه، وتحقيق الخير والسلام للإنسانية كلها، وبهذا يتميّز الإنسان بأنه اختار أن ينسجم ن مع هذا الكون المنسجم بالتسيير دون اختيار. ولكنّ هذا الإنسان كثيرا ما يتمرد على هذه المنظومة باختياره وإرادته، فيجعل من الاختلاف مع الآخر أصلا يبني عليه آراءه وأفكاره ومواقفه. ويقلب صيغة التكامل الواجب اتباعها إلى اقتتال واحتراب وخصومة وعداء، فيقوم بالهدم بدل البناء، معمما الشرّ والحرب بين البشر، فيعود على وظيفة الأساسية بالنقض.

لا بدّ أن نتحلى بالشجاعة لمحاورة الآخر المختلف عنا، على أن يكون حوارا علميا هادئا ليحقق الثمار المرجوة منه، وأن تكون الغاية من الحوار سماع الآخر للتعرف عليه معرفة حقيقية بعيدة عن الأساطير، والخرافات، والمغالطات.

وضمن مساعي الحوار قام مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب رفعت بدر بدعوتي لمقابلة وفد شبابي من الولايات المتحدة الأمريكية من مؤسسة Philos Project حيث دارت ندوة حوارية حول الأديان وعلاقتها مع بعضها: أين تتلاقى، وأين تختلف، وكيف يمكن أن تتعاون فيما تشترك به، وكيف يمكن أن تذلل العقبات أمام ما تختلف فيه، وما هي الأسس التي ينبغي أن يُبنى عليها أي حوار بين الأديان، ما هي نقاط القوة لهذا الحوار، وأين تكمن نقاط الضعف. وما علاقة مدنية الدولة بالدين، وما موقف المسلمين والمسيحيين من اليهود وما يحصل في فلسطين، ودور الأديان في صناعة السلام، ومحاربة التطرف والعنف، وكيف يتم تطوير الخطاب الديني، وهل الأديان بحاجة إلى إصلاح، وإن لم تكن بحاجة فكيف تواكب العصر؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تمت مناقشتها على نار هادئة جدا من وجهة النظر الإسلامية والمسيحية.

الملفت للنظر قدرة هؤلاء الطلبة –ذكورا وإناثا- على التفكير الناقد، من حيث التحليل والتفكيك، وإعادة التركيب، ويظهر ذلك من خلال انتقاء الصيغة المناسبة للسؤال، وتوجيه السؤال المباشر في صلب الموضوع، والغوص في عمق المسائل، وحسن الاستماع، وحسن الجواب والرد، وهذا قلما تجده عند طلبتنا.

كما أذهلتني مهارة هؤلاء الطلبة في الحوار، ومعرفة قيمته الحقيقية، وممارستهم الفعلية له، حيث يكتبون ما يسمعون ثم يناقشونه مرة أخرى، وهي إشارة بالغة على اهتمامهم بكل ما يقال، وأنه يستحق المناقشة.

لا شك أننا اتفقنا أحيانا واختلفنا أحيانا أخرى، لكن لم أر منهم من شخّص مسألة ما، وقلب الحوار من الفكر إلى الشخص، تنزّلا بمكانة الحوار، كما يحصل في كثير من حواراتنا.

طلبوا مني تلخيص فهمي للإسلام من خلال جمل بسيطة فقلت لهم: الإسلام دين يدعو إلى توحيد الخالق وعبادته، وتحقيق السلام والأمان والكرامة الإنسانية لكل البشر على هذه الأرض.

وعندما سئلت عن نظرة الإسلام لغير المسلم أجبت: الله سبحانه كرّم بني آدم، فالإسلام ينظر إلى البشر أنهم خلق الله، وأنهم مكرّمون، وقد رزقهم الله عقولا يفكرون بها، ويختارون طريقهم، والله تعالى يحاسبهم على اختيارهم، وقد أمرنا ربنا أن نخاطب الناس بالحكمة، والموعظة الحسنة، وأن نخوض الجدال بالتي هي أحسن.

أظهر الطلبة في نهاية الندوة سرورهم بالأفكار التي سمعوها متمنين أن تنتشر بين الناس ليعرفوا الإسلام بصورته المشرقة.