موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ٢١ مايو / أيار ٢٠١٥
البطريرك صبّاح: كلمة ورؤية إيمان في واقع السياحة والحج

البطريرك ميشيل صبّاح :

فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها البطريرك ميشيل صبّاح خلال مؤتمر "السياحة والثقافة الفلسطينية في مدينة القدس: فرص غير محدودة":

السياحة صناعة وتجارة، نعم. ولكنها أيضا رسالة، وهنا في أرضنا المقدسة، وفي القدس بالذات، مدينة الصلاة والإيمان، السياحة هي حج إلى الأماكن المقدسة. والحج هو صلاة وإيمان.

السياحة رسالة أصيلة لأرضنا المقدسة. بلدان العالم كله مكان سياحة، وبعض أماكنه أيضا أماكن حج وصلاة. ولكنّ أرضنا تتميز بأنها الأرض المقدسة بامتياز. ومن ثم، نحن الذين نسكنها، نسكن أرضا لله وأرضًا لنا، بكل ما فيها من قداسة وبكل ما فيها من صراع.

وما فيها من صراع يدعوكم أنتم أيضا العاملين في هذا القطاع، إلى المشاركة في الصراع. ومشاركتكم في الصراع هو استقبالكم للقادمين، وهو استثمار لكم وللعاملين معكم، وتوفير لحظات حياة في الوقت نفسه للقادم إلينا وإلى أرضنا. لكم ولأبناء أرضكم العاملين معكم في هذا المجال، تقدمون لحظات حياة وفرص عمل، بالرغم من الصراع. وهذا أيضا رسالة، ومشاركة في الواجب العام في مواجهة الصراع.

وكون السياحة رسالة في أرضنا لأنها مقدسة، فالوجه التجاري والصناعي يجب أن يؤسَّس على وجه إنساني، وأهداف إنسانية وتعامل إنساني مع القادم إلينا. فالسياحة عامل في تطوير الإنسان في أرضنا، فإنه وإن كتب علينا الصراع، إلا أننا أناس مضيافون نحترم ونرحِّب بمن يأتي إلينا ولو كنا نحن في الشدة. السياحة صناعة وتجارة وفرص عمل، وهي أيضا مربية للإنسان في أرضنا، موسعة لروآه ولقلبه ومهذِّبة لتعامله مع القريب والغريب: لأنه في أرض الله لا أحد غريب، ولأنه في الضيافة أيضاً، الضيف ليس غريبًا، بل هو إنسان عزيز تُوفَّر له كل وسائل الهناء ما زال في ضيافتنا. ومن ثم عليكم أيضا واجب، ليس فقط في تأهيل العاملين معكم بصورة مباشرة، بل وفي إعداد البيئة البشرية بصورة عامة، لتكون هي أيضا مرحِّبة مبتسمة موفِّرة للضيف الطمأنينة والراحة.

وفي السياحة أيضاً وجه إيمان. فالقادم إلينا قد يكون سائحًا فقط، يريد أن ينعم بضيافة الأرض ومواهب الله فيها. ويمكن أن يكون حاجًّا مؤمنًا بالله وبقيم دينية تميّزه كما تميّز أرضنا. والحاجّ مسيحي أو مسلم أو يهودي أو على أي دين في العالم. وعلى مستقبِله أن يحترم فيه إيمانه، بل أن يكون مؤهَّلًا، عارفًا بأسس إيمانه ومشاعره الدينية العميقة، على أيّ دين كان. فالحاجّ ليس فقط حامل مال ومكاسب لنا، ولا هو فقط مشتري ذكريات، ومقدِّم فرص عيش لتجار ولعائلات ولأفراد، بل هو إنسان أتى ليصلي ويعمّق إيمانه. ومن ثمّ، المسؤولون عن السياحة يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار كل هذه الأوجه. الدليل طبعًا له أهميته، ونحن نعرف أنّ بعض الدلل هم على غاية الأهبة والاستعداد ويقومون بواجبهم أفضل قيام. ولكنّنا نعرف مع الأسف دلُلًا غير مؤهَّلين، أحيانا من حيث المعرفة لما يتكلّمون فيه، ومرارًا من حيث المشاعر الدينية لمن يتكلّمون لهم. الحاجّ يأتي لمسيرة إيمان، وصلاة. فإن كان الدليل من نفس إيمان الحاج، يمكنه أن يرافقه مرافقة روحية تجعل مسعى الحاج الدينية والإيمانية مسعى موفقًا تملأه روح الله ونعمته. وإن لم يكن الدليل من إيمان الحاج فعليه أقله أن يحترم مشاعر الحاج ويوفر له الأجواء الروحية بقدر ما يستطيع، ليحسن الحاجّ صلاته وتأمله.

في أرضنا وجه قداسة، وفيها مع الأسف وجه صراع. طبعاً لا نريد أن نعيش الصراع مع سوّاحنا أو حجّاجنا، إنما واجب على الدليل الصادق والمسؤول السياحي الصادق، أن يقدم للسائح أو الحاجّ المصلي الوجه الحقيقي للأرض التي جاء يزورها أو يصلي فيها. فهي أرض آلام ومظالم، ومن حق السائح أن يعرف ذلك من دون تطرّف في الموقف أو انحياز، لأن الحقيقة نفسها تجد أهلها وتؤثّر في قلوبهم ومواقفهم.

مساعيكم، ما عدا المسعى التجاري الصناعي، مسعى رسالة، هي مسعى إنساني مهذِّب للإنسان في أرضنا، ومسعى ضيف يرحب بضيفه، ومسعى روحي مرافق لمسيرة روحية للحاج، ومسعى أمانة قومية لما يجري في الأرض. كل هذه المساعي هي جزء من مهامكم.

أتمنى لمؤتمركم أن يراعي كل هذه النواحي لرسالتكم. عملُكم عمل نبيل، ولا سيما في أرضنا هذه، يستمد سمُوًّا ونُبلًا ممَّا وهب الله أرضنا من سمُوٍّ وروحٍ وقداسة.