موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٤ أغسطس / آب ٢٠١٤
البطريرك ساكو يكتب: "إلى ضمير كبار العالم، مسيحيو العراق.. النكبة نكبتان"

البطريرك لويس روفائيل ساكو :

الجميع يعلم أن المسيحيين العراقيين مع أقليات اخرى، تلقوا ضربةً قاتلة في صميم حياتهم ووجودهم: من تهجير أكثر من مائة ألف شخص مسيحي، تهجيراً قسرياً مُذلّاً، وسرق ممتلكاتهم وأموالهم ومستمسكاتهم، والاستيلاء على بيوتهم، لتهمة وحيدة هي مسيحيتهم! قد زرت العديد من مراكز نزوحهم في محافظتي اربيل ودهوك، ما سمعته كأنه من عالم الخيال!.

منذ السادس من آب وحتى الآن لا أفق لحلّ قريب على الأرض، بل على العكس من ذلك تمويل مستمر وتسليح وتدفق مقاتلين، وراسم المشهد ومنفذه يعملان بقوّة. وبالرغم من أن ما نعيشه حملة اجتثاث منظمة، إلا أنها لم تتمكن من تحرّيك ضمير العالم إلا قليلاً. والآن بدأ المشهد الثاني من النكبة وكأنه الحل المرسوم، وهو تهجيرهم إلى بقاع الارض لتبدأ رحلة التيه وعملية تذويب هويتهم التاريخيّة وتراثهم وطيّ تاريخهم المجيد.

للتهجير والهجرة أثرهما البالغ علينا مسيحيين ومسلمين. جميعنا نخسر شيئاً لا يُعوّض بتهجير مكون بحجم المكون المسيحي، ويبدأ تراث عريق كتراثهم بالتلاشي!.

المجتمع الدولي -بخاصة أمريكا والاتحاد الاوروبي- يتحمل مسؤولية أخلاقيّة وتاريخية تجاه ما حصل، وهو حتى الساعة لم يفكر بمشروع حقيقي لمعالجة الأزمة وكأن هؤلاء الاشخاص ليسوا من جنس البشر. كذلك المجتمع المسلم هو الآخر لم يقل ما كّنا ننتظره حيال الأعمال البربرية التي باسم الدين مورست ضد حياة المسيحيين وكرامتهم وحريتهم بالرغم من أنهم أصحاب فضل وشراكة وكفاح من أجل الوطن والعروبة لغة وتاريخاً وحضارة إسلامية.

الأصولية الدينيّة لا تزال تقوى وتتنامى بكل ما تفرزه من مآسي، ولا نعلم متى يقوم علماء الدين والمفكرون المسلمون بدراسة نقديّة لهذه الظاهرة الخطيرة وتفكيكها من خلال توعية دينية صحيحة وإشاعة ثقافة الاعتراف بالأخر وقبوله كأخ وكمواطن مكتمل الحقوق؟.

ما حصل هو بحجم الدول، لذلك نحتاج إلى دعم دولي عاجل وفعال ومساندة جميع الأشخاص ذوي الإرادة الطيّبة لإنقاذ هذا المكون الأصيل من هذا الزلزال، علمًا أن الصمت والتقاعس يشجعان داعش والأصوليين على المزيد من المآسي.

كثير من هؤلاء النازحين يرغبون بالعودة إلى بلداتهم وبيوتهم في سهل نينوى، ويتمنون أن يروها آمنة تحت إشراف دولي، إلا أن هذا التطهير الكامل لا يمكن تحقيقه إلا بتعاون المجتمع الدولي وحكومتي المركز والإقليم. هؤلاء الناس الأبرياء يستحقون العيش بسلام وكرامة وقد أرعبوا من داعش ومن جيرانهم الذين هبوا لسلب بيوتهم ونهبها معتبرين إياها "غنيمة"!.

الكنيسة: يقينا أننا نفتخر بإيمان أبنائنا وبناتنا وثباتهم وشجاعتهم في مواجهة ما قاسوه من أجل مسيحيتهم، لكننا في الوقت نفسه مدعوون لاستثمار هذه النكبة المشتركة لعيش مسكونيّة حقيقة وليس إنشائية (خطابات)، كما عشناها خلال زيارة موفد البابا فرنسيس والبطاركة والمنظمات المسيحية المختلفة. هذه الأزمة تعطينا القوة لإعادة البناء الروحي والمعنوي والمادي لجماعاتنا. علينا احترام قرار من يريد الهجرة، لكن مع من بقى، علينا التأكيد على تاريخنا الطويل والمتجذر بعمق في هذه التربة، وأن لله إرادة بوجودنا هنا ويحملنا رسالة ينبغي أن نحملها وهي رسالة محبة وأُخوة وكرامة وعيش مشترك متناغم.