موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
الأصوليات الدينية: ما ينذر بظهور الأشد

إميل أمين :

تستدعي صحوة الحالة الدينية حول العالم من جديد طرح تساؤل جوهري: هل من تحديات تفرضها الأصوليات الدينية على المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء؟

المقطوع به أن الأصولية المنغلقة تعتبر من الأخطار الكبرى التي تعصف بكل مجتمع إذ لا يمكن حل أي مشكلة في مجتمع ما انطلاقاً من معتقداته الجامدة، ويكمن خطر الأصولية في عدم تقبلها للحوار وعدم اعترافها بهوية الآخر، والأخطر من ذلك الأصولية العمياء التي تلوي عنق النص الدين - أي دين كان - تبريراً لمواقف متطرفة بعيدة كل البعد عن روحه، إنه وضع خطير لاسيما وأن أبطال الهوس الدينى هم شباب الجيل الجديد.

بعض الجماعات الأصولية تحاول بناء الأمة وليس الدولة، والفرق شاسع بين الاثنين، فالأمة بحسب الفكر الأصولي، جماعة تجتمع حول وحدة العقيدة والإيمان وليس بالضرورة وجود عناصر أخرى، في حين أن الدولة تتضمن التعددية.

وبسبب انعدام المحبة والغفران، يحيى الأصوليون تاريخ الصراعات الدينية لكي يسوغوا رغبتهم في إقصاء الآخر المختلف، وفي هذا الإطار يستحضر اليهود خلافاتهم مع المسلمين في شبه الجزيرة العربية وزمن نزول النبوة، ومعاركهم مع الأوائل من المسلمين، فيما المسلمون لاحقاً يستحضرون تاريخ الحملات الصليبية، ويستحضر المسيحيون تاريخ المماليك والعثمانيين، والأطراف الثلاثة تبغي تسويغ تصرفاتها السلبية تجاه الآخر المختلف، وتطرف الأصولي اليهودي أو المسيحي أو المسلم في الإيمان يدفعه إلى التطرف في الموقف، معتبراً بذلك أنه يتفانى من أجل رسالته، وقد يضحي بحياته من أجلها، وهذا ما يدفعه أكثر فأكثر إلى سلوك طريق الشهادة التي تؤدي به إلى ملاقاة وجه ربه، وهذا أقصى ما يحلم به ويتمناه.

ما هو أفضل طريق يمكن للأديان كافة لاسيما اليهودية والمسيحية والإسلام تقديمه للبشرية في القرن الحادي والعشرين لمواجهة ومجابهة الأصوليات الدينية المتطرفة؟

المؤكد أن القيم الإنسانية تمثل رابطاً عاماً، وقاسماً أعظم مشتركاً يمكن للأديان أن تعيد اكتشافها في نفوس الناس، ومن هذه الحقوق الأساسية والقيم الإنسانية الحق في الحياة والحق في التمايز، والحق في التميز، والحق في الاحترام، وهناك كذلك المبادئ الإنسانية الرئيسية مثل الحرية والعدالة، والمساواة والرحمة، وحب الجمال والانسجام الخلقي، وجميع هذه القيم لا يختلف عليها كأساس متين وقوي في الأديان الإبراهيمية الثلاثة وترسيخ وجودها يعني تقليص مساحات التطرف والأصولية.

هذه القيم الإنسانية حاضرة في كل إنسان ولكن بنسب متفاوتة فبقدر ما يشجع الإنسان على بروزها في مسلكيته تكون حاضرة، وكلما عاد الإنسان إلى إنسانيته، أي إلى صورة الله في ذاته، يعود إلى هذه القيم، وتختفي هذه القيم تحت ركام الأنا المتجسدة في التكبر والطمع، وقد تكون هذه الأنا فردية أو جماعية، مثل أنا القومية، أو الوطنية، أو القبلية، أو العائلة، أو حتى الفرقة الدينية.

في هذا السياق يجب ألا يكون الدين متعارضاً مع هذه القيم بل يجب أن تكون هذه القيم متضمنة في منظومة الدين الأخلاقية، لأن الله هو محور كل دين، وأما التعبير الديني فبشري، يأتي في المظهر الثقافي، حيث يوجد الإنسان المعبر عن تدينه.

إن فعل العبادة في الدين ما هو إلا عملية غرز أخلاقية الله في العابد، وكل ممارسة دينية تهدف إلى تدريب الممارس على العيش في هذه القيم.

وأي ممارسات دينية على خلفيات أصولية تعارض هذه القيمة الإنسانية يجب أن يشك في جدواها، فأي توجه ديني أو إيديولوجي يتسبب في تعدي على الفرد في أي من هذه القيم الإنسانية يجب أن يعاد النظر فيه.

ولعل الإشكالية المتوجب مواجهتها اليوم هي أن الأصولية منهج تفكير يوجد عادة في ميدان العلوم الإنسانية بشكل عام، وفي ميدان الدراسات الدينية بشكل خاص.

ويقوم هذا الفكر على مبادئ العودة إلى الأصول (الجذور)، والقراءة الحرفية للنص المقدس، وينتهى إلى احتكار الحقيقة، وتضخيم الذات القومية، واستبعاد الآخر المختلف، بل ومحاولة إلغاء هذا الآخر.

أما اليوم، وبعد كثير من المتغيرات المعرفية والديموغرافية والسياسية، على أثر الأعمال المشينة التي نتجت من الأصوليات الدينية، بات ولابد من الوقوف أمام التحديات وإعمال آليات الحل، حتى لا تدخل البشرية في طريق انفجار مسكوني يؤدي بالجميع إلى موارد التهلكة فبعد أن بدأ العالم يمضي في طريق العولمة، ها هو يعود من جديد لينتكص على أعقابه ولتجد القوميات والأصوليات والعرقيات مكاناً في عالم القرن الحادي والعشرين، مما ينذر بمولد ما هو أشد هولاً من الفاشية، وأخطر من النازية.