موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٣ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
الأردنيون.. وحكاية الجنسية الثقافية

د. صبحي ربيحات :

الصورة الذهنية للأردنيين في العالم تحمل الكثير من الايجابية، فغالبا ما يصفوننا بالطيبة والكرم والجدية والامانة وعزة النفس والكشرة الدائمة. والصورة التي نرسمها لأنفسنا عن أنفسنا تتسم بالرومانسية ولا تخلو من المبالغة فغالبا ما نصف انفسنا بالوسطية والاعتدال والشجاعة والعروبية وقبول الآخر والتسامح. بعض هذه الصفات حقيقي وبعضها الآخر مبالغ فيه او تلاشى بفعل ارتفاع وتيرة الغضب والانفعال والتشكيك والتوتر وموجة التطلب التي اصبحت سمة واضحة وصفة مستشرية بين كافة طبقات المجتمع وتلاوينه.

قبل اكثر من عشر سنوات طرح استاذ مادة الحضارة والثقافة في احدى الجامعات الاردنية على طلبته سؤالا عن الهوية الثقافية للشعب الاردني وفيما اذا كانت هوية الاردنيين تختلف عن غيرهم من الشعوب والمجتمعات الاخرى وما اذا كان مجمل الناس في الاردن يحملون جنسية ثقافية توحدهم بصرف النظر عن منابتهم واصولهم وعرقياتهم وديانتهم وانماط حياتهم ومستوى دخولهم واعمارهم ونوعية نشاطهم، وهل يحمل الاردنيون سمات مميزة وخصائص كتلك التي نجدها في المؤسسات والبرامج والمنتجات التي تحمل العلامات التجارية المحمية، وما حدود المحلية والعالمية في الشخصية الاردنية، وكيف تتمازج وغيرها من التفصيلات التي تساعد على فهم السؤال الواسع الذي خرج بالجميع عن سياق العرض النظري المعهود الى مداهمة الواقع في محاولة لتعريفه وتشخيصه وتحديد ملامحه ومكوناته، مستعينين بالأدوات والمفاهيم والمناهج التي جرى تناولها على مدى اكثر من ثلاثين ساعة صفية.

ما إنْ فرغ الاستاذ من سؤاله حتى انهالت الاستيضاحات حول المقصود بالهوية وعلاقتها بالجنسية الثقافية، وفيما اذا كان القصد محصورا بما يقوله المجتمع والثقافة عن نفسيهما او ما يمكن ان نقرأه بانفسنا، او ما كانت عليه الهوية او الجنسية قبل عقود من الزمان او ما هي عليه اليوم. اضافة الى قضية التدقيق في الفوارق بين القول والفعل والرغبة والتصرف والظاهر والباطن ومستوى التحول في الايمان والتعلق والممارسة للكثير من المبادئ والقيم والممارسات التي ما تزال تشكل مكونات الصورة النمطية للشخصية الاردنية كما يرويها البعض ويراها الاخرون.

كما اشتملت الاستيضاحات على اسئلة عن امكانية النظر الى اللهجة واللباس والاطباق الشعبية باعتبارها خصوصية ثقافية او التوسع لشمول كل ما يميز الاردنيين عن غيرهم في التفكير والشعور والمظهر والممارسة بعد ان امتزجت الخرافة بالاسطورة والعادات والقانون والتقاليد والاعراف والمعتقدات والاغاني والاهازيج والامثال والاحداث الكبرى وما حيك حولها من قصص وروايات فشكلت الشخصية والرؤيا والمزاج.

اثار السؤال الطلبة وحرك خيالهم مثلما فتح شهية الاستاذ للإسهاب فيما يمكن ان يجد الباحث في تجاويف الهوية وطياتها بعد ان يستنفد تأمل ملامحها الظاهرة، فكانت اجابات الطلبة متفاوتة تراوحت بين سرد الخصائص التي تضمنها الدستور وكتب التاريخ والجغرافيا ومحاضرات التربية الوطنية ولا تخلو من بعض الاوصاف والصور التي قدمها الشعراء وكتاب الاغاني والنصوص الواردة في منشورات وزارة السياحة وأعداد المجلات الفلكلورية.

الاردنيون يصفون انفسهم بالكرم والشجاعة والايمان بالله والتعلق بعروبتهم وسعيهم للوحدة، يحمون الجار ويدافعون عن المظلوم ولديهم نزعة قوية لقول الحق ومواجهة الظلم والتضحية في سبيل الوطن والقيم النبيلة واحترام الانسانية والوقوف الى جانب الحق والوفاء بالحقوق والكسب الحلال والتباهي بالعصامية والإنجاز.

ويشترك الاردنيون في تقدير الإرث التاريخي المشترك بما فيه من اماكن ومعالم ومقامات، اضافة الى الشخصيات التي ضحّت من اجل الوطن وخدمت الامة. كما يمتاز الاردنيون بخاصية الاحترام الشديد لمؤسساتهم الدستورية وقيادتهم والاعتزاز بتاريخهم وامجاد امتهم العربية والاسلامية.

في كل مرة يواجه منتخبنا الوطني فرقا عربية او اجنبية نجد مشجعي المنتخب يطوقون اعناقهم بالكوفية الحمراء التي اصبحت شعارا مصاحبا لحضور العَلَم وشكلا من اشكال تعبير البعض عن حمى وطنيتهم المتدفقة. قبل ايام ظهر اسطورة الغناء الاوبرالي اندريه بوتشيلي على جمهوره العالمي في ساحة الاعمدة الرئيسية في جرش موشحا بالكوفية الحمراء.

قبل سنوات كان يكفي ان تشتم رائحة الزعتر المطحون او ترى شعار الخطوط الملكية وكوفية حمراء على رأس جندي عائد من إجازته او صورة شجرة زيتون وثلاثة ازرار جميد كركي وفتاة ترتدي ثوبا مطرزا وبائعا يقول أمرك سيدي لتعرف انك تحيط بالشخصية الاردنية. اليوم يصعب علينا ان نتأكد حتى لو حشدنا كل هذه الصور فقد ظهرت الى جانب الكوفية عمامات كثيرة.