موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
الأحد السادس من لوقا

الأب بطرس جنحو :

فصلٌ شريف من بشارة القديس لوقا (8: 27–39)

في ذلك الزمان أتى يسوعُ الى كورةِ الجَرَجُسيينَ فاستقبلهُ رجلٌ من المدينة بهِ شياطينَ منذُ زمانٍ طويل ولم يكن يلَبسُ ثوباً ولا يأوي الى بيتٍ بل الى القبور * فلمَّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ لهُ وقال بصوتٍ عظيمٍ ما لي ولك يا يسوعُ ابنُ الله العليّ. اطلب اليك ألاَّ تعذّبـَني * فاَّنهُ امر الروح النجـسَ أنَ يخرَجَ مِنَ الانسان لانـَّهُ كان قد اخّتـَطفَهُ منذ زمانٍ طويل وكان يُربَط بسلاسِلَ ويحُبَسَ بقيودٍ فيقطعُ الرُّبـُط ويُساق من الشيطان الى البراري * فسأَلهُ يسوع قائلاً ما اسمك. فقال لجَيَون لانَّ شياطين كثيرين كانوا قد دخلوا فيهِ * وطلبوا اليهِ ان لا يامرَهم بالذهاب الى الهاوية * وكان هناك قطيعَ خنازيرَ كثيرةٍ ترعى في الجبل * فطلبوا اليهِ أن يأذَنَ لهم بالدخول فيها فأذِنَ لهم فخرجَ الشياطين مِنَ الانسانِ ودخلوا في الخنازير فوثب القطيع عَنِ الجرفِ الى البحيرَةِ فاختنق * فلما رأى الرُّعاةُ ما حدث هربوا فأَخبروا في المدينة وفي الحقول * فخرجوا ليرَوا ما حدث وأتوا الى يسوعَ فوجدوا الانسانَ الذي خرجت منهُ الشياطين جالساً عند قَدَمَي يسوعَ لابساً صحيحَ العقل فخافوا * وأخبرهم الناظِرون ايضاً كيف أبرىءَ المجنونَ * فسألهُ جميعَ جمهورِ كورةِ الجرجسيين أن ينصرفَ عنهم لانّـَّهُ اعترَاهم خَوفٌ عظيم. فدخل السفيَنة ورجَعَ * فسَألهُ الرجَلَ الذي خرجَت منهُ الشياطين ان يكون معهُ. فصرَفهُ يسوعُ قائلاً ارجع الى بيتك وحدِّث بما صنع اللهَ اليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلّها بما صنع اليهِ يسوع.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

دخل يسوع مع تلاميذه إلى كورة الجرجسيّين، ليلتقي الرّجل، الّذي تسكن بيت جسده شياطين كثيرة منذ زمان طويل! في ذلك الوقت من الزمان الّذي وُجِدَ فيه يسوع، على الأرض، كانت القوى المضادّة، تعمل وجهًا لوجه مع البشر الّذين تود اجتذابهم إليها.

أما اليوم، فالرّوح النّجس الخبيث، يتوارى في ستائر حرير القصور ومنازل الأَغنياء وروّاد الليل في المقاهي، في أفلام العنف والموت والدَّعارة وكلّ الأعمال الآلية الّتي تبلورت في قرننا المريض المسكين، الّذي يؤلّه ذاته لكسبٍ أسهل للمال واستقطاب مادّة التخدير الّتي تغطّي وتستر علاقات النّاس بعضها بالبعض الآخر وبالعالم حولها. في أيّة كذبة يحيا الإنسان اليوم؟! أليس هو شبيه شخصيّة رجل "كورة الجرجسيّين". حين يتعاطى الظلم والقمع والسّيطرة والسّيادة.

وإذ يصلون إلى واقع العبادة ينظرون بصقيع إلى دواخل أعينهم، ويبقى النّاس، غالبيّة النّاس والشعوب، تصطاد روح الرّب، يسوع القدّوس، غزالاً يهيم على وجهه في البراري والصّحاري والغابات. ورأى ساكنُ القبور والشياطين الإلهَ، "فصاح وخرَّ له وقال بصوت عظيم، ما لي ولكَ يا يسوع ابن الله العليّ. أطلب إليك ألاّ تعذبني. فإنّه أمر الرّوح النّجس أن يخرج من الإنسان لأنّه كان قد اختطفه منذ زمان طويل". أكلّ من يرى الإله يعرفه! كانت الشياطين تعرفه وتخرّ له طالبة أن لا يعذّبها، لأنّها تعرف كم آذت من النّاس، ولم ترتدع بل أكملت قتل أولاد الإله، علّها تقتل الإله فيهم.

بعد معجزة تهدئة الأمواج وإنقاذ السفينة التي هي الكنيسة قام السيّد بإنقاذ هذين المجنونين، وهما يشيران إلى عنف سطوة الشيطان على الإنسان، روحًا وجسدًا. كان المجنونان الخارجان من القبور يشيران إلى الروح والجسد، وقد خضعا لحالة من الموت بسبب الخطيّئة، فقط ملك الشيطان على الروح، ففقدت شركتها مع الله، أي فقدت سرّ حياتها. وملك الشيطان على الجسد، ففقد سلامه مع الروح، وانحلّ بعيدًا عن غايته، فصارت دوافعه وأحاسيسه منصبّة نحو الذات، يطلب المتعة الوقتيّة. هذا هو فعل الخطيّة، أنها تدفن الروح والجسد كما في القبور، ويصير الإنسان كما في حالة هياج شديد لا يعرف السلام له موضع فيه، بل ولا يترك الآخرين يعبرون الطريق الملوكي. يتعثّر الآخرين، فلا ينعم بالحياة الحقيقية ويحرم الآخرين منها.

ربّما يتساءل البعض: لماذا سمح الله للشيّاطين أن تذهب إلى قطيع الخنازير؟ ما ذنب هذه الخليقة؟ وما ذنب أصحابها؟

أولًا: لم تحتمل الخنازير دخول الشيّاطين بل سقط القطيع كلّه مندفعًا إلى البحر ومات في الحال، وكأن السيّد أراد أن يوضّح عنف الشيّاطين، فما حدث للمجنونين كان أقل بكثير ممّا حدث للخنازير... معلنًا أن الله لم يسمح للشيّاطين أن تؤذي المجنونين إلا في حدود معيّنة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم على ما حدث للخنازير عندما دخلتها الشيّاطين، قائلًا: هكذا تفعل الشيّاطين عندما تسيطر! هذا مع أن الخنازير بالنسبة للشيّاطين ليست ذات أهمّية، أمّا نحن فبالنسبة لهم توجد بيننا وبينهم حرب بلا هوادة، ومعركة بلا حدود، وكراهيّة بلا نهاية. فإن كان بالنسبة للخنازير التي ليس بينهم وبينها شيء هكذا لم تحتمل الشيّاطين أن تتركها ولا واحدة منها، فكم بالأكثر تصنع بنا ونحن أعداء لهم... ماذا يصنعون بنا لو كنّا تحت سيطرتهم. أيِّ مضارٍ شديدة لا يحدقوننا بها! لهذا سمح الرب لهم أن يدخلوا قطيع الخنازير حتى نتعلّم عن شرّهم بما فعلوه بأجساد الحيوانات غير العاقلة، ونعرف ما يحدث لمن تمتلكهم الشيّاطين... إنه يحدث لهم ما حدث مع الخنازير.

ثانيًا: أعلن السيّد بتصرّفه هذا تقييمه للنفس البشريّة، فهو مستعد أن يترك قطيع الخنازير يهلك من أجل إنقاذ شخصين!.

ثالثًا: أظهر الرب عنايته بخليقته فإنه لن تستطيع الأرواح الشرّيرة أن تدخل حتى في الخنازير بدون استئذانه.

وخرج أهل المدينة ليشكوا للأَهلِ وأصحاب الخنازير موت قطيعهم "فوجدوا الإنسان الّذي خرجت منه الشياطين جالسًا عند قدمي يسوع لابسًا صحيح العقل فخافوا... وأخبرهم "النّاظرون" أيضًا كيف برئ المجنون! فسأله جميع جمهور كورة الجرجسيّين أن ينصرف عنهم لأنّه اعتراهم خوف عظيم. فدخل السّفينة ورَجَعَ. فسأله الرّجل الّذي خرجت منه الشياطين أن يكون معه. فصرفه يسوع قائلاً: ارجع إلى بيتك وحدِّث بما صنعه الله إليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلّها بما صنع إليه يسوع". وعاد "آدم" المضروب بالشيطان، إلى بيت أبيه بعد أن أذلّه الشرّير زمانًا وعمرًا طويلاً، ليجلس عند قدمي يسوع سامعًا كلامه ولابسًا حلّة معموديّته الجديدة، بالإله الواحد المثلّث الأقانيم... مُقيمًا إيّاه من موت الرّوح والجسد والحسّ والقلب والكيّان ومناديًا بما صنع إليه يسوع ليخلص.

أيها الأحباء أن الشيطان يراقب الإنسان المؤمن والذي ييدء حياته بالتوبة والصلاة النابعة من القلب. لذلك عليكم أن تنبهوا إلى حيل الشيطان وأساليبه. المؤمن لا يهاب طالما أن الرب هو ملجأه والملاذ الوحيد له.