موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ١٧ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥
الأحد الذي قبل عيد رفع الصليب

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (3: 13–17)

قال الربُّ لم يصعد احدٌ الى السماء الاَّ الذي نزَل من السماء ابن البشر الذي هو في السماء * وكما رفع موسى الحيَّةَ في البريةَّ هكذا ينبغي ان يُرفَعَ ابنَ البشر * لكي لا يهلكِ كلُّ مَن يؤمِنَ به بل تكونُ لهُ الحياة الابديـَّة * لانهُ هكذا احبَّ اللهَ العاَلمَ حتـَّى بذَلَ ابنهُ الوحيدَ لكي لا يهـِلكَ كلُّ مَن يؤمنَ به بل تكونَ لهُ الحياة الابديـَّة * فانَّهُ لم يرسِلِ الله ابنهُ الوحيدَ الى العاَلم ليَدينَ العاَلم بل ليُخلَّصَ بهِ العاَلم .

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد. أمين.

"هكذا ينبغي أن يُرفع ابن البشر"

في هذا الأحد المبارك وهو الأحد قبل عيد رفع الصليب نسمع من أقوال الرب هذا المقطع من بشارة الإنجيلي يوحنا، وفيه يعرض الرب اختصاراً مركّزاً لتدبيره الخلاصي الذي أتمّه على الأرض والذي فيه يعبّر عن محبّة الله القصوى التي تجسّدت ببذل الابن الوحيد. ويقول كيف أن موسى رفع الحية في البرية هكذا هو بذاته سيرتفع ويكون الضحية كي كل من يؤمن به ينال الحياة الأبدية ، وهكذا استعمل قصة من العهد القديم كي يساعد تلاميذه أن يفهموا الكلام ويتحضروا كي يتقبلوا حدث الصلب.

وهو يريد بذلك أن ينقل أهمية الايمان به وبمجيئه إلى الأرض. فبالمقارنة مع ما حدث مع موسى قديماً حين حصل الناس بمجرّد النظر إلى الحية النحاسية على الشفاء، فاليوم يحصل الذي ينظر إلى الرب بعين الايمان على "الحياة الأبدية" التي هي الشفاء من سلطان الخطايا وإنعام الله على المؤمن بمغفرتها.

يقول لنا السيد بتشبيهه هذا عن موته على الصليب وحيث يشفي المسيح كل المجروحين والمتألمين من الحية العقلية أي الشيطان، ويُخلّص من الموت الأبدي والجحيم كل الذين يلجؤون إليه بإيمان، يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "كيف لأحد ما أن يؤمن بالصليب وهو محكوم من الموت؟ إن كان اليهود الذين اصيبوا بجروح من الحية يشفون عند نظرهم على الحية النحاسية المعلّقة على عصا موسى، فإن كل الذين يؤمنون بالمسيح سينالون أشفية أكبر".

يقدم لنا غاية نزوله من السماء، أن يرتفع على الصليب ليقدم الخلاص للبشرية. آخر معجزة صنعها موسى النبي قبل وفاته هي رفع الحية النحاسية في البرية لشفاء الشعب من لدغات الحيات . هكذا بالصليب يخلصنا من لعنة الناموس الذي كسرناه فصارت كلدغات الحيات النارية القاتلة.

ونلاحظ من قراءة سفر العدد (21: 6–9). أنه بعد خروج بني إسرائيل من مصر، وفي طريق ارتحالهم من جبل هور إلى أرض أدوم، تذمّر الشعب على الله وعلى موسى النبي الذي كان يسير الشعب بقيادته. وعندما تذمّروا "أرسل الرب على الشعب الحيّات المحرقة، فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل. فأتى الشعب إلى موسى وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلي إلى الرب ليرفع عنا الحيات. فصلى موسى لأجل الشعب، فقال الرب لموسى: اصنع لك حية محرقة وضعها على راية، فكل من لُدغ ونظر إليها يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا".

يشدد السيد المسيح أن كل الذين يؤمنون به لا يمكن أن يخسروا بل سيمنحهم حياة أبدية، كلام السيد واضح: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية" (يوحنا16:3)، في تشديده هذا أراد أن يُرينا أن خلاصنا لا يبنى على محبة الله بل أيضاً على إيماننا، الإيمان هو الشيء الأساسي الذي يمكننا استخدامه في حياتنا مع الله ومن الأساسيات لخلاصنا بعد مشيئة الله ومع أعمالنا الصالحة.

القديس البار نقولا كاباسيلاس يشرح الكلام الذي يقال في القداس الإلهي "اصنعوا هذا لذكري"، ويقول: "ما هي هذه الذكرى؟ وكيف داخل القداس الإلهي سنتذكر السيد؟ … ماذا سنتذكر عنه؟ ربما أنه قام من بين الأموات أو العجائب التي قام بها؟ بل أكثر سنتذكر ضعفاته وموته على الصليب، أي أن نتذكره وهو على الصليب".

بين الصلب والصليب حكاية المصلوب والذي أراد ان يُحرّر شعبه من نير الذلّ والموت الذي كان يسود عليه بسبب ضعفه وخطيئته وفقدانه الحبّ الذي لأجله خُلق ليكون أرفع الكائنات وأقربها إلى خالقها. فالصليب ليس مجرّد تعويذة أو قطعة معدنية نحملها في صدورنا، أو مسبحة أو خاتماً في أيدينا، أو وشمًا نَلحَمُهُ في أجسادنا. إنّ هذه الحركات ليست سوى مظاهر دنيوية لا علاقة لها من بعيد ولا من قريب بإيماننا. الصليب أولاً وآخراً "عهد جديد" قطعه لنا الرب بموته عنا وعن خطايانا بعد أن كنا عبيداً للموت لا رجاء لنا.

الصليب المقدس بحسب الآباء له قوة ثلاثية، الأولى، طرد الخطيئة، الثانية، خروج الأهواء المسببة الخطيئة من داخلنا، الثالثة، مشاهدة المجد الإلهي، ويشرحون ذلك أنه كما اليهود خرجوا من مصر كان عليهم أن يمحوا من داخلهم كل ذكريات العبودية كي يدخلوا أرض الميعاد هكذا أيضاً المسيحيون عليهم أن يبتعدوا عن عالم الخطيئة ثم ينزعون الأهواء والرغبات الجسدية من داخلهم وأخيراً سيصلون لمشاهدة المجد الإلهي.

أحبائي: محبة الله في المسيح، ظهرت في صليب المسيح بأجلى بيان، قدّمت لي فداءً وحياة جديدة. وعليه على المؤمنين أَنْ يُرفعوا أيضاً على الصليب محبّته متحرّرين من ثِقَلِ خطاياهم عساهم يساهمون "الابن الوحيد" في جذب الجميع إلى هذه المحبة العميقة. آمين.