موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر السبت، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠١٥
الأحد الذي قبل عيد الظهور الإلهي

الأب بطرس ميشيل جنحو :

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (1 :1-8)

بدء انجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله . كما هو مكتوبٌ في الانبياء : هاءَنذا مُرسلٌ ملاكي امام وجهك يُهـيّىءُ طريقَك قدَّامك * صوتُ صارخٍ في البّريَّة أعِدُّوا طريقَ الربّ واجعَلوا سُبلهُ قويمةً * كان يوحنَّا يعمّد في البريَّة ويكرز بمعموديةِ التوبةِ لغفران الخطايا * وكان يخرج اليه جميع اهلِ بلد اليهودية واوُرشليَم فيعتمدون جميعُهم منهُ في نهرِ الاردِنِّ معترفين بخطاياهم * وكان يوحنا يَلبَس وَبرَ الإبلِ وعلى حقوَيهِ منطقةٌ من جلدٍ وياكلُ جرادًا وعسلاً برّيـًّا * وكان يكرِز قائلاً اَّنه يأتي بعدي من هو اقوى منّي وانا لا استحقُّ ان أنحِنَي واحلَّ سَيْـَر حِذائهِ * انا عمَّدتكم بالماء وامَّا هو فيُعمِّدكم بالروح القدس .

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

أيها الأحباء، بدء إنجيل البشير مرقس بمسيرة مجيء يسوع وعمادته من يوحنا المعمدان سابقه وأخر الأنبياء. مع هذه الكلمات من المقطع الإنجيلي والمختص بالأحد الذي قبل عيد الظهور الإلهي (والمعروف لدى العامة بعيد الغطاس) هي بداية الأحداث التي تؤثر ببشرى الخلاص بيسوع المسيح، ابن الله، كان تمهيداً للكرازة من يوحنا المعمدان.

نهاية العهد القديم وبداية العهد الجديد، يستشهد البشير مرقس بنبؤتين الأولى من ملاخي: "هاءنذا مرسل ملاكي أمام وجهك في طريقك قدامك". والثانية من أشعياء: "صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة". يسمي يوحنا بالملاك لأنه من خلال حياته بشر وكرز ومهد طريق المسيح. وقد اعتادت الكنيسة أن تصور القديس يوحنا المعمدان بجناحين كملاك الرب.

القديس والبشير مرقس هو الإنجيلي الوحيد الذي أعطى لسفره عنوان "إنجيل" ناسبًا إياه ليسوع المسيح ابن الله. وكأن ما يقدمه في هذا السفر ليس مجرد عرض لأحداث قد تمت، إنما هو بشارة مفرحة لكل نفس تلتقي بيسوع بكونه "المخلص"، وهو المسيح، إذ مسحه الآب بروحه القدوس لتتميم عمل الفداء وإعلان محبة الثالوث القدوس العملية خلال الصليب. والعجيب أن السفر يبدأ بإعلان بنوة السيد المسيح للآب في افتتاحيته، ويختتم بدعوة السيد المسيح لتلاميذه أن يكرزوا للأمم ويعمدهم، وفيما هو يحدثهم يرتفع إلى السماوات، كما إلى حضن أبيه. بمعنى آخر يفتتح السفر ببنوة السيد للآب، ويختتمه بدعوتنا للبنوة للآب من خلال الإيمان به ومياه المعمودية المقدسة.

وهنا يمييز لنا القديس كيرلس الكبير: بأن السيد المسيح الكلمة وبين سابقه يوحنا الصوت، فيرى الأول كالشمس الساطعة التي يسبقها كوكب الصبح المنير، إذ يقول: كان إشعياء على علم بعمل يوحنا التبشيري، فبينما يسمي إشعياء المسيح إلهاً ورباً (إش 9: 6)، يشير إلى يوحنا بأنه رسول خادم ومصباح يضيء قبل ظهور النور الحقيقي. هو كوكب الصبح الذي يعلن بزوغ الشمس من وراء الأفق، فتبدد أشعتها الساطعة. كان يوحنا صوتًا لا كلمة، يتقدم المسيح، كما يتقدم الصوت الكلمة.

أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: كان يوحنا يكرز بمعمودية التوبة (أع 24:13). لم يقل بولس لهم إن معمودية يوحنا ليست بشيء بل قال إنها لا تكفي وليست كاملة. فقال: معمودية يوحنا هي معمودية التوبة وليست معمودية غفران الخطايا، مرشداً إياهم إلى مقام أسمى، وموضحاً أن معمودية يوحنا لم تكن تمنح غفران الخطايا لأن الغفران الكامل يأتي من المعمودية باسم الرب يسوع والروح القدس.

كان هذا الصوت الذي يقودنا إلى السيد المسيح والتمتع بإنجيله هو صوت التوبة المعلن لا بكلمات يوحنا المعمدان فحسب وإنما حتى بلباسه وطعامه، فكانت حياته كلها صوتاً صارخاً يقود النفوس نحو المسيح. لذلك يقول الإنجيلي: "كان يوحنا يعمد في البرية ، ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أورشليم، وأعتمد جميعهم منه في نهر الأردن، معترفين بخطاياهم. وكان يكرز قائلًا: يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلًا أن أنحني وأحل سيور حذائه. أنا أعمدكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس".

يأتي المسيح بداية لعمله الخلاصي، يأتي المسيح ليهيء لنا ذواتنا بقوة الروح القدس المعزي. يأتي المسيح لينير الطرق المظلمة، يأتي المسيح ليطهرنا ويجدد نفوسنا، يأتي المسيح في الوقت المناسب حيث يرى من خلاله البشر خلاصهم.

المسيح هو بالتالي، نعمة لنا نحن البشر، ومن خلاله لدينا شهادة للبشرية. هو مصدر الضوء ومغذينا بالروح.

وفي غضون ذلك نحتفل بعيد الظهور الإلهي (الغطاس). عيد الغطاس هو بداية لظهور الثالوث الأقدس في حياتنا. هو طريقنا لنسلك كأعضاء في جسم الكنيسة الواحد.

اذاً في الظهور الإلهي يتجلّى الله لنا آباً وابناً وروحاً قدساً بعد أن ظهر طفلاً في بيت لحم. ان الذي وُلد من أحشاء البتول ظهر لنا مخلّصا، محوراً للكون، بل كان الكون فيه خليقة جديدة، مسكن الله مع الناس.