موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر السبت، ٣١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥
الأحد الثالث من لوقا

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس لوقا (7: 11–16)

في ذلك الزمان كان يسوع منطلقًا الى مدينةٍ اسمُها ناين وكان كثيرون من تلاميذهِ وجمعٌ غفيرٌ منطلقين معهُ * فلمـَّا قرُب من باب المدينة اذا مَيّتٌ محمولٌ وهو ابنٌ وحيدٌ لأمّهِ وكانت ارملةً وكان معها جمعٌ كثيرٌ من المدينة * فلمَّا رآها الربُّ تحنَّن عليها وقال لها لا تبكي * ودنا ولمس النعشَ (فوقف الحاملون). فقال أيـُّها الشاب لك اقول قُمْ * فاستوى الميَـِت وبدأ يتكلَّم فسلَّمهُ الى أمهِ * فأخذ الجميعَ خوفٌ ومجَّدوا الله قائلينَ لقد قام فينا نبيُّ عظيمٌ وافَتقَدَ اللهُ شعبهُ.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

نعود اليوم بالتاريخ إلى هذا المشهد حينما ذهب يسوع هو وتلاميذه إلى مدينة تدعى نايين وهي مدينة صغيرة جدا تقع جنوب شرق الناصرة. وهدف المسيح من زيارته، تقديم رسالة التوبة للجميع.

يُخبرنا المقطع الإنجيلي عن أرملةٍ كانت في يأسٍ كبير إذ فقدت ابنها الوحيد ولم يبقَ لها من يعيلها في الحياة، وإذ كانت الأمور تسير في هذا المنحى، إذا بيسوع يمرُّ ﺑﻬا ويتحنَّن عليها قائلاً لها: "لا تبكي". جموعٌ كثيرة كانت حولها ولم تستطع أن تغيِّر من واقعها الأليم شيئاً، شخصٌ وحيد قدَّم لها ما تحتاجُه نفسها الحزينة الكئيبة، قدَّم لها الحنان ودفء الحب والمواساة الذي يحتاجه كل إنسان.

ليتنا نكون كهذه الأرملة، إذ نفقد رجلنا الذي اخترناه خلال العصيان، أي إبليس، هذا الذي دفع بابننا الوحيد أي نفسنا إلى الموت، فصارت محمولة في الجسد كما على نعش، خارج البيت الإلهي بلا حياة. نلتقي مع واهب الحياة إذ وحده يتحنَّن علينا، فينزع عنَّا ثقل هذا الموت، ويردّ لنا نفوسنا حيّة فيه، وأجسادنا مقدَّسة بروحه القدِّوس.

قبل أن يلمس الرب النعش لمس قلب الأم قائلًا لها لا تبكي. ولا تبكي هذه لو قالها أي إنسان لأم فقدت وحيدها فهي لن تعزيها، أمّا لو سمعتها من المسيح نفسه لدخل العزاء إلى قلبها.

نجد أن المسيح هو الذي يبادر بصنع المعجزة دون أن يسأله أحد ليعلن أنه أتى ليعطي حياة للبشر، فهو ليس قادر على أن يقيم من الموت الجسدي فقط، بل هو قادر أن يقيمنا من موت الخطية (يو25:5). ومن يقوم من موت الخطية تكون له حياة أبدية. هذه المعجزة تشير تمامًا لما عمله المسيح، فهو أتى ليعطي للبشرية حياة دون أن يسأله أحد. فمن كان يتصور من البشر أن هناك حل لمشكلة الموت.

فهو شخص يحب الكل ويعطف على كل من يلاقيه ويريد أن يصالح الخطاة مع الله، فكان يقف ويتحدث بصراحة ووضوح عن رسالته السماوية حول لزوم التوبة والإيمان لنوال الغفران التام.

هناك أموات كثيرين ماتوا أيام السيد المسيح ولم يقمهم، فالسيد لا يهتم بأن يقيم الأجساد لتموت ثانية، بل هو يريد أن يعلن أنه يريد قيامتنا من موت الخطية لحياة أبدية، وإقامته لهذا الشاب خير دليل على إمكانية حدوث هذه القيامة الأبدية. وقول السيد هنا للأرملة لا تبكى يعطى فكرة عن إرادة الله أن يسود الفرح البشر، فالله لا يريد لنا أن نحزن. ولذلك أيضا بكى على قبر لعازر بسبب الألام التي لحقت بالبشر.

ونحنُ أيها الأحباء في حياتنا جموعٌ كثيرة (زملاء، رفاق، أهل، أبناء، أصدقاء...) وكلُّهم ربما لا يستطيعون أن يقدِّموا لنا العون الحقيقي الذي تحتاجه نُفوسنا، شخصٌ وحيد هو الذي تحنَّن على الأرملة، يستطيع أن يتحنَّن علينا ويساعدنا في العمق، وأهم ما تحتاجه نفوسنا هو التغيير الداخلي في أفكارنا وأولوياتنا وميولنا وأهداف حياتنا، لكي ننتقل من الحزن إلى الفرح، ومن القلق إلى الطمأنينة، ومن الكآبة واليأس إلى الرجاء والأمل، ومن الحقد إلى المسامحة، ومن الشرِّ إلى الخير والصلاح.

الأرملة تشير للبشرية التي صارت كأرملة بفقدها نعمة الله ولذة العشرة مع الله. أما الشاب الميت فيشير لكل نفس وقد أفقدتها الخطية حياتها فصارت ميتة.

المسيح يراقب دائماً في حياة كلٍّ منَّا، وعلينا فقط أن نراه، أن ننتبه إليه ونُعطيه من وقتنا بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس. إنه عابرٌ بقربنا عندما نخسر مالنا بالفقر، أو صحتنا بالمرض، أو أحباءنا بالموت، فلا نحزن ولا نيأس فهو قادرٌ أن يُنهضَنا من معاناتنا كما أقام هذا الشاب الميت.

أيها الأحباء شاب نايين الذي ُأقيم هو كلٌّ منا، هو نفوسُنا المحمولة في هذا العصر. على نعش القلق والاضطراب والقلاقل والحروب، والشقاء في سبيل تأمين لقمة العيش، لكنَّ من مات وقام في اليوم الثالث والحي إلى الأبد قادرٌ أن يقيمَنا.

السيِّد لم يُقِمْ الشاب استعراضًا لسلطانه على الموت وقدراته على وهْب الحياة، إنما تقدَّم ليهب "حنانه". يتعامل الله معنا على مستوى السلطة والسيادة، مع أنه الخالق وسيِّد الكل

اليومَ إذاً نتعلَّم أن الرب يتحنَّن، وأنَّ هذا هو إلهنا وليسَ شيئاً آخر، إنه الإله المملوء حناناً ومحبًة.

هذا هو قلب المسيح الحقيقي الذي يتحنن علينا عندما يجدنا في ظروف صعبة، وهو الذي يشفق على المتعبين والثقيلي الأحمال فهو يشعر مع الجميع لأنه رب الجميع.