موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢١ يوليو / تموز ٢٠١٤
إنقاذ المسيحية العربية: معركة المسلمين قبل غيرهم

د. باسم الطويسي :

نقلاً عن جريدة الغد الأردنية

السلوك البشع الذي أقدم عليه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) بحق مسيحيي الموصل والمدن العراقية التي تقع ضمن سيطرة التنظيم، كشف بكل وضوح حجم الظلامية التي تقود إليها مثل هذه التنظيمات، والمصير الذي تقود إليه المجتمعات العربية؛ بما ينسف الأصول المؤسسة لهذه التنظيمات ومقولاتها بادعاء روح الإسلام وتسامحه ونشأته الأولى القائمة على التعدد. كما يكشف هذا السلوك قبل كل ذلك، حجم خراب وظلامية فكرة المواطنة لدى هؤلاء البشر، ما يجعل إنقاذ المسيحية العربية، وتحديدا مسيحيي المشرق، معركة العرب المسلمين قبل غيرهم.

الحديث عن المسيحية العربية في بلدان المشرق العربي؛ العراق والأردن وفلسطين ولبنان وسورية وحتى مصر، يعني الحديث عن الوجه الآخر لقوة هذه المجتمعات، ويعني جانبا مهماً من هوية هذه المجتمعات التاريخية التي شهدت ميلاد المسيحية الأولى على هذه الأرض، مثلما شهدت ولادة الإسلام فيما بعد. حيث اندمج الناس في هوية ثقافية مشتركة بفعل المُدد والتواريخ الطويلة التي تتجاوز فكرة الطوائف والأديان، وتعيد تعريف الذوات من دون أن تنفيها. هذه هي القوة الحقيقية للوحدة والتنوع، حينما يصبح التنوع عنصر قوة وبناء وإثراء.

الجريمة التي تُرتكب بحق مسيحيي الموصل وشمال العراق، والمتمثلة في عملية التفريغ تحت تهديد القوة، هي جريمة كبرى بحق المسلمين أنفسهم قبل غيرهم، ولعلها جريمة أكبر من كثير من الجرائم التي تُرتكب بالحروب والتدمير والإبادة التي تعج بها مختلف بلدان المنطقة. فهنا لا يُكتفى باجتثاث الناس من بلادهم، بل ثمة أيضا محو ممنهج لهوية هذه الأرض وتاريخها. وبالتالي، فإن المعركة الحقيقية لإنقاذ المسيحية العربية هي معركة المسلمين العرب قبل غيرهم، لأن ذلك إنقاذ لما تبقى من تاريخهم وهويتهم.

للأسف، ما تزال ردود الفعل العربية الشعبية والرسمية على ما يُرتكب في شمال العراق لا تطمئن؛ فهذا الأمين العام لجامعة الدول العربية لا يجد ما يقوله سوى الاستنكار والتنديد، فيما لم نشهد أي ردود فعل رسمية من أي دولة عربية، ولا حتى من النظام العراقي في بغداد، بمستوى الحدث وآثاره. والمؤسف أكثر أننا لم نشهد ردود فعل على المستوى الشعبي والرأي العام العربي.

نحتاج هذه المرة إلى كلام جاد ومسؤول، قد يصل إلى إجراءات على الأرض، لدعم صمود وبقاء مسيحيي العراق. وهذا يتطلب موقفا صريحا معلنا وقويا من الأزهر في القاهرة، ومن الأئمة في مكة والمدينة المنورة، ومن المجامع الفقهية؛ كما يتطلب إجراءات مسؤولة من قبل النظام العراقي في بغداد، ومن قبل سلطة إقليم كردستان، تضمن تخفيض عمليات التهجير إلى خارج المنطقة.

لقد تعرض المسيحيون في المشرق العربي، منذ أكثر من عقدين، لضغوطات محلية، معظمها بسبب ازدياد حدة تأثير التيارات الدينية المتطرفة. وقد أدت هذه الضغوطات إلى استنزاف مستمر وعمليات تفريغ واسعة، جاءت في ظل عمليات ترحيب غربي باستقبال هجرات المسيحيين العرب. ومع ازدياد تأثير الثورات والاحتجاجات العربية، وما تبعها من فوضى، دفع المسيحيون العرب الثمن مرة أخرى، وكأن ما يتفق عليه المتطرفون في كل مكان هو تفريغ المشرق العربي من روحه الحقيقية في الإسلام والمسيحية على حد سواء.