موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٣١ أغسطس / آب ٢٠١٥
إنذار البابا من قبل الحاخامات تشريع دينيّ لإجرام «تدفيع الثمن»

القدس العربي :

انتشر مؤخراً خبر توجيه «محكمة دينية يهودية» تهديداً إلى البابا فرنسيس ينذره بالعودة عن قرار الاعتراف بدولة فلسطين وإلا فإن هذه المحكمة ستحاكم البابا في 20 أيلول المقبل.

المحكمة المذكورة تضم 71 حاخاماً يعتبرون أنفسهم ’حكماء‘ إسرائيل ولهم تأثير كبير على حكومة تل أبيب وأحزابها وعلى اليهود المتدينين، ورغم أن هذه المحكمة لا تحمل صفة قانونية فالواضح أن إسرائيل تقوم باستخدامها سياسياً للضغط على حاضرة الفاتيكان، وتجلى ذلك في امتناعها عن إصدار موقف بخصوصها.

تكتسب الحادثة المذكورة أهمّية كونها تحوّل الصراع من كونه سياسياً حول قضايا احتلال واستيطان وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان الأساسية إلى صراع دينيّ الأمر الذي يحمل دلالات مهمة.

فمنذ هجمات تنظيم «القاعدة» في 11 أيلول على برجي التجارة العالمي والبنتاغون، وما تبعها من ردّ فعل أمريكي غير مسبوق تجلى في احتلال بلدين مسلمين، أفغانستان والعراق، سادت العالم موجة طامّة من العداء للإسلام ومساواته بالإرهاب، الأمر الذي أدى إلى نتائج كارثية على العالمين العربي والإسلامي، ما زلنا نشهد عواقبه تتوالى حتى اليوم.

أدّى طغيان مخيالات الصراع الدينيّ التي أججتها الهجمات وكذلك ردود الفعل الغربية عليها أن اضطرّت منظمات لا علاقة لها بالمسلمين حتى، مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي، للانحناء أمام العاصفة الرهيبة فغيّرت بسرعة من سياستها، فيما استغلت إسرائيل الأمر إلى أقصاه وقامت بتجريم نضال الشعب الفلسطيني ضدها في خلط متعمّد بين هذا النضال والإرهاب.

في الوقت نفسه فإن استهداف إسرائيل للمسيحيين الفلسطينيين لم يتوقف منذ بدايات المسألة الفلسطينية، وجاءت إجراءات تل أبيب أمس لاستكمال بناء الجدار العنصري العازل في بلدة بيت جالا المسيحية، ضمن خط من أطوار القمع تتناوب عليه الدولة مع منظمات الإرهاب اليهودي مثل «تدفيع الثمن» التي قامت في حزيران الماضي باستهداف كنيسة «الخبز والسمك».

تشكل نضالات المسيحيين الفلسطينيين خاصرة طريّة موجعة لإسرائيل، وهي إلى كونها جزءا من النضال الفلسطيني العامّ ولكنّها تشكل موضوع قلق خاص لإسرائيل لأسباب عديدة منها أن وجود المسيحيين ونضالهم ضد إسرائيل يقوضان أساطير الصهيونية المسيحية (الأمريكية خصوصاً) التي تستخدم تأويلات العهد القديم لتعزيز مكانة إسرائيل وإلغاء أصحاب الأرض المسلمين منهم والمسيحيين، بتبنيها لمفهوم «أرض الميعاد» الصهيوني، وباعتبارها قلعة «المسيحية الغربية» الواقفة بوجه «البربرية الإسلامية».

وجود المسيحيين يجعلهم عقبة كأداء تمنع إسرائيل من إجمال نضال الفلسطينيين في المعادلة المبسطة التي تساوي بين المسلمين والإرهاب، وحين ينضاف إلى ذلك اعتراف الفاتيكان الوازن عالمياً، باعتباره المرجعية التي تمثل عددا هائلاً من أتباع الديانة المسيحية، بفلسطين، نفهم خطورة العامل المسيحي في المعادلة الفلسطينية.

تجرّ مبادرة «حكماء اليهود» الـ71 ضد البابا الصراع نحو حقل الخلافات الدينية وهي خطوة سترتد بالضرورة على إسرائيل لأنّ محاولتها إرهاب المرجعية الكبرى لمسيحيي العالم وإخضاعها للرؤية اليهودية الصهيونية لقضايا العالم، يكشف طبيعتها الشمولية ويخرق منظومتها الدعائية المزيفة التي سمحت لها، تحت غطاء دوليّ سميك، في تمرير إرهاب الدولة الوحشيّ ضد الفلسطينيين.

إنذار البابا من قبل حاخامات يهود متطرّفين هو تشريع دينيّ لإجرام «تدفيع الثمن» لن يفعل غير مدّ نيران الصراعات الدينية العالمية بالحطب اللازم.