موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٤
إعلان عمّان: خريطة طريق لمستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية

عمّان - أبونا :

خلال الفترة الممتدة من أيلول 2013 وتشرين الثاني 2014، التقت مئات الشخصيات الوطنية المسيحية، من رجال دين وقادة سياسيين وأعضاء مجالس نيابية ونشطاء حقوقيين، من كل من مصر والعراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، في سلسلة من المؤتمرات الإقليمية والوطنية، ناقشت خلالها جملة التحديات التي تجابه مسحيي المشرق والبلدان العربية، في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد استهدافاً منهجياً منظماً لهذا المكون الرئيس من مكونات شعوب هذه المنطقة، والذي لطالما لعب دوراً تأسيسياً وريادياً في صنع حضارتها وثقافتها ومنجزها الفكري والاقتصادي والاجتماعي.

وإذ لاحظ المشاركون والمشاركات في هذه اللقاءات، تفاوتاً ملحوظاً في مكانة المسيحيين ومنظومة حقوقهم وحرياتهم بين دولة عربية وأخرى باختلاف نظمها السياسية وتباين السياقات التاريخية الخاصة بنشأتها وتطورها، فقد توقفوا مطولاً أمام ما يتعرض له المسيحيون في كل من سوريا والعراق بشكل خاص، حيث تصاعدت بشكل غير مسبوق في تاريخ المنطقة، عمليات القتل الجماعي والتهجير القسري واستهداف الكنائس ورجال الدين وبالذات في كل من سوريا والعراق، وكل ما يمكن أن يندرج في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تعاقب عليها كافة الشرائع السماوية والوضعية، بما تمثله من تعدٍ صارخ على الحقوق الأساسية للإنسان في حفظ حياته وممتلكاته وصون حقوقه وحرياتها الأساسية، كما توقفوا باهتمام بالغ أمام ما يتعرض مسيحيو فلسطين والقدس والأراضي المقدسة، من مظاهر التمييز والاستهداف والتهجير المنهجي المنظم، من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي سياق تنفيذ مخطط "يهودية الدولة" الذي يتنكر لحقوق المسيحيين ووجودهم في بلد القيامة والمهد والبشارة.

وتوقف المشاركون والمشاركات عند ظاهرة الهجرة والتهجير التي تفشت في أوساط مسيحيي هذه البلدان خلال السنوات العشر الأخيرة، وبشكل مركز وكثيف، منذ تصاعد حركة الاحتجاجات والثورات التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأربع الأخيرة، في سياق ما بات يعرف باسم ثورات الربيع العربي، وعبروا عن عميق قلقهم من استمرار هذه الظاهرة، التي تنذر بفقدان المنطقة لواحد من أهم مكوناتها التاريخية، وحرمان شعوبها ومجتمعاتها، من تعدديتها المُثرية لتراثها وثقافتها وروحها، واعتبروا أن مسؤولية وقف هذه الظاهرة، والعمل لاستعادة المسيحيين المهاجرين والمهجرين إلى أوطانهم الأصلية، هي مسؤولية كبرى تقع على عاتق حكومات هذه الدول في المقام الأول، فضلاً عن كونها مسؤولية المجتمعات العربية بكل مكوناتها الدينية والسياسية والحزبية والمدنية والثقافية والأهلية، مشددين على وجوب "عدم التسليم بمقولة " بأن ما حصل قد حصل، وإن طريق الهجرة ذو اتجاه واحد فقط.

وفي معرض تحليلهم للتحديات التي أحاطت بحاضر مسيحيي المنطقة، من عرب وأرمن سريان وكلدانيين وآشوريين، أجمع المشاركون والمشاركات على ما يلي:

أولاً: إن فشل الدولة الوطنية العربية بناء "دولة المواطنة المتساوية" المدنية الديمقراطية التعددية، كان سبباً حاسماً في خلق مناخات من التمييز ضد شرائح أساسية من المواطنين والمكونات، ولقد عانى مسيحيو هذه البلدان، من أشكال شتى من هذا التمييز، على المستوى الدستوري والقانوني، أو على مستوى المشاركة والتمثيل السياسيين، أو لجهة تمتعهم بقدر أقل من الحقوق والحريات، وتحديداً في مجال الحريات الدينية.

ثانياً: وإذ أقر المشاركون بأن شعوب هذه المنطقة، بمختلف مكوناتها، قد عانت ما عانت، جراء تفشي حالة الركود في المنطقة، لأكثر من ثلاثة عقود، في ظل أنظمة اتسمت غالبيتها بالفساد والاستبداد، فقد أجمعوا على أن "لا حل مسيحياً لمشكلات المسيحيين"، وأن الحل إنما يتمثل في انخراط شعوبنا ومجتمعاتنا، بقواها الحيّة، في النضال السلمي من أجل نشر قيم الديمقراطية والتعددية واحترام ثقافة حقوق الإنسان، وبناء الدولة الحديثة، المدنية – الديمقراطية، دولة تقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، رجالاً ونساء، بصرف النظر عن ألوانهم وأعراقهم ومذاهبهم وأديانهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية... دولة كافلة وضامنة لمنظومة الحقوق والحريات الفردية والجماعية لمختلف مواطنيها ومكوناتها.

ثالثاً: عبّر المشاركون والمشاركات عن رفضهم القاطع، لكل المحاولات التي تبذلها أوساط عديدة في دولنا ومجتمعاتنا، ولأسباب وأهداف مختلفة، لتصوير المسيحيين على أنهم عنصر سلبي في حركة التغيير والإصلاح التي تجتاح المنطقة، وتطالب بها شعوبها من أجل اللحاق بقطار العصر والحداثة، كما رفضوا محاولات تقديم المسيحيين كـ "ظهير خلفي" لأنظمة وحكومات وقوى مستبدة وفاسدة، فالمسيحيون من أبناء وبنات هذه المنطقة، كانوا على الدوام، دعاة نهضة وتنوير، ومناصرين أشداء للوحدة الوطنية في دولهم ومجتمعاتهم، ومساهمون أساسيون في بنيانها الحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

رابعاً: لاحظ المشاركون والمشاركات، إن المجتمعات العربية، وتحديداً في العقود الثلاثة الأخيرة، قد باتت أقل تسامحاً حيال بعض مكوناتها، خصوصاً في ظل انتشار قراءات متطرفة وشاذة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتفشي مظاهر الإقصاء والتكفير وعدم الاحترام للآخر والتطاول على حقوقه ومحاولة منعه من ممارسة هذه الحقوق، والمؤسف أن هذه الظاهرة نشأت وتفاقمت، تحت سمع وبصر معظم إن لم نقل جميع حكومات هذه الدول، وأحياناً بتشجيعٍ من بعضها، ومن دون أن يُتخذ ما يكفي من الإجراءات، لتكريس ثقافة التسامح والعيش المشترك والاعتراف بالآخر واحترام التعددية الدينية والفكرية والثقافية والسياسية، والتصدي لمدارس الغلو والتطرف في العقيدة والفكر والممارسة.

خامساً: توقف المشاركون أمام ظاهرة صعود حركات الإسلام السياسي في مختلف الدول والمجتمعات العربية، وإذ شددوا على ضرورة التمييز بين هذا الحركات، وعدم وضعها جميعاً في سلة واحدة، فقد أجمعوا على وجوب محاربة وعزل التيارات التكفيرية والإلغائية منها، لا لكونها تستهدف المسيحيين فحسب، بل ولأنها تستهدف مختلف مكونات شعوبنا ومجتمعاتنا، وتلحق أفدح الضرر بصورة العروبة والإسلام، كما قرروا دعوة الحركات الأكثر اعتدالاً، إلى تبني خطاب واضح حيال المكون المسيحي في المنطقة، والابتعاد عن اللغة الضبابية والمراوغة عن الحديث عن حقوقهم وحرياتهم ومشاركتهم وتمثيلهم، ذلك أن مثل هذه المقاربات، لم تعد مجدية، لا في تعزيز "مواطنة المسيحيين" ولا في محاربة تيارات الغلو والتطرف.

سادساً: عبّر المشاركون والمشاركات عن رفضهم الشديد، لكل المحاولات البائسة، التي تقوم بها جهات متطرفة وإقصائية، للنظر إليهم كـ "أقليات" ثانوية، أو "جاليات" وافدة، أو "أهل ذمة"، فهم ملح هذه الأرض، وهم من أهل حضارتها وثقافتها وتراثها، و"مواطنتهم الفاعلة والمتساوية" في دولهم ومجتمعاتهم، غير قابلة للمقايضة أو المساومة أو القسمة أو الانتقاص.

سابعاً: عبر المشاركون والمشاركات عن إدانتهم واستنكارهم لكل النظرات والمحاولات، التي تتعامل مع مسيحيي المنطقة، من عرب وأرمن وسريان وكلدان وآشوريين، بوصفهم "امتداداً" أو "جيوباً" للدول الغربية، وبالأخص، حين يجري أخذ المسيحيين في بعض دول المنطقة، بجريرة المواقف والسياسات التي تصدر عن دول غربية، واستذكروا صفحات ناصعة من تاريخ هذه المنطقة، ونضالات شعوبها في سبيل الاستقلال والتحرر الوطني، حيث تصدر مفكرون وقادة مسيحيون كثر، حركات التحرر والاستقلال عن الاستعمار، وكانوا روّاداً في حركة النهضة والتنوير، وعاشوا حقباً تاريخية، من التآخي والعيش المشترك، مع مختلف مكونات شعوب هذه المنطقة.

ثامناً: ولدى مراجعة الدساتير والتشريعات السارية في عدد من الدول العربية، لاحظ المشاركون تبايناً في درجة اعترافها وكفالتها لحقوق المسيحيين وحرياتهم، أفراداً وكنائس وجماعات، وهي تراوح ما بين التنكر لهذه الحقوق، أو عدم الاتيان على ذكر هذا المكوّن وتسميته باسمه الصريح، أو الانتقاص من حقوقه وحرياته، وفي جميع الحالات، فقد تلمس المشاركون والمشاركات، الأهمية القصوى لتنقيح وتعديل هذه الدساتير والتشريعات، بما ينسجم مع الحاجة لـ "دسترة" و"قوننة" مفهوم "لمواطنة الفاعلة والمتساوية"، وبما يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية الخاصة بحقوق الأقليات الدينية.

تاسعاً: وإذا أكد المشاركون والمشاركات، أن المجتمعات المسيحية في المنطقة، شأنها شأن مختلف المكونات المجتمعية، تتميز بتعددية مذهبية وفكرية وسياسية واجتماعية، وإذ أكدوا رفضهم النظر إليها بوصفها "كرات مصمتة" عصية على التنوع والاختلاف، فقد شددوا على أهمية بناء "توافقات الحد الأدنى" لمختلف تيارات ومدارس المسيحية العربية والمشرقية، في هذا الظرف الدقيق بالذات، حيث يواجه هذا المكون تهديداً وجودياً، في عدد من بلدان انتشاره، ولأسباب وعوامل شتى... في هذا الإطار، شدّد المشاركون والمشاركات، على أن اجتماع مسيحيي المنطقة حول كلمة واحدة، ليس فعلاً موجهاً ضد الآخر، الشريك في الوطن، أو مناقضاً له، بل هي محاولة لتكريس التعددية والتنوع وحفظهما، تجنباً لمحاولات الإلغاء وفرض لونٍ واحدٍ على منطقة اشتهرت تاريخياً بتنوعها الثري.

عاشراً: أصغى المشاركون والمشاركات باهتمام بالغ، لعشرات المداخلات التي شخصت بعض الظواهر السلبية التي تعتمل داخل المجتمعات المسيحية، ومنها بشكل خاص، ما وصفه مشاركون بـ "الفجوة" القائمة بين الكنيسة ورعيتها، خصوصاً الأجيال الشابة منها، وطالبوا رجال الدين المسيحي بالاقتراب أكثر من الهموم والمشكلات التي تواجه أبناء الكنيسة، وتشجيعهم على الانخراط الفاعل في العمل الوطني العام بمختلف أشكاله وميادينه المشروعة.

حادي عشر: كما أصغى المشاركون والمشاركات، وباهتمام بالغ أيضاَ، للأصوات المحذرة من تنامي اتجاهات متطرفة وانعزالية، داخل المجتمعات المسيحية، وحثوا قادة هذه المجتمعات السياسيين والروحيين، على بذل أكبر الجهود، لتفادي الوقوع في دائرة "الفعل وردة الفعل"، أو الرد على التطرف بتطرف مقابل، ومن منطلق الإيمان العميق، بأن مجابهة التحديات التي تعترض مسيحيي المنطقة، إنما يكون في إطار وطني – ديمقراطي جامع، فـ "لا حل مسيحياً لمشكلة المسيحيين".

ثاني عشر: إذ ثمّن المشاركون والمشاركات، الجهود التي بذلتها أطراف عديدة في المجتمع الدولي لتقديم الغوث والعون الإنسانيين لمئات ألوف النازحين واللاجئين من مسيحيي دول المنطقة، وبالأخص سوريا والعراق، وإذ لاحظوا ميلاً لتسهيل هجرة هؤلاء إلى مهاجر وملتجآت قريبة أو بعيدة، فقد أجمعوا على وجوب إعطاء الأولوية القصوى لتثبيت المسيحيين في أوطانهم الأصلية، وتوفير شبكة أمان لهم في مواجهة المخاطر والتحديات التي تعترضهم، والعمل مع دول المنطقة بحكوماتها ومختلف الأطراف ذات الصلة فيها، من أجل حفظ الوجود المسيحي فيها وتعزيزه.

خريطة طريق للمستقبل

وبنظرة إلى المستقبل، مستندة إلى هذا الفهم المشترك للتحديات التي تجابه مسيحيي المنطقة، توافق المشاركون والمشاركات، على خطة عمل و"خريطة طريق" للمرحلة المقبلة، تتوزع على المحاور التالية:

على المستوي الإقليمي والدولي:

- تقرر توجيه رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية لإدراج قضية المسيحيين في البلدان العربية، وبالأخص في سوريا والعراق على جدول أعمال القمة العربية القادمة المقرر عقدها في القاهرة في مارس/ آذار المقبل، واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لإنهاء معاناة المسيحيين وتوفير شبكات أمان لهم، وحفظ حقوقهم وحرياتهم في دول انتشارهم، وتثبيت وجودهم في دولهم ومجتمعاتهم، وحث الدول الأعضاء على اتخاذ كل ما يلزم من خطوات من أجل تحقيق هذه الغاية... كما تقرر أن يقوم المشاركون والمشاركات، وكل في حدوده ومجاله، بالاتصال بمكاتب الجامعة العربية وكبار المسؤولين في الدول الأعضاء للغاية ذاتها.

- تقرر توجيه رسالة إلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لحثه على إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحق، وقيامه بدوره بإدراج هذه القضية على جدول أعمال المنظمة، فما يتعرض له المسيحيون في دول أعضاء في المنظمة، يملي عليها اتخاذ ما يلزم من إجراءات، سيما وأن كثير من التعديات التي يتعرض لها المسيحيون في هذه الدول، إنما يتدثر بلبوس إسلامي، فيما الإسلام براء من هذه الأفعال ومقترفيها.

- قرر المشاركون والمشاركات، توجيه رسائل وإجراء اتصالات مع ممثلي مختلف الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة، بمن فيها الصليب الأحمر الدولي واليونسكو واليونيسيف، لنقل مضامين رسالتهم المشتركة، التي يتضمنها هذا الإعلان، وإيلاء أهمية خاصة، للاتصال بالعواصم الغربية، لحثها على زيادة مساعداتها الإنسانية، والعمل لوقف الهجرة التي تستنزف المجتمعات المسيحية والمساهمة في معاجلة جذورها وأسبابها، وبذل كل جهد ممكن لتثبيت الوجود المسيحي في الدول العربية، واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان فيما خص اللاجئين والمهجرين قسراً عن أوطانهم أو داخلها.

- مخاطبة كافة المنظمات الحقوقية، الإقليمية والدولية، بنص وروح ومضمون هذه الرؤية المشتركة، وحثها على استنفار طاقاتها لكشف وتعرية الممارسات المجافية لحقوق الإنسان التي يتعرض لها المسيحيون في بعض دول المنطقة، والإسهام في حشد الرأي العام الدولي لنصرة المطالب المحقة لهم، بعيداً عن أية "معايير مزدوجة" أو أية انحيازات سياسية مسبقة، من شأنها إضعاف الثقة بدور هذه المنظمات ورسالتها.

- حث المنظمات الدولية، وبشكل خاص اليونيسكو، للعمل على حماية التراث المسيحي في بلداننا، باعتباره جزءاً أصيلاً من التراث الإنساني العالمي، سيما في عمليات الاستهداف والتخريب المنظم، لعشرات ومئات الكنائس التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، وتدمير محتوياتها ومخطوطاتها، التي تعد كنزاً تراثياً للإنسانية جمعاء.

الحكومات والبرلمانات العربية

توافق المشاركون، على ضرورة حث حكومات وبرلمانات الدول المعنية، للقيام بما تمليه عليها ولاياتها الدستورية، من مسؤوليات لحماية الوجود المسيحي، وتعزيز مواطنة المسيحيين، وإلغاء كافة مظاهر التمييز بين المواطنين على أسس دينية، ومحاربة التطرف والغلو ونزعات الإقصاء والإلغاء، وتعميم ثقافة التسامح والعيش المشترك واحترام الآخر والقبول بالتعددية الدينية والسياسية والفكرية والاجتماعية، وفي هذا السياق، أجمع المشاركون على التوصيات التالية:

- حث حكومات دول المنطقة، على التزام استراتيجية شاملة، لمحاربة الغلو والتطرف والإرهاب بكل أشكاله ومظاهره ومصادره، استراتيجية تلحظ أهمية المعالجات الأمنية ولا تتوقف عندها أو تنحصر فيها، بل تلحظ أيضاَ معالجة الأسباب السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتربوية والدينية التي أسهمت وتسهم في تشكيل هذه الظواهر وتفشيها ... استراتيجية لا تقصر على الحكومات بدوائرها ووزراتها وأذرعها المختلفة، بل تلحظ أدوار مختلف مكونات الدولة والمجتمع، من أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وأجهزة وعظ وإرشاد ومثقفين وكتاب وأكاديميين وحركات نسوية وشبابية وغيرها.

- دعوة حكومات دولنا وبرلماناتها للعمل على "دسترة" و"قوننة" مفهوم "المواطنة الفاعلة والمتساوية" لكل أبنائها وبناتها، من دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو اللغة أو العرق أو اللون، ومن ضمنهم المسيحيين، وبصورة تتجاوز كافة مظاهر الإنكار أو التجاهل أو التغييب أو التهميش.

- إصدار تشريع خاص "ضد التمييز" بمختلف أشكاله وصوره، وعلى أي أساس جاء، وتشجيع العمل على إنشاء هيئات أو مفوضيات مستقلة، تسهر على محاربة كافة أشكال التمييز ضد المواطنين.

- دعوة الحكومات والبرلمانات العربية، إلى تبني واعتماد "ترتيبات سياسية وقانونية" خاص، تضمن حفظ التنوع، وتكفل المشاركة الفاعلة، وتحول دون تآكل التمثيل السياسي لمختلف المكونات، حتى لا تتكرر الأخطاء المأساوية التي اقترفت في بعض التجارب العربية، وكان من نتيجتها، إلحاق ظلم فادح بمكونات تاريخية من مكونات مجتمعاتنا، لمجرد أنها "مختلفة" في الدين أو اللغة أو القومية.

- دعوة حكومات دولنا على إعادة النظر في المنهاج الدراسية في مختلف مراحل العملية التعليمية والتربوية، لتنقيحها من كل ما يمكن أن يكون قد علق بها من أفكار متخلفة ومفاهيم تمس بالعيش المشترك والتسامح والإخاء، وتغذية هذه المناهج بقيم الحرية والعدالة والتسامح والاعتراف بالتعدد والتنوع والمواطنة المتساوية والفاعلة والتربية المدنية الحديثة.

- دعوة حكومات دولنا على زيادة إشرافها على الوعظ والإرشاد، للحيلولة دون تسرب الأفكار المتطرفة والتكفيرية إلى هذا الجهاز بالغ الأهمية والتأثير، والعمل على تعميق المضامين المدنية والديمقراطية في خطاب الوعظ والإرشاد، وتأهيل الأئمة والوعاظ وتدريبهم، وتشجيعهم على التحلي بمزيد من الجرأة في مواجهة الأفكار الشاذة والغربية على روح الإسلام وتعاليمه السمحاء، ونشر ثقافة الأخوة والتسامح والعيش المشترك، وتعميم قيم الحرية والتعددية بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.

- إطلاق ورشات حوار وطني لتعميم هذه المفاهيم، والحرص بشكل خاص، على إشراك الشباب والنساء فيها على المستويين الوطني والإقليمي، من أجل خلق توافقات وطنية عريضة حول هذه القيم والمبادئ، وإيلاء اهتمام خاص، بعدم إبقاء هذه الحوارات في الإطار النخبوي، من خلال التوجه إلى البيئات الشعبية التي تحوّل بعضها، لأسباب عديدة، إلى بيئات حاضنة لثقافة الكراهية والتطرف والغلو.

- حث الحكومات على تنقية الخطاب الإعلامي، الرسمي والأهلي، على محاربة ثقافة الكراهية والتحريض على العنف واحتقار المعتقدات الأخرى، وتحويل المنابر الإعلامية إلى منارات للتنوير والمعرفة، والتصدي للفضائيات والمواقع الالكترونية التي تعمل على نشر الفكر الظلامي والتكفير وتحرض على العنف وإلغاء الآخر وتتهدد وحدة مجتمعاتنا وهويتها الوطنية الجمعية.

- حث حكومات المنطقة للعمل سياسياً وإعلامياً على إبقاء قضية المسيحيين العرب والمشرقيين، على جدول أعمال مجتمعاتنا والرأي العام في دولنا.

العلماء والمرجعيات والحركات الإسلامية

لأن الحرب على قوى التطرف والغلو الظلامية، هي حرب على عقول المواطنين وأفئدتهم، ولأن التكفير لا يقاوم إلا بإعمال التفكير، فإن المشاركين والمشاركات يطالبون علماء الدين الإسلامي ومرجعية الأزهر وكافة المفكرين الإسلاميين والحركات الإسلامية العمل على ما يلي:

- التصدي بحزم، فكرياً وفقهياً، للفكر الظلامي التكفيري، الذي لم يعد يستعدي غير المسلمين على الإسلام فحسب، بل ويفرق المسلمين أنفسهم، وأهل المذهب الواحد نفسه، إلى شيع وقبائل، يحرض بعضها على بعض، ويقتل بعضها بعضاً.

- استحضار وتعميم الصفحات المشرقة في التاريخ العربي والإسلامي، وتعميم الوعي بها على أوسع نطاق ممكن، لمحاربة ثقافة الجهل والتجهيل التي تعتمدها القوى الظلامية والمتطرفة، والعمل لاستذكار الأدوار البارزة التي لعبها المسيحيون في تاريخ هذه المنطقة وحاضرها، وبما يساعد على بناء مستقبل مشترك يستجيب لتطلعات شعوبنا وأمانيها.

- تظهير قيم العيش المشترك وحقوق المسيحيين وغير المسلمين في الخطاب الإسلامي، وتأصيل حقوق المسيحيين من منظور إسلامي متنور، مدني وديمقراطي، عصري وحديث، من دون خضوع لابتزاز أصحاب الأصوات المتطرفة العالية، التي تسيء للإسلام بأكثر مما تسيء لغير المسلمين.

- وإذ ثمن المشاركون والمشاركات الأدوار التي يضطلع بها علماء الدين والمؤسسات الدينية وحركات الإسلام السياسي المعتدل في الدفاع عن صورة الإسلام ورسالته، فقد دعوا إلى مضاعفة الجهود العلمية والفكرية والفقهية، الرامية إلى عزل التيارات المتطرفة المتدثرة بالإسلام، وتبيان خطورتها على مسلمي المنطقة ومسيحيّها بل ومختلف مكوناتها.

- وإذ لحظ المشاركون والمشاركات، بعض التطور الذي طرأ على خطاب بعض حركات الإسلام السياسي المعتدلة حيال المسيحيين فقد دعوا إلى تبديد "المناطق الرمادية" في خطابها السياسي والفكري حيال المسيحيين بخاصة، ومختلف أوجه حقوق الإنسان، فالحديث عن التآخي المسيحي الإسلامي، لم يعد كافياً، ولغة العموميات الضبابية لم تعد صالحة لمواجهة طوفان التطرف والغلو، والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو الحديث عن "مواطنة المسيحيين" الفاعلة والمتساوية، وتسمية الأشياء بأسمائها، فلا يجوز استمرار الاختباء حول الشعارات العامة، التي سرعان ما تسقط عن أول محك أو اختبار عملي ملموس.

- ندعو مشيخة الأزهر ومرجعية النجف الأشرف، وغيرهما من منابر الإسلام المعتدل، سنية كانت أم شيعية، أم إلى أي مذهب من مذاهب المسلمين انتمت، إلى إطلاق ورشات عمل فكرية وفقهية، وقيادة حوارات وطنية شاملة، للتصدي للعنف والتطرف والإرهاب، المتخذ من الإسلام غطاء له، ونشر رسالة السماء السمحاء، وتطوير خطاب إسلامي ديمقراطي – مدني بديل عن الخطاب الظلامي.

- شدد المشاركون والمشاركات، على الأهمية القصوى لاستئناف حركة الإصلاح الديني التي بدأت قبل أكثر من مائة عام، على أيدي علماء ومفكرين إسلاميين، وفتح باب الاجتهاد والتحديث، لمواكبة مشكلات العصر وتحدياته، وتشجيع الإنتاج الفكري والفقهي في هذا المجال، حتى لا تظل ساحات الفكر والفقه، مستباحة من قبل أئمة التكفير والتطرف والإقصاء.

المثقفون ومؤسسات المجتمع المدني:

- حثَّ المشاركون والمشاركات المثقفين والمفكرين والحقوقيين والأكاديميين من مختلف التيارات السياسية والفكرية، من يسارية وقومية وليبرالية وعلمانية، على القيام بأدوارهم التاريخية المطلوبة، في تظهير وتعميق ثقافة التعدد والتنوع واحترام حقوق الإنسان، واستئناف المشروع النهضوي العربي، القائم على مبادئ الدولة العادلة، المدنية – الديمقراطية، والتمييز بين فضاء الدين وفضاء الدولة، ومن على قاعدة أن "الدين لله والوطن للجميع".

- شدد المشاركون والمشاركات، على الأهمية القصوى التي يضطلع بها المجتمع المدني بمنظماته النسائية والنقابية والعمالية، ومختلف أشكال التنظيم المدني الحديث، في التصدي للغلو والتطرف والإرهاب من جهة، وفي مقاومة مظاهر الفساد والاستبداد من جهة ثانية.

- أولى المشاركون والمشاركات، اهتماماً خاصاً بالتصدي لكل محاولات الإساءة والتمييز ضد المرأة في هذه البلدان والمجتمعات، مسلمة كانت أم مسيحية، أم لأي دين أو ثقافة أو قومية انتمت، سيما تلك المحاولات التي تستهدف إعادة النساء إلى عصور الظلام والتخلف والجهل والاسترقاق، تحت ذرائع دينية لا تصمد طويلاً أمام العقل والمنطق، ولا أمام المقاصد النبيلة للشرائع السماوية.

المجتمعات المسيحية:

إذ أخذ المشاركون والمشاركات علماً بكل ما عرض في المؤتمرات الوطنية والإقليمية لممثلي مجتمعاتهم المسيحية في الدول الست، من قراءات في "حاضر المسيحيين ومستقبلهم"، وما تجابهه هذه المجتمعات من تحديات وصعاب، فقد توافقوا على العمل من أجل:

- بذل كل جهد ممكن من أجل وقف عمليات التهجير القسري التي تواجهها المجتمعات المسيحية في بعض الدول العربية، وما يصاحبها من جرائم قتل وتدمير وإحراق للممتلكات ودور العبادة ومن مضايقات أمنية واقتصادية واجتماعية، ومن مصادرة للحقوق والحريات، ومن خطوات تستهدف النيل من كرامات المسيحيين وإنسانيتهم، بالتعاضد والتضامن مع مختلف القوى الفاعلة في دولنا ومجتمعاتنا، والسعي لتوفير ملاذات آمنة مؤقتة للاجئين والنازحين منهم في أوطانهم أو في الدول القريبة منها، إلى حين تمكينهم من العودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي أخرجوا منها بغير حق.

- بذل كل جهد ممكن من أجل وقف عمليات الهجرة والنزيف التي تتعرض لها المجتمعات المسيحية، والتي تتم عادة لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، وأحياناً أخرى لحيف أو جور أو تمييز في التشريعات والقوانين المعمول بها، أو لنقص في مساحات الحرية المتاحة لمماسة الشعائر والطقوس الدينية، وبالتضامن والتعاضد أيضاً مع مختلف الجهات ذات الصلة في الدولة والمجتمع.

- تشجيع الانخراط النشط في النضال السياسي والحقوقي، المدني والسلمي، من أجل "دسترة" حقوق المسيحيين و"قوننتها"، والقضاء على مختلف أشكال التمييز ضدهم، في التشريع والممارسة والعمل وتولي الوظائف العامة والمناصب المختلفة، وإدارة الشؤون الكنسية والدينية، وإعمال مفهوم "المواطنة المتساوية"، كل ذلك في إطار وطني ديمقراطي، ينهض على القناعة المترسخة بأن المسيحيين هم جزء رئيس من مكونات أوطانهم، وأن "لا حل مسيحياً" لمشكلاتهم، وأن الدولة المدنية الديمقراطية، الحديثة والعصرية، دولة ميع أبنائها وبناتها من دون تمييز، هي الحل للمشكلات الناجمة عن اختلال العلاقة بين الدولة ومواطنيها.

- ومن دون الإخلال أو الانتقاص من تعددية المجتمعات المسيحية، فكرياً وسياسياً واجتماعيا وكنسياً، فإن المشاركين والمشاركات، تعهدوا العمل على قاعدة "بناء الحد الأدنى من التوافقات الداخلية"، التي تكفل لهم القدرة على جبه التحديات والتصدي للمشكلات التي تعترضهم في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة في تاريخ المنطقة بأسرها.

- العمل على تجسير الفجوات القائمة داخل المجتمعات المسيحية، سواء بين الكنيسة والرعية، أو بين الكنائس المختلفة، وإيلاء اهتمام خاص بالأجيال الشابة والنساء، والتصدي فكرياً وروحياً وسياسياً لإرهاصات التطرف والغلو التي بدأت تتسرب إلى هذه المجتمعات، وإعلاء شأن ثقافة العيش المشترك والتسامح والأخوة في الوطن والمواطنة، والانفتاح على الآخر واحترام التعددية، ونشر القيم الروحية السامية للمسيحية.

- وفي هذا الإطار، وبالاستناد إلى الدور المميز الذي لعبه مسيحيو النهضة والأنوار في التجسير بين الشرق والغرب، والتشجيع على التثاقف وحوار الحضارات والأديان، فقد حثَّ المشاركون والمشاركات النخب المسيحية على استئناف الدور التنويري الذي بدأه أسلافها قبل أزيد من مائة عام، والتصدي للنظرات الانطوائية، المعبرة عن بعض مظاهر الخيبة والإحباط، التي بدأت تتسلل إلى خطاب بعض القيادات المسيحية الروحية والسياسية.

- العمل لبناء أطر وهياكل للتنسيق والتعاون والتشاور والعمل المشترك على المستويين الوطني والإقليمي، لتنفيذ ما يجري التوافق عليه وبشأنه، من توجهات وتوصيات، وتنظيم الحوار والاختلاف حول القضايا المختلف عليها، لضمان فاعلية أكبر للصوت المسيحي في إطار المشروع الوطني الديمقراطي.

لجنة متابعة

- قرر المشاركون والمشاركات إطلاق اسم "إعلان عمان... خريطة طرق لمستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية" على وثيقتهم الختامية هذه، وتشكيل "هيئة متابعة إعلان عمان" لتنفيذ ما ورد فيها من توصيات ومهام، على أن تتشكل من ثلاثة أو أربعة ممثلين عن كل تجمع مسيحي في الدول الست، وتضع لنفسها خطة تحرك في المرحلة المقبلة، وقد كلف المشاركون والمشاركات، مركز القدس للدراسات السياسية بتشكيل هذه الهيئة، بالتشاور مع مختلف الأطراف ذات الصلة، وبصورة تلحظ تمثيل التيارات والاتجاهات الأكثر فاعلية وتمثيلاً في الدول الست، ومراعاة تمثيل مختلف الكنائس.

- تقوم الهيئة بالاجتماع في أقرب فرصة ممكنة، وتضع لنفسها خطة عمل وتحرك، تلحظ الاحتياجات الفورية الطارئة لمسيحيي العراق وسوريا، من أمنية وإغاثية وسياسية وحقوقية، وتضع البرامج التنفيذية لخريطة الطريق التي تضمنها إعلان عمان من أجل مستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية.