موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ٢١ يونيو / حزيران ٢٠١٨
’نقوط الأعراس‘.. بين بساطة الماضي وتصنع الحاضر

تالا أيوب - الرأي الأردنية :

2 كيلو سكر، 2 كيلو أرز، 1/2 كيلو قهوة، دجاجة، بدلة، «بكتين» راحة، 10 بيضات، 15 كيلو بطاطا، كيلو فستق، 3 كيلو موز و...

هذه القائمة قد تبدو للوهلة الأولى تسعيرة تموين، أو متطلبات احتياجات المنزل، الا أنها في واقع الحال تعكس ظاهرة من أيام الزمن الجميل، وهو النقوط الذي يقدّم للعريس في قرى المحافظات والأحياء الشعبية الأردنية عام 1961، تناقلها ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي فيما بينهم.

جذبت انتباه كثيرين، ما جعلهم يطلقون عنان تفكيرهم وذاكرتهم، فعادت بكبار السن الى ذلك الزمن الذي عاشوا فيه كل تفاصيله فأصبحوا يستذكرون الأحداث عن النقوط الذي حصلوا عليه في ذلك الوقت، ويقصّوها على من حولهم. كما ذهبت بكثيرين من الأجيال الحديثة، فقارنوا بين النقوط هذه الأيام وتلك القديمة.

تقول الثلاثينية مي سويدان لـ «أبواب-الرأي»: «هذه القائمة تعبّر عن الأوضاع المادية في ذلك الزمان، وعن كيفية تبادل الهدايا فيما بينهم اذ كانت تركز على الحاجيات التي يستفيد منها العريس في عرسه، وعزومة الغداء، كنوع من تخفيف الأعباء الاقتصادية على العريس وأهله، بالإضافة الى أنها تشير الى بساطة الناس في ذلك الوقت».

ويلفت الشاب زياد محمود الى أن الناس كانوا يتقاسمون التكاليف فيما بينهم مهما كانت الهدية وقيمتها، بالإضافة الى انه كان من الصعب الحصول عليها لبُعد الأسواق عن مكان سكنهم وبالتالي تقديمها به معنى وراحة اكثر من تقديم المال فقط .

يعزو الشاب فريد ميخائيل البساطة التي كانت في ذلك الوقت الى قلة الخيارات المتاحة للنقوط وقتها، اذ لم تكن الأدوات الكهربائية كالغسالات الأوتوماتيكة أو المايكرويف أو جلايات وغيرها (...)، فكان تركيزهم منصبّا على أثاث المنزل، والنقود، والطعام.

توافق وفاء العبادي ما ذكر سابقا، وتضيف: «النقوط بالمصطلح المعروف سلف ودين عند العرب، في زمننا هذا النقوط أصبح عبارة عن مغلفات تحوي مبالغا مالية كأن يضع فيه 100 دينار لميسوري الحال، ويكونون مجبرين على ذلك لأنهم يريدون حفظ ماء وجههم أمام الآخرين، فالنقوط أصبح مظاهر ليس أكثر».

يلفت الستيني مخائيل حداد بأنه كان هناك من يتباهى ويتفاخر بالنقوط أمام الآخرين في الزمن القديم أيضاً، ويبين: «بعض الأشخاص الذين كانوا يباركون يقومون بعرض النقوط أمام الملأ، فمثلا يريد تقديم ثلاثة دنانير للعريس فكان يرفع كل دينار لوحدة ويقدمه للعريس مباهاة بما قدم».

ويكمل: «كان النقوط في الستينات دينارين أو ثلاثة وذلك حسب وضع المادي لمن يقدمهم، واذا كان يعز الشخص جدا يقدم له ٥ دنانير، مع العلم بأنه قد استأجرنا بيتا بثلاثة غرف نوم ومنافعها ب ٥ دنانير في ال١٩٦٤ في شارع السعادة في الزرقاء».

يذكر الخمسيني زياد حسين: «جرت عادة في الأردن وفلسطين، واستمرت الى أوائل التسعينيات بأن يدخل الرجال الى مكان العروس وقت خروجها من بيت والدها، ويقوم الرجال بتقديم النقوط للعروس واحدا تلو الآخر، والنساء بدورهن يغنين لكل رجل يقدم النقوط وهن يرددن عبارة «نقّط يا أبو العبد نقّط ولا يهمك» على سبيل المثال بشكل غنائي ويسمين كل شخص باسمه.

يقول د. فيصل غرايبة -وهو استشاري اجتماعي-: «حقا لقد كانت الأمور الحياتية تمضي في العقود القليلة الماضية بسهولة ويسر، وكان روح التضامن والتعاون يسود المجتمع، ولا يتوانى أحد عن تقديم العون المادي أو المعنوي للأسر سواء أكان قريباً أو جاراً أو صديقاً، حتى ولو كان لا يعرف الشخص المحتاج من قبل وصادف موقفا سيبادر هذا الانسان على مساعدة صاحب الحاجة، أو من يريد عوناً بأي شكل من الأشكال».

ويكمل: «ويأتي النقوط من هذا الباب أي باب مساعدة الكثيرين الذين شرعوا من جديد بفتح بيوتا جديدة، وتكوين أسر بالزواج والتصاهر، فيختارون لذلك معونة على شكل هدايا عينية أو نقدية وهي مبالغ بسيطة في ذلك الوقت أو موادا عينية تلزم الحياة اليومية، وعلى سبيل المثال: السكر والشاي والطحين والأرز، أو أن تختار الأسرة التي تقدم النقوط على شكل ملابس جديدة للمولود أو لأمه أو أدوات منزلية للأسرة بشكل عام».

ويضيف: «ولكن هذا الأمر يتم ببساطة من حيث الكمية والتكاليف، وكأن هناك قناعة عند الطرفين بأن هذا الأمر يكتفى به، ويبعث السرور في نفس من يتلقاها، كما يبعث الارتياح لمن قدمها، ويذهب بمباركة الزواج أو المولود الجديد، ويعود سروراً بأنه التقى بأسرة صديق أو جار وتبادل معه أطراف الحديث وقدم له ما تيسر من نقوط وعاد مطمئناً».

ويضيف: «أما اليوم فإن هذا الأمر قد تضاعفت تكاليفه، وأصبحت مبالغة في ذلك، وهذه المبالغة يترتب عليها شراء سلع أو نقوط يقدم في المناسبات المختلفة، لكنها تلوذ بأعباء الأسرة، وتزيد عن امكانياتها المادية، حتى أنها تنعكس على مجمل مصروفاتهم في ذلك الدخل، الأسر ذات الدخل المحدود والمتواضع».

ويلفت غرايبة بأنه في الزمن القديم قد يكون هناك مباهاة ومعايرة في تقديم النقوط، ويتم ذلك أمام حشد من الأقارب والأصدقاء، اذ يقف من يتلقى هذه النقود، ويحملها بيده، ويشهّر بها حتى يتبين مقدارها أمام الجميع، لا بل ويصيح بصوته (خلف الله عليك يا فلان) وتسمع بعض التعليقات التي تعبّر عن أن فلانا يتوقع منه نقوطا بمبالغ أكثر، عندها يشعر مقدم النقوط بالحرج والخجل أحياناً.

ويذكر غرايبة بأن هذه العادة استجدت الآن وانحصرت بشكل ضيق جداً في بعض القرى، وفي إطار التمدن الذي حصل في المدن والأرياف الأردنية صار يكتفى بالصمت في تقديم النقود، ويتم بطريقة مكتومة بأن تضع في مغلفات وتدسّ في مكان ما، ويحاول من يقدّمها أن لا يشعر الآخرين بأنه قد قدّم شيئاً ما لكنه ينظر بطرف عينه صاحب المناسبة حتى يشعره بأنه قدم نقوطا في مكان بيته.

ويخلص غرايبة الى أنه يستحق التأمل والتفكير، ويستحق أن يُدعى الجميع الى التعقل لما يقدمونه في المناسبات، وأن يتواضعوا في اختيارها، ويتوخوا البساطة، وقلة التكاليف أمام هذه الفترة التي تعرضت لها المجتمعات المحلية لضيق ذات اليد ولمحدودية الدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة، لا بل يدعو الى الإقلاع عن هذه العادة، والاكتفاء بالمجاملات المعنوية بين الأسر والأقارب، ولا ينتظروا شيئا من هذا القبيل من الآخرين؛ لأن لديهم من الأعباء المادية ما تكفيهم.

ويشير حسام عايش -وهو خبير اقتصادي- الى ان الرواتب في الستينيات من القرن الماضي كانت تقل ما يقارب 10-20 ضعف عن الرواتب في الفترة الحالية، وكانت الحياة أكثر بساطة وتكيفا مع متطلبات الحياة آنذاك، ولم يكن هناك ضغط على الرواتب اذ لم تكن الاتصالات والنقل والايجارات وغيرها

ويلفت الى أنه كان في السابق مفهوم اقتصاد الكفاف، وهو السائد وذلك يعني أن الناس كانوا يتناولون غذاءهم مما تنتجه أراضيها، ومما هو في محيطهم الجغرافي، ومتوفر لدى الأسر ضمن منطق احتياجاتها في ذلك الوقت ويسمح للجميع ان يوفر من دخله الشهري اذا كان موظف أو أرضه اذا كان يفلحها، وكانت متطلبات الحياة أبسط وقدرتهم على التعايش مع احتياجاتها أكثر، كما كانت المواد الغذائية صحية بشكل أكثر مما يتم استهلاكه اليوم ولم تكن هناك حاجة لمراجعة الأطباء.

ويخلص عايش الى أنه علينا الاستفادة من المفارقة بين الماضي والحاضر من الناحية الاقتصادية وعلينا تغيير صياغة منهجنا الاقتصادي، وأن نأخذ من وحي العيش في السابق ونعكسها على أفكار تتماهى مع ما نحيا معتمدين على أنفسنا، والاعتماد يعني أن نكون قادرين على استهلاك ما نملك وتصديره الى الخارج.