موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
يوم الصدق العالمي

د. صلاح جرّار :

من عادة الشعوب أن تحتفل بالأشياء التي تعزُّ عليها ويندر وقوعها، ردّاً على نقيضاتها، فعندما يحتفل العالم باللغة الأمّ فإنّ ذلك يمثّل ردّاً على من يتخلون عن لغتهم الأمّ أو يدعون إلى التخلّي عنها، وعندما يحتفل العالم بيوم البيئة مثلاً فإنّ ذلك يأتي ردّاً على من يلحقون الأذى بالبيئة، وهكذا.

وعلى هذه القاعدة فإنّ يوم الصدق العالمي المقترح ها هنا هو ردٌّ على من اتخذوا الكذب مطيّة وسلوكاً في حياتهم لتحقيق مصالح مختلفة، فقد شاع الكذب وتزوير الحقائق شيوعاً كبيراً حتّى اختلط الحق بالباطل والحابل بالنابل ولم نعد نعرف الحقيقة إلاّ بعد جهد جهيد، فحيثما التفتنا في هذه الأيام نجد أكاذيب وافتراءات ومزاعم ومبالغات وتهويلات يمكن للعقل الواعي أن يكتشف زيفها بسهولة. وما دام الكذب يتسبب بإلحاق الأذى بالناس سواءً أكانوا أفراداً أم جماعات أم دولاً، فإنّ من حقّ الناس أن يطالبوا بيوم للصدق يكون عالمياً ويحتفي به الناس بما يليق بأهميّته، كأن يلتزم فيه كلّ شخص بالامتناع عن الكذب ولو لأربع وعشرين ساعة وبذلك يكفّ أذاه عن الناس، فإن تكلّم لا يتكلّم إلاّ صدقاً، وإن لم يفعل فيلتزم الصمت.

ترى ما الذي يمكن أن يحدث عندما يقول الناس كلّ ما يقولونه في يوم واحد صدقاً؟ وما الذي يمكن أن يحدث لو التزمت وسائل الإعلام المختلفة ولا سيّما القنوات الفضائية قول الحقيقة والصدق ليوم واحد فقط؟! وما الذي يمكن أن يحدث لو قرّر رجال السياسة أن يقولوا الحقيقة لأربع وعشرين ساعة فقط؟ وماذا يمكن أن يحدث لو صدق التجّار وأصحاب المهن والصناعات في مواعيدهم وأسعارهم وغير ذلك في ذلك اليوم.

ما أحوجنا إلى يوم واحد سنوياً من الصدق كي نكتشف فيه وجه العالم ووجوه الناس ونرى فيه وجه الحقائق المرّة، فيتغيّر العالم كلّه عند اكتشاف الحقائق، حتماً ستتغيّر أشياء كثيرة ومفاهيم كثيرة ومواقف كثيرة وقناعات كثيرة وعلاقات كثيرة.

لو يحدث ذلك مرّة واحدة في العام وفي يوم معلوم فتزول الأوهام وتتجدد وجوه الأشياء وقلوب الناس كما تغيّر بعض المخلوقات جلودها مرّة واحدة كلّ عام.

(نقلا عن الرأي الأردنية)