موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٢٤ ابريل / نيسان ٢٠١٧
ورقة سامية تدعو إلى ثقافة التنوع والحوار

الأب رفعت بدر :

أما وقد صدرت الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حول «بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة»، فقد آن الأوان الجدي والجريء لتعميق التدارس والنقاش والحوار حول الرؤية المستقبلية للمسيرة التعليمية والتربوية، والبناء على ما تم إنجازه إلى الآن للنهوض بالبناء إلى طوابق أعلى.

لقد أبدع عدد من المحللين والكتاب في تحليل الورقة السامية التي تضاف إلى ما تقدم من أوراق خلقت حراكاً فكرياً على مستوى المجتمع، في تصور مستقبل على أسس علمية وعملية، ضمن أجواء المواطنة والمساواة التي تحدثت عنها الأوراق السابقة. وفي هذا الضوء نتحدث عن الورقة الحالية، ولا يمكن أصلا الحديث عنها، بمعزل عن أخواتها الست السابقات.

ففي الورقة السادسة، على سبيل المثال لا الحصر، ركز جلالة الملك على «الحرية الدينية، أو حرية المعتقد، والتسامح وخطاب المحبة واحترام الآخر...»، وعلى هذه الأسس الراقية، تأتي الورقة النقاشية الحالية حول التعليم وتطويره والارتقاء به لتؤسس ليس فقط تجديدًا في التعليم كتلقين، بل تحفيزًا على الفهم والتفكير والتحليل. وبإختصار انها تدعو الى الانتقال من عملية «حشو المعلومات إلى مرحلة تأسيس ثقافة تعكس الصورة والهوية.

وهذه الهوية هي عربية «و» إسلامية. وفي هذا تطوّر وتطوير، ذلك أنّ كتبنا المدرسية أو مناهجنا كانت تقول الهوية العربية الاسلامية وتحذف حرف «الواو» الذي يعطي الحق للآخر العربي أن يعبر عن نفسه، وهذا الآخر العربي هو المسيحي الذي له جذوره الضاربة في أعماق التاريخ العربي.

إن جلالة الملك الذي يعتبر عالميًا من كبار المدافعين عن الحضور العربي المسيحي، ودعا في أيلول 2013 إلى مؤتمر لمناقشة التحديات التي تواجه المسيحيين، وفتح أبواب الوطن لاستقبال المهجرين من الموصل، ونشر العديد من المبادرات في مجالات الحوار الديني والتفاهم والوئام، يؤسس في هذه الورقة على التمييز واحترام التاريخ، أي أن الهوية العربية بإمكانها في ذات الوقت أن تكون اسلامية وبإمكانها أن تكون مسيحية وبينهما معرفة متبادلة وشراكة وتعاون.

من هنا جاء في الورقة الملكية أن التعليم المتميز وتجويد مخرجاته «بوابتنا نحو المستقبل، فهو يشكل أرضية مشتركة لفهم الآخر وتعميق قيم التسامح». وكم نحتاج الى هذا الكلام المطبّق في مدارسنا ومناهجنا الدراسية التي مع كل أسف تخجل من ذكر الآخر، وبالتالي لم تكن تدعو الى التسامح او التعاون، كونها تغفل اساسا عن ذكر وجود آخر ومختلف. ومن المؤسف انّ مبادرة «أسبوع الوئام بين الأديان»، ليست مذكورة في مناهجنا المدرسية، فقد نشأت في الاردن وتبنتها الأمم المتحدة، لكننا لا نذكرها في كتبنا المدرسية، وبالتالي لا نعمل الى اليوم على اعداد أجيال مستقبلية تؤمن بها.

وبخصوص المناهج كذلك، يقول جلالته في الورقة الحوارية او النقاشية بأن عليها أن «تعلم أبنائنا وبناتنا أدب الاختلاف وثقافة التنوع والحوار». كم هي عميقة هذه الكلمات، وكم نحتاج إلى تطبيقها على أرض الواقع، فالتنوّع غنى، والاختلاف ليس خلافا، واظهار التعددية الدينية في مجتمعاتنا، ليس عيبًا، وأدبيات الحوار ليست محصورة في فنادق ومؤتمرات رسمية وحاضنة لنخبة المفكرين. الحوار هو فن وثقافة يتعلمهما الطالب والطالبة على مقاعد الدراسة، ويتربيان عليه من الصفوف الاولى.

ونحن بانتظار الإعلان عن تشكيل المركز الوطني لتطوير المناهج الذي سيكون بلا شك سائرًا بهدى هذه الورقة النقاشية، وسيكون بفضل رئيسه المنتظر وأعضائه، الاعتراف بالآخر حاضراً، وستكون الدعوة إلى تعميق أدب الاختلاف وثقافة الحوار حاضرة في مناهجنا أولا، وفي أساليب وطرق تعليمنا ثانيا، وبالاخص في ذهنية المدير والمعلم، لكي يكون التوافق تاما بين ما يضمره المعلم وما يعلمه لأجيال المستقبل.

جلالة الملك، شكرًا على دعوتكم لتعليم ثقافة التنوع والحوار.