موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢١ يونيو / حزيران ٢٠١٨
والقلب مهجورٌ كبئرِ جف فيها الماء

د. اسمهان ماجد الطاهر :

لست خبيراً سياسياً انا مواطن ارني عربي عاش وسوف يموت على مبدأ واحد هو عشق الوطن. كلمة وطن تتكون من ثلاثة أحرف حيث تحمل في طياتها البيت وشجرة التوت وقفير النحل ورائحة الخبز والسماء الأولى. والسؤال هل تتسع كلمة لكل هذه المحتويات وتصيق بنا! قلوبنا تهمس لنا تتسع لأكثر ولن تضيق بنا.

سامحوني إذا تحدثت عن نفسي فقلت انا مواطنة عربية أردنية عشت على أرض العزة والكرامة الأردن وتربيت على يد والدي الذي خدم بالقوات المسلحة الأردنية الذي أحبها حبا جماً وخدم في صفوفها فترة زمنية كانت من نفسه محط المحبة والتقدير والاحترام والمكانة. لقد كان يعتبر المؤسسة العسكرية مصنع الرجال الذي ساهم في بناء القادة الذين دافعوا عن حمى الوطن والعروبة والإسلام. لقد علمني أن لا مجاملة ولا محاباة في مصير الأردن العربي وأن فلسطين هي التؤام الغالي بعاصمتها القدس العربية.

لطالما سرني رؤية والدي وهو يرتدي بورية الحق والكرامة للجيش الأردني. فكيف لا ادرك معنى كلمة الوطن! منه تعلمت أن الأوطان غاليه وأن الإنسان يفنى من اجل أن يكون حراً كريماً آمناً على الأرض التي شكلت حياته وتاريخه. أن الظروف السياسة الصعبة في السنوات العديدة الماضية هجرت وأساءت لإنسانية وقلب كل مواطن عربي.

في الأردن بتنا نعيش في ظل ظروف اقتصادية تحكمها صعوبات وتحديات عديدة. السياسة الأميركية المتغطرسة تنقل السفارة الى القدس المحتلة في إتجاه خطير متزامن مع هجرة قصرية خلفها الربيع العربي خلقت أزمات اقتصادية متعاقبة تم استخدمها كورقة للضغط لخدمة مصالح العدو الصهيوني ولإملاء المزيد من سياسات الغطرسة والتعند الإسرئيلي الاميركي. تحالفات مختلفة تقلب المعايير وتوجه الأحداث في مسار متعرج خطير.

في كل تلك الظروف والتداعيات بقي الأردن ثابت الموقف محافظاً على أن يكون حليف دائم للقضية الفلسطينية وللحق والعدل والسلام ولنصرة العزة والكرامة العربية. هي حنكة تاريخية وحكمة الهاشميون الذين توارثوا الوصاية على مقدسات القدس. لقد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن المقدسات والمسجد الأقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

في ظل هذه الظروف والتداعيات الصعبة ماذا نريد! في زمن قهر المواطن العربي واستباحة إنسانيته ومهاجمته بالدين ومحاولات تعزيز التقسيم والتجزئة والشرذمة كيف يجب أن يتم ترتيب الأوراق والمواقف! تساؤل قيد النقاش والبحث!

نعرف جميعا أن السياسة حنكة ودهاء وقدرة على تدوير الأحداث والأوراق نحو المصالح التي تخدم الوطن والمواطن. وبالتالي على السياسيين أن لا ينتظروا تغير الأحداث لصالحهم بل عليهم أن يصنعوا التغير بأنفسهم هي لعبة المصالح وحنكة التحالفات. إن الورقة الرابحة الذي يجب البحث عنها في هذه المرحلة هي توفير سياسة خارجية محنكة تستطيع وضع الشروط العادلة وتتقن الضغط على من يحاول إملاء شروطه وسياساته الجائرة والغير مقبولة. لابد من تصويب اتجاه السفينة نحو مصالح الوطن والمواطن من خلال تغير التحالفات في اتجاه ومسار جديد يضمن الضغط على السياسة الامريكية ويرعب الكيان الصهيوني المحتل الغاشم. السياسة مصالح وتحالفات وعلى قادتها إتقان اللعبة السياسية بما يضمن البقاء لهذا العالم العربي دون النظر إلى تجزئة وتقسيمات سني وشيعي مسلم ومسيحي شرق وغرب شمال وجنوب فالأمر لا يحتمل التجزئة ولا التقسيمات.

على القوى العربية أن تشكل تحالفات تضمن الضغط لتحقيق المصالح العربية وعلى رأسها حماية القدس العربية. الحنكة والذكاء السياسي والقدرة على توجيه البوصلة هو عنوان هذه المرحلة نحن لسنا بمرحلة استرضاء الجغرافيا نحن بمرحلة استرضاء واستنهاض التاريخ الذي لن يخذل أصحابه ابدا.

الإنسانية والكرامة والعزة العربية صرخت تقول لا للمزيد من الفقر والقهر فالقلب مهجور كبئر جف فيه الماء.

مظاهرات الأردن والأحداث الأخيرة وجهت الأنظار نحو جيل شبابي يمتلك الإرادة وله صوت يستحق أن ينطق فيسمع فيستجاب. وبالتالي على من يرسمون السياسيات أن يدركوا ذلك جيداً ليحسنوا الإستثمار في قدرات الجيل الشبابي الجديد وليحفظوا الوعود والعهود معه.

نعم فهذه القدرات والطاقات الإنسانية الحية الثمينة إذا ساندتها خبرة وحكمة العلماء والسياسيون الكبار المخلصون والصادقون الذين يتقنون معنى كلمة الوطن ستثمر وتزدهر وستضيء الوطن. أرى السماء في متناول الأيدي يحملها جناح يمامة بيضاء ويطالها صوت الشباب يهتفون سأصير يوماً ما أريد وأسل من قدري وجودي.

(نقلاً عن الرأي الأردنية)