موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الخميس، ٢٤ أغسطس / آب ٢٠١٧
هل نريد حقًا مواجهة الإرهاب؟، وهل ممكن القضاء عليه؟

الأب محسن عادل اليسوعي، باحث في العلوم الدينية والتربوية :

فيما تتعدد الأصوات القائلة والمنادية بضرورة مواجهة الإرهاب وأهمية التعاون الدولي والمحلي لمواجهة هذه "الآفة" التي باتت تؤرق العديد من الدول والشعوب والفئات، يجب علينا أن ننوّه بأنّ هذه الظاهرة ليست حديثة في ظاهرها وليست دولية في نشأتها. هي ترتبط في جذورها بماض طويل، ولكن منذ أن بدأت تطال العديد من الدول والعواصم العالمية وخاصة الأوروبية منها، ومع تسليط الإعلام الضوء عليها أصبحت ظاهرة عالمية وخطراً يؤرق الخاصة والعامة من الناس.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل يدار هذا الملف بحكمة وحنكة كافية مع كل أبعاده وتعقيداته وبوعي لكل التشابكات والتداخلات الدينية والعقائدية، الاقتصادية والاجتماعية، التربوية والثقافية، السياسية والإعلامية، المحلية والدولية، التي تجعل منه ملفاً معقّداً في فهمه وفي التعامل معه بنظرة شاملة وبمسؤولية أخلاقية وإنسانية وقانونية فعّالة وناجزة؟ هل نواجه حقاً الإرهاب أم نكتفي بالتعامل مع تبعاته فندخل في لعبته بدلاً من مواجهته واستباقه بالسعي لاستئصاله من جذوره؟

لفهم قضية الإرهاب يجب علينا ألا نتخاذل في طرح الأسئلة التي تخالج صدورنا وتجول في فكر كل مثقف يرغب في فهم هذه الظاهرة، لأنّ طرح السؤال في حد ذاته هو بداية الطريق للفهم. ولا ينبغي أن نتسرع في التوقف عند الأجوبة السطحية، السريعة، السهلة، بل علينا الذهاب نحو جذور المشكلة. إنّ الولوج لجذور المشكلة يمكن أن يساعد كل مسؤول يسعى لأخذ قرارات حاسمة ورادعة انطلاقاً من موقع مسؤوليته المحلّية والدولية.

من بين هذه الأسئلة البدائية التي يجب علينا طرحها، والتي يمكن أن تظهر لنا هل نحن على دراية كافية بهذه الظاهرة أم لا، سأطرح عشرة أسئلة هي كالتالي:

1. المصلحة: من المستفيد من هذه الأعمال الإرهابية؟ إن البحث عن المستفيد مما يحدث في هذه الدولة أو تلك، أو في هذه المدينة أو المنطقة أو المقاطعة دون سواها، وفي هذا التوقيت بالذات، يمكن أن يعطينا بداية الخيط الذي يقودنا لفهم أشمل لهذه الظاهرة. وكما يقول المثل، لفهم الجريمة ابحث عن المستفيد المتستر خلفها. فمن هو المستفيد أو المستفيدون من كل ما يحدث من تفجير وقتل وإرهاب في الداخل والخارج؟

2. التمويل: من يموّل هذه الأعمال الإرهابية؟ وهل يمكن تتبّع منابع التمويل ومصادره، من خلال هذه الشبكة الضخمة من البنوك والمصارف؟ وكيف تصل هذه الأموال إلى أيدي من تلوّثت أيديهم بدماء الأبرياء؟ هل يمكن للدول والحكومات والمؤسسات المحلية والدولية فكّ شفرة التمويل ومنابعه وطرق تحركه وتجواله في البنوك والمصارف والمشاريع التي تتبنى تبييضه وغسله ونشره، بمرآى ومسمع الدول والحكومات والمؤسسات الحكومية والمدنية؟

3. العقيدة: ما هي العقيدة التي تمهد الأرض للفكر المتطرف؟ وعلى ماذا تستند هذه العقيدة؟ وكيف يتم التنظير لها وبلورتها ونشرها حتى تدفع أفراداً أو جماعات لتبنيها والانسياق خلفها؟ إن قضية الإرهاب ليست قضية أمنية صافية، بل هي مزيج من الفكر والاعتقاد والحاجة النفسية والاجتماعية. إنها اقتناع بفكر تم غرسه وتبنيه في عقول وقلوب فئات من البشر وجدوا أنفسهم بحاجة لهذا الفكر للتعبير عن حاجاتهم النفسية والاجتماعية وللدفاع عن أنفسهم أمام مخاطر يظنون أنها تهدد معتقداتهم وهويّتهم وحياتهم ومستقبلهم. فمن يزرع هذا الفكر وينشره ويجنّد له المال والسلاح والأفراد؟ هذه العقيدة المغذّية للفكر الإرهابي أليس لها مصادرها وأماكن تنتشر فيها ووسائل مرئية ومسموعة ومقروءة تنتشر من خلالها؟

4. التجنيد: كيف يتم اختيار وتجنيد الشخص "الإرهابي"؟ وهل هناك شخص يولد إرهابياً بالفطرة، أم أنّ هناك عوامل تؤدي لتصنيع الإرهابي؟ هل يمكن لعلماء الدين والنفس والاجتماع السياسي والجنائي أن يعطونا أجوبة من الواقع على هذا السؤال؟ وهل للمؤسسات الأمنية أن تجيبنا كيف وأين يتم تجنيد هؤلاء الأفراد والجماعات وكيف وصلوا لمدننا وقرانا بهذه السهولة؟

5. التدريب: كيف يحصل هؤلاء على التدريب؟ هل من السهولة معرفة تحضير واستعمال القنابل وكل وسائل القتل والتدمير التي قد تسابق معرفة خبراء الأمن وقادة الجيوش بكل تدريبهم وتسليحهم؟ هل يمكن في ليلة وضحاها أن يصبح الفرد قاتلاً بارعاً، وبدم بارد وبحنكة ودهاء يُحير خبراء الأمن بكل ما لديهم من تكنولوجيا وأجهزة معلوماتية استباقية ومعقّدة؟

6. التخطيط: من يخطط لهذه الأحداث؟ إنّ اختيار المكان والزمان والوسيلة لا يأتي اعتباطاً، بل هو نتيجة لتفكير وتخطيط ومراقبة ومحاولات متعددة للوصول للهدف المطلوب. وهذا في أغلب الأحيان لا يأتي نتيجة عمل فردي، حتى وإن أطلقنا عليه عمليات "الذئاب منفردة"، فخلف كل ذئب هناك مجموعات أو خلايا تحضر له في خفاء بدقّة وعناية. فأين تقبع هذه الخلايا وكيف تتواصل فيما بينها وكيف تختار فريستها من بين الضحايا؟

7. اللوجستيه: من يوفر لهم الاحتياجات اللوجستية؟ من أين لهم كل هذه التقنيات المتطوّرة في التواصل والإعلام؟ من أين لهم هذه المركبات والمدرعات الحديثة والمتطورة؟ من أين لهم هذه الإمكانات في الدخول والخروج عبر الحدود والمنافذ التي يفترض إحكام السيطرة عليها؟ من أين لهم معرفة تحركات الجيوش والتحالفات الدولية بكل ما لديهم من إمكانات خيالية؟ من يموّلهم بهذه المعلومات والإمكانات والتكنولوجيا المتطورة؟

8. الأسرة: ما هو دور الأهل والأقارب في زرع البيئة الحاضنة وتهيئتها؟ مما لا شك فيه أن هؤلاء الأفراد خرجوا من داخل أسر وعائلات يفترض أن يكون لها الدور الحاضن لأفكارهم وسلوكهم منذ طفولتهم؟ وهنا يبرز دور المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية، فمنها تختمر الأفكار والميول والانتماءات وتتبلور الإرادة. فهل نتابع جيداً دور العلم والثقافة والدين في توجهاتها وأسلوبها ومناهجها، هل تتبنى الحرص على المواطنة والخير العام أم تكرّس جهودها للعنف والتكفير ورفض الآخر المختلف؟ هل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تؤدي الدور الضروري لتوعية الأسرة إلى مواجهة التطرف؟ هل تسعى الدولة والمجتمع الدولي إلى توفير وتحسين أحوال المعيشة الكريمة للعائلة، هل هناك حلول للعشوائيات وللأسر التي تعيش على هامش المجتمع؟

9. القانون: كيف يتعامل القانون مع هذه الأحداث؟ هل لدينا منظومة قانونية صارمة لمجابهة التطرف والإرهاب؟ هل هذه القوانين رادعة وناجعة بعيداً من البيروقراطية والتدليس والتسييس؟

10. الأمن: كيف يجري تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية ومع أجهزة الدول الأخرى بحيث يضمن استباق العمليات الإرهابية؟ هل مؤسساتنا الأمنية مدربة بشكل دقيق وبكفاءة أعلى مما لدى هذه الجماعات الإرهابية؟ هل لدى المؤسسات الأمنية أحدث التكنولوجيا التي تسمح لهم باستباق الفكر المتطرف والعمليات الإرهابية؟ هل المنافذ الأمنية للدخول والخروج من البلاد محكمة السيطرة أم بها من الثغرات ما يجعل رداء الوطن ممزقاً ومخروقاً؟ هل نأمن ونضمن عدم وجود اختراقات أمنية داخل أجهزة الأمن ذاتها؟

هذه بعض الأسئلة التي علينا أن نفكر فيها أولاً وأن نسعى للإجابة عنها بعيداً من دفن رؤوسنا في الرمال، معتقدين أن كل شيء على ما يرام وأنها مرحلة وستمرّ، وأنها ظاهرة عالمية لا حول ولا قوة لنا بها. يقولون بأن العالم قرية صغيرة، وما يحدث في مكان لا بد من أن يؤثر علينا بطريقة أو أخرى، فما بالنا ونحن في قلب الظاهرة وهي تعشش بيننا؟ ألا يستدعي ذلك مزيداً من الأسئلة ومزيداً من المواجهة الشاملة بمشاركة كل مؤسسات الدولة دون الوقوف على ظواهر مشكلة تؤرق حياة البشر ومستقبل دول وشعوب؟

(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)