موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
هل التعليم مهنة أم وظيفة؟

حسني عايش :

لا يخطر على البال طرح هذا السؤال في كثير من البلدان كبلدان اسكندنافيا أو اليابان، أو سنغافورة... لأن التعليم فيها مهنة (Profession) ومهنة راقية ومحترمة وليس مجرد وظيفة (Occupation) لعاطل أو لطالب عمل. ولكنها في بلدان كثيرة أخرى ليست مهنة كمهنة الطب أو الصيدلة أو المحاماة أو الهندسة.. وإنما مجرد وظيفة. ومع أن أميركا دولة متقدمة وقبلة التعليم العالي عندنا في الشرق العربي إلا أنها ليست قبلة في هذا الأمر. إذ لا يزال التجاذب والتضارب والتراشق حولها قائماً. يكفي أن تطلع على كتب أسس التربية التي تدرس في كليات التربية هناك، أو على الإعلام، أو على مداولات مجالس التربية والتعليم والكونجرس لتخلص إلى نتيجة مشوشة عن هذا الأمر.

ولأنه لم يحسم بعد، فيتبارى التربويون ويتنافس المختصون هناك في تحديد المعايير أو الخصائص اللازمة للمهنة أو للاعتراف بالمهنة كمهنة، وأجمعوا على أربعة عشر معياراً أو خاصية لازمة للمهنة الكاملة (Ornstein & Levine) وهي: توافر الإحساس أو الشعور بالخدمة العامة أو الالتزام الحياتي بالمهنة عند صاحبها. معرفة محددة ومهارات تتجاوز ما يملكه غير المختصين. تطبيق النظرية ونتائج البحوث في الممارسة. فترة ممتدة من الإعداد الاختصاصي. السيطرة على معايير الترخيص ومتطلبات الالتحاق بالمهنة. الاستقلال في القرار فيما يتعلق بنواحٍ مختارة من العمل. تحمل المسؤولية عن الأحكام والأفعال ذات العلاقة بالخدمة المقدمة، ووجود معايير للأداء. الالتزام بالعمل المهني المقدم (للزبون) وتأكيده. استخدام الإدارة لتسهيل عمل المهنيين. وتوافر حرية نسبية من الرقابة المفصّلة على العمل. تنظيم أو شكل من الحكم الذاتي لأعضاء المهنة (نقابة/جمعية...). جمعيات نوعية و/أو جماعات نخبة تعترف بالإنجازات الفردية. دستور أخلاقي يساعد في توضيح المسائل الغامضة أو النقاط المشكوك فيها ذات العلاقة بالخدمة المقدمة. مستوى عالٍ من الثقة العامة بالمهنة وبأعضائها. ومكانة عالية لها في المجتمع واقتصاد ثابت.

وتطبيق هذه المعايير على التعليم تبين أن التعليـم ليس مهنـة بالمعنـى الكامـل، لأنها لا تملك المعايير اللازمة للمهنة الكاملة. هي شبه مهنة أو مهنة على طريق امتلاكها مع أن التعليم أحد أقدم المهن في التاريخ.

وبكلمات أخرى يقال: إن العمل فيها يتم دون إعداد مسبق أو بفترة إعداد أقصر من فترة إعداد بقية المهن. كما أنها لا تملك جملة واضحة من المعرفة المهنية المختصة أي لا يوجد اتفاق بين التربويين على المعرفة المختصة اللازمة أو على الاحتكار المعرفي اللازم الخاص بالمعلمين والمعلمات مثل بقية المهن وبحيث يتميز أعضاؤها بها عن الجمهور.

وهكذا نجد كل واحد يتكلم أو ينظّر في التربية والتعليم وكأنه خبير فيهما، مع أنه لا يستطيع أو لا يجرؤ على التكلم في موضوعات المهن الأخرى، كالطب، أو الهندسة، أو المحاماة، أو الصيدلة.. إذا لم يكن مختصاً فيها. كما أن كثيراً من غير المعَدّين للتعليم يعملون فيه كوظيفة.

تعني المهنة حسب الخبراء استقلال المهني في حكمه وقراره لأنه يملك المعرفة والخبرة اللازمة لذلك. أما المعلمون والمعلمات فالكل يتدخل في عملهم بدءاً من الآباء والأمهات، وانتهاء بالصحفيين والكتاب والناس العاديين. لا يعني الاستقلال المهني الغياب الكلي للنقد أو للتدخل، وإنما يعني وجود قدر من الاستقلال اللازم لصيانة المهنة وحمايتها من المتدخلين غير ذوي العلاقة.

أما مكانة المعلم/ة فقد تراجعت كثيراً عما كانت عليه في الماضي القريب نتيجة منافسة المهن الجديدة لها على المكانة، وتقصير المعلمين والمعلمات في إثبات استحقاقهم لها فهم لا يقدمون خدمة للمجتمع كبقية المهن وإنما يؤدون رسالة أسمى وأصعب منها، تعنى بتكوين الإنسان نفسه.

حان الوقت لاسترداد المعلم/ة المكانة الرفيعة التي فقداها، وبخاصة بعد امتلاكهم لنقابة خاصة بهم يجب عليها القيام بذلك والتركيز على المعيار الثاني والخامس والسادس والأخير في القائمة فهي الأهم في تكوين المهنة.

ولمعرفة رأي أو موقف المعلمين والمعلمات والناس من التعليم فيما إذا كان مهنة أو شبه مهنة، أو وظيفة يجب سؤالهم عن ذلك في استبانة عامة، وربما بين فترة وأخرى.

(نقلا عن الغد الاردنية)