موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأحد، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
هجرة المسيحيين العرب هي افقاد المنطقة لجزء من طاقاتها وقدراتها البشرية

د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي :

إن استمرار الصراع في منطقة الشرق الاوسط قد يؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين في هذا المنطقة وبالاخص استمرار احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران سنة 1967 يدفع العديد من المسيحيين الفلسطينيين للهجرة وكذلك من يقرر البقاء في المنطقة فان الحياة تكون صعبة ويؤثر الصراع والاحتلال على ممارسة الشعائر الدينية. علماً بأنه في ظل وجود الاحتلال والذي يتحكم في كافة الامور فإنه يوجد صعوبات كبيرة حتى لممارسة الشعائر الدينية، وذلك لان اسرائيل هي التي تتحكم في المناطق التي توجد بها الاماكن المقدسة للمسيحيين وتتحكم في الوصول اليها، ولكل هذه الاسباب فإن العديد من المسيحيين يفضل الهجرة من المنطقة.

وفي الاونة الاخيرة تشكل الهجرة الواسعة للمسيحيين العرب ومسيحيي البلدان المشرقية احدى أهم المخاطر التي تواجهها المنطقة، وذلك بسبب الدور الثقافي الذي يلعبه هؤلاء المسيحيون حلقة وصل بين الحضارة العربية الاسلامية والحضارة الغربية واستيعابهم وتفهمهم لكلتا الثقافتين، وفتح امكانية الحوار بينهما. ولقد مارست الثقافة المسيحية المشرقية على مدى تاريخها تأثيراً متبادلا بين الثقافتين الاسلامية والمسيحية الغربية، ولعبت دوراً في عقلنة التطرف لدى الثقافتين وتفاعلهما مع بعضهما البعض رغم الظروف القاسية التي تعرضت لها بسبب هذا الدور، لكن ما يهمنا هو التركيز على هجرة المسيحيين العرب، حيث يتمركز الوجود المسيحي في الدول العربية في مصر، لبنان، سورية، العراق، جنوب السودان، الاردن وفلسطين، أما بقية الدول العربية فان وجود المسيحيين فيها قد يكون محدوداً، بعضها جاء بقصد العمل، كما في دول الخليج والسعودية، والبعض الآخر من بقايا الاحتلال الفرنسي كما في دول المغرب العربي. أما دخول المسيحية لجنوب السودان فقد جاء عن طريق البعثات التبشيرية، ويتمركز عدد المسيحيين في الدول المجاورة كتركيا وايران حيث يوجد نحو ربع مليون منهم، وقد هاجر قسمهم الاعظم في السنوات الاخيرة الى مختلف دول العالم، حيث أن عدد المسيحيين الفلسطينيين في العام 1890 كانوا يشكلون 13% وفي العام 1917 - 9.6%، وفي العام 1931 تقلصت النسبة الى 8.8%، وفي العام 1948 الى 8%، اما في الوقت الراهن فيبلغ عدد المسيحيين 40000 نسمة في الضفة الغربية، وأقل من5000 في القدس، و733 في قطاع غزة، ولا يتجاوز اجمالي هذا العدد ما نسبته 0.5% من مجموع الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين المحتلة في سنة 1967، فيما كانت النسبة سنة 2000 - 2%.

علماً بأن عدد المسيحيين في مدينة القدس بحسب احصاء 1922 نحو 14700 نسمة، والمسلمون 13400، بينما بلغوا في احصاء 1/4/1945 نحو 29350 نسمة، والمسلمون 30600 نسمة. وهبط عدد المسيحيين في القدس عام 1947 الى 27 ألف نسمة بسبب الأوضاع الحربية التي نشأت في فلسطين عشية صدور قرار التقسيم في 29/11/1947. ثم صادرت اسرائيل 30% من الاراضي التي يمتلكها مسيحيون بعد الاحتلال عام 1967، وجميع هذه العوامل تضافرت لتجعل من المسيحيين مجتمعاً متناقصاً باستمرار.

أما في سوريا فلم يبقى من المسيحيين إلا خمسة بالمائة من عدد السكان، أي مليون ومائة ألف نسمة، ولكنهم عام 1950 كانوا اربعة أضعاف هذا العدد، وفيما يخص لبنان وحيث كانوا يشكلون نسبة 60% من عدد السكان قبل فترة ليست بعيدة، فإنهم الان لا يشكلون اكثر من 35% وهو ما يعني أن عددهم انخفض الى النصف تقريباً. الامر ذاته في العراق، فبعد أن كانت أعداد المسيحيين العراقيين تقدر بثلاثة ملايين في نهاية القرن العشرين، لا يزيد عددهم في العراق اليوم عن 300 ألف نسمة، وإذا استمر فرارهم للنجاة بأنفسهم، فإن الدراسات تتوقع نهاية وجودهم بالعراق خلال العشر سنوات القادمة. أما الاقباط الذين كانوا يشكلون 25% من سكان مصر، الان يشكلون أكثر من 10%. اما في الاردن بالاحصائيات تشير الى ان عددهم حاليا يقارب المئتين وخمسين الف نسمة. وفي المحصلة لم يبقى من المسيحيين في العالم العربي إلا ما بين اثنا عشر مليون نسمة الى خمسة عشر مليون نسمة من اربعمائة مليون عربي تقريباً، وهؤلاء قد تنخفض أعدادهم كما تشير الدراسات الى نحو 6 ملايين سنة 2025.

ومن أهم نتائج هجرة المسيحيين الواسعة من بلدان المشرق العربي تتمثل في افقاد المنطقة لجزء من طاقاتها وقدراتها البشرية والمادية، وهي طاقات تحتاج لها المنطقة في عملية التنمية وفي مسيرتها من اجل التقدم في جوانبها المختلفة، ونتيجة الهجرة تضعف قدرات المنطقة ودولها في مواجهة التحديات القائمة والمستقبلية بالاضافة الى ما تركته هذه الهجرة من تغييرات في البيئة الحضارية والثقافية للمنطقة، والتي كانت بالاساس منطقة تنوع ديني، يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود الى جانب ديانات آخرى.

وحول الهجرة في فسطين، فإننا نرى بأنها تستمر بوتائر سريعة لاسباب متعددة أصلها: الاحتلال، عدم وجود استقرار، فقدان السلام، واختلال موازين العدالة .. مع العلم بأن الشعب الفلسطيني جزء اصيل من الشعب العربي الفلسطيني، حيث يبلغ عدد المسيحيين الفلسطينيين في اراضي ال 48 114000 نسمة و733،45 نسمة في أراضي فلسطين المحتلة سنة 1967 بما فيها مدينة القدس الشريف، وعلى الرغم من محاولات اسرائيل منذ قيامها التركيز على تهجير المسيحيين وفصلهم عن المسلمين، بهدف تفريغ فلسطين من المسيحيين بزعم ان الصراع ديني، وهو بين المسلمين واليهود وليس كياناً حقوقياً يتعلق بشعب احتلت اراضيه (مسلمون ومسيحيون) وبين مغتصب ومستعمر استيطاني اجلائي .إن محاولة اسرائيل تصوير الصراع باعتباره صراعاً دينياً وليس صراعاً حقوقياً ووطنياً وارضياً انما تستهدف عزل المسيحيين عن المسلمين وتقسيم الفلسطينيين انفسهم ليسهل استهدافهم جميعاً وهنا لابد من الاشارة الى أن المسيحي والمسلم لا يختلفون مع بعضهم البعض في الدفاع عن الارض والحقوق والقيم الوطنية والانسانية.

إن اضطرار المسيحيين الفلسطينيين الى الهجرة من فلسطين هو أمر مفهوم بسبب السياسة العنصرية الاستعلائية الاجلائية للاحتلال الاسرائيلي فيما يتعلق بالبلدان العربية والمشرقية الاخرى هو رسالة سلبية الى العالم أجمع بأن مجتمعاتنا تضيق درعاً بالتنوع الديني والاختلاف الثقافي، لاسيما لغير المسلمين، ولعل ذلك سيدفع المسلمون ثمنه باهظاً قبل غيرهم، فهو خسارة لطاقات ولعادات سكان أصليين في بلداننا يشكلون جزءاً من حضارتنا وتاريخ مجتمعاتنا وشعوبنا، ولا يمكن تصور بلدان عربية ومشرقية دون وجود مسيحي مؤثر في المشهد العام.