موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٨ مايو / أيار ٢٠١٩
نتأثر ولكننا نؤثر أيضًا!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

تُسنحُ لنا كلّ مرةٍ فرصةٌ لنتعمّق في شخصيةٍ عاشت المسيح في عمقها، فنجدّدُ إيماننا على ضوئها. وإن كان الموتُ يخلقُ هذه الفرص أحيانًا، فالموتُ بالنسبة لنا ليس إلا قيامة وحياة! ولنا مثال اليوم "جان فانييه" الذي رحل عنّا إلى الديار السماوية، بعد أن عاش المحبة تجاه الضعيف فجسّد حبّ المسيح الأبدي في حياته اليومية.

كم منّا ينظر إلى جان فانييه وإلى تريزا أم الفقراء، وإلى بطرس وبولس، وإلى غيرهم كثيرين من القديسين، على أنهم حالات خاصّة واستثنائية! وإن اعترف بعضنا أن القداسة للجميع، إلا أنهم يلقون باللائمة على الظروف التي لا تسمح لهم بالعيش كما يريد منهم المسيح. وأمام هذه الأمثلة العظيمة من القديسين، نبرّر أنفسنا فنعزو لهم قدرةً خاصّة واستثنائية في تخطي ظروفهم، أو نعتقد بنوعٍ من السطحية أنهم لم يواجهوا ظروفًا صعبة كالتي نلاقيها في طريقنا اليوم! أليس كذلك؟

لا تُعاش القداسة في ظروفٍ خاصّة، بل في وسط الظروف ذاتها التي يتقاسمها جميعُ الناس، وإلا ما كانت قداسة! والقديسون ليسوا أناسًا مثاليين، بل عاشوا ظروفًا أصعب من ظروفنا، ولكنهم فضّلوا قضيتهم وهي المسيح، فلم يعد للظروف تأثيرًا في طريقهم.

أتذكر إلى الآن ما قاله لي يومًا مرشدي الروحي وأنا لا أزال طالبًا في الاكليريكية: لا تتأثر فحسب، بل كن شخصيةً مؤثرة أيضًا.

فالمسيحية هي ديانة التأثير وليس التأثر فقط، ديانة تعلّم ولا تتلقن فقط. نعم، نحنُ تعلّمنا أن نتأثر، ولكننا لم نتعلّم كثيرًا أن نكون مؤثرين: نتأثر لحرق كنائسنا هنا وهناك، ولكننا لم نتعلّم أن نبتسم أمامها ابتسامةً تنقلُ الجبال! تعلّمنا أن نُحبط أمام الاضطهادات المختلفة، ولكننا لم نتعلّم أن نواجه من يعادينا بالخير، الذي وصفه القديس بولس بالجمر المتقد على رأسه "إذا جاع عدوّك فأطعمه، وإذا عطش فاسقه، لأنّك في عملك هذا تركمُ على هامته جمرًا متقّدًا" (روما 12/20). نقف ونتراجع أمام أول من يرفضنا، ولكننا لم نتعلّم أن نواصل المسيرة مؤمنين بقضيتنا فنعطي "بعضه مائه وبعضه ستين وبعضه ثلاثين" (متّى 13/8).

التحدّي جزءٌ من إيماننا المسيحي، ومن لا يعيش التحدّي يخسرُ كثيرًا ويبقى يعيش متشكيًا ظروفه "قال الجاهلُ في قلبه: ليس إله" (مزمور 14/1)، أمّا من يتحدّى ظروفه يصلُ إلى طريق القداسة. والتحدّي هو الطريق الأفضل للتأثير في الآخرين وفي توصيل الإيمان بالمسيح لهم. فلننظر إلى القديسين على هذه الشاكلة، سنجدهم أشخاصًا مؤثرين من خلال إيمانهم بقضيتهم وبالمسيح الذي وضعوا عليه تكلانهم. هل نتعلّم؟!