موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
من تاريخ نضال المرأة الأردنية

د. زيد حمزة :

في أواسط القرن الماضي كنا خارجين من مجتمع صغير فقير تحكمه العشيرة والقرية والبادية حتى في صميم المدن نطلب العلم في مصر أم الدنيا حينما بدأ وعينا السياسي يتشكل فادركنا على مدىً غيرِ قصير اهميةَ اقتران كفاح المرأة من اجل حقوقها بالكفاح الوطني من اجل التحرر من ربقة الاستعمار والاقطاع والرجعية، وحين التقطنا الفرق النوعي المهم بين نزع الحجاب الذي قامت به نساء مصر بقيادة هدى شعراوي في ثورة 1919 وبين نشاط استعراضي كانت تتباهى به جمعيات نسائية تترأسها صاحبات العصمة من زوجات الباشاوات لجمع التبرعات والألبسة المستعملة للفقيرات ! عرفْنا قيمة تحرك المحامية إميلي بشارات في الاردن للمطالبة بحقوق المرأة وأهمية نجاحها بعد في انشاء اول اتحاد نسائي اردني عام 1954 رغم العراقيل الحكومية وسخرية المجتمع الذكوري وترديده لنكتة سمجة نُقلت عن مسؤول هزأ من مطلبها بالغاء تعدد الزوجات وهي العزباء ولم يخجل بعد سنوات قليلة عندما كان الحبيب بورقيبة اول رئيس تونسي بعد الاستقلال يتوّج نضال المرأة التونسية بسن قانون يمنع تعدد الزوجات! وواصلت أميلي بشارات مع رفيقاتها الرحلة الصعبة، ورغم تحقيق بعض التقدم الا أن جهودهن بقيت محاصرةً داخل مجتمع يرزح تحت نير عادات وتقاليد جائرة لم يجسر احد على التعرض لها خلال نصف قرن كما فعلت عفاف البطاينة عام 2004 في روايتها ((خارج الجسد))، وبقيت المرأة الاردنية تعاني من بعض القوانين المنافية للشرعة الدولية لحقوق الانسان الصادرة عام 1948 وما تلاها من عهود ومواثيق تخص المرأة تحديداً في العمل والتعليم والاختيار الحر للاسم والزوج وحضانة الاطفال ومكان الاقامة والاجر المتكافئ مع الرجل والمساواة في الميراث، ولم يشفع لها وصولها الى كثير من المواقع القيادية في الدولة والمجتمع بأن تمنع الاسلاميين والذكوريين في مجلس النواب الحادي عشر من إعادتها الى الخلف مئات السنين حينما ألغوا حقها في التساوي بالرجل في اقتسام الميراث من الاراضي الزراعية والذي كان معمولاً به حتى في دولة الخلافة العثمانية!

في الشهر الماضي حضرتُ ندوة احتفلتْ بتاريخ نضال المرأة الاردنية منذ تأسيس اتحادها وقد شارك فيها عدد من الرائدات اللواتي أسهمن في مسيرته وسط مصاعب جمة كان من ابرزها ليس فقط القوانين السلطوية والانظمة الأبوية، بل والكثير من المفاهيم الاجتماعية المتخلفة، وفي السياق لم يستطعن اخفاء الخلافات الشخصية والعقائدية التي شابت تلك المسيرة لكنها لم تشوّه جوهرها، وقد اعترفن بان الطريق ما زال طويلا وان ربط نضال النساء في الاردن بنضال المرأة العالمي في كل المحافل هو ضرورة قصوى، وان حقوق المرأة المنتهكة عندنا منذ زمان طويل هي صنو حقوق الشعوب المنتهكة في اكثر من بلد في العالم، سواء في فلسطين او في افريقيا القارة المنهوبة أو لدى السكان الأصليين والسود وباقي الاقليات في اميركا أو غيرها، وأنه ما لم تلتقِ النضالات المشتركة ويشارك فيها المظلومون والمظلومات، المسحوقون والمسحوقات، المهمشون والمهمشات من كل انواع الجندر البشري، في تحرك عالمي واحد ضد التمييز العنصري والاستغلال الاقتصادي، من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتعليم الحر وتوفير الخدمات الصحية للجميع، فان الرجعية ستبقى سعيدة مستمتعة بقهرها للمرأة كجزء من قهرها للشعوب..

وبعد.. ما يدعو للتفاؤل الآن أن التضامن من اجل حقوق المرأة اصبح عابراً للحدود والاوطان وتنهض به مئات من الجمعيات والاتحادات والحركات الشعبية ببسالة منقطعة النظير.. حتى في الولايات المتحدة!

(الرأي الأردنية)