موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
منسق برنامج الشرق الأوسط في مجلس الكنائس العالمي: لبناء السلام بالمنطقة

عمّان – الأهرام المصرية :

من واقع خبرته وتاريخه في تطوير مشروعات تتعلق بالسلام وعملية الحوار بين الأديان، كان الحوار مع منسق برنامج الشرق الأوسط في مجلس الكنائس العالمية ميشال نصير، للتعرف على دور المجلس في المساهمة في حوار الأديان، بعيدًا عن التوصيات العقيمة والمؤتمرات التي لا تطرح حلولاً جذرية لأكثر أزماتنا السياسية والدينية خطورة وحساسية.

وجاء الحوار معه في العاصمة الأردنية عمّان على هذا النحو:

كيف رأيت مؤتمر حوار الأديان الأخير في عمّان؟

أشكر وأقدر منظمي هذا المؤتمر الذي يطرح موضوع حوار التنوّع الدينيّ ودوره في تعزيز التماسك الاجتماعي في المنطقة العربيّة في زمن ما زالت الأديان في منطقتنا تُستخدم في إذكاء الصراعات على أنواعها علمًا بأنّ جوهرها هو الدعوة إلى المصالحة مع الله والسلام بين الناس والخليقة.

وما دور مجلس الكنائس العالمي في خضم هذه الأحداث؟

المجلس هو مؤسسة تضمّ في عضويّتها حوالي 345 كنيسة من تقاليد متنوّعة متواجدة في 110 دولة، له في مجال الحوار الدينيّ والعلاقات بين الأديان خبرة طويلة تعود إلى أكثر من 60 سنة. وهو يقارب هذا الحوار من زاوية أنّه «مسارٌ مشترك يكون فيه التمكين متبادلاً نحو الالتزام بشؤون الأرض والسعي المشترك إلى إحقاق العدل والسلم والعمل البنّاء من أجل الخير العام للشعوب كلّها».

كيف يعالج الحوار في رأيك القضايا السياسية والدينية التي تعاني منها مجتمعاتنا؟

عرفت منطقتنا العربية نوعين من الحوار: الأول ذو بعد «رسميّ» يهتم بالتقارب اللفظي وغالبًا ما كان وما زال خاضعًا لمقتضيات الأنظمة الرسميّة لذلك لم يعالج في العمق القضايا التي تهمّ المجتمع وتقدمه. وكان في بعض الأحيان تلفيقيًّا فكثيرًا ما كنّا نسمع من البعض أنّ الأديان متشابهة ولا فروقات جوهريّة فيما بينها وهي على حدّ تشبيه بعضهم كالطبق الواحد الذي تتنوّع تسمياته من مكان إلى آخر. وأما النوع الثاني فتبنته شخصيات معتبرة وإن لم تكن ممثلة لطوائفها ومذاهبها فقد غاصت في عمق المسائل والقضايا من أجل ترسيخ العيش الواحد والاحترام المتبادل وقبول الآخر كما هو.

وكيف يمكن أن يأتي الحوار بثمار حقيقية؟

لا ريب أن الحوار الدينيّ على أهميته إذا ما اقتصر على المسائل العقيدية والنظرية، أي إذا ما اكتفي بنفسه دون أن يتناول قضايا الإنسان المعاصر وهمومه، تكون جدواه محدودة، وبخاصة عندما لا يستدعي سوى الجدالات العقيمة والمناكفات التي لا تنفع الإنسان الغارق في همومه وهموم مجتمعه ووطنه. والأديان هي لخدمة الإنسان ورفع شأنه وكرامته. لذلك، فأهل الأديان، في حواراتهم، مدعوّون إلى معالجة القضايا المشتركة التي ترهق كاهل الناس في بلادنا وإلى التنافس على استباق الخيرات: «لكلٍّ جعلْنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمّةً واحدة ولكنْ ليبْلُوَكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات. إلى الله مرجِعُكم جميعًا فينبّئُكم بما كنتم فيه تختلفون» (سورة المائدة، 48)، أي علي خدمة الإنسان المحتاج إلى أعمالنا أكثر من أيّ أمر آخر. وفي المسيحيّة أيضًا نقول إنّ الله قد سلّمَنا الأرض أمانةً كي نجعلها ملكوتًا أو فردوسًا نتذوّقُه «هنا والآن». استباق الخيرات يعني أن يكون الإنسانُ، أيُّ إنسان بدون استثناء، هو محور تفكيرنا وخدمتِنا وفعلِنا. فعلينا، إذًا، وبمعزل عن خلافاتنا الدينيّة، أن ننظر إلى الخيرات الإلهيّة المطلوب منّا أن نحقّقها للإنسان في عالمنا اليوم، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها. هذا هو التحدّي الحقيقيّ الذي يواجهنا اليوم والآن في المنطقة العربية وعلى أساسه علينا تحديد أولويّات عملنا المشترك.

هل لديكم رؤية للخروج من هذا النفق المظلم؟

في ظلّ ما يجري اليوم في بلادنا، ثمّة الكثيرُ ممّا هو منشودٌ أن نتعاون في سبيل تحقيقه يمكن أن يكون على سلّم أولويّاتنا في أجندة الحوار، ويمكننا إيجازه في نقطتين أساسيّتين، هما العمل معًا من أجل سيادة قيم المواطنة وحقوق الإنسان، والعمل معًا من أجل مساعدة الفقراء وإيواء النازحين والتخفيف من مآسي ضحايا الحروب والنزاعات.

لدينا مؤسسات دينية كبري وتاريخية كيف نوظفها لخدمة هذه الأهداف النبيلة؟

الكل يعلم أنّ المشكلة ليست في الأديان، بل تكمن في تسييس الدين واستغلاله في الصراع السياسي، ما يستتبع بالضرورة استخدام الدين في إذكاء الفتنة ما بين أتباع المذاهب المختلفة. كما أنّ البعض من أهل الدين والسياسة لا يتوانون عن تديين السياسة فيضفون طابعًا دينيًّا على طروحات هي بالأصل سياسية ويجب معالجتها سياسيًّا واجتماعيًّا، ولا بدّ، للمؤسسات الدينيّة من العمل كي يصبح الخطاب الديني في سبيل التقارب والتآلف ما بين المواطنين، لا أن يكون أداةً في أيدي المغرضين.

وماهي أجندة مجلس الكنائس العالمي لتفعيل دوره مستقبلاً؟

يعمل مجلس الكنائس العالمي في المنطقة العربيّة على مستويات عدّة، أهمّها، أنّ الحوار الديني الذي لا يهتمّ بالإنسان، وبخاصّة المحتاج، هو حوار عقيم ولا يهمّ الناس والناس قلّما تهتمّ به. والالتزام بالفقراء والنازحين وضحايا الحروب باتت له الأولويّة المطلقة. فلا يجوز التمييز ما بين الفقراء وفق انتماءاتهم الدينيّة والمذهبيّة.

وكيف يتوج المجلس جهوده؟

بالوصول إلى شراكة راسخة، شراكة إسلاميّة مسيحيّة من دون استبعاد هيئات المجتمع المدني، كي يصلوا معًا إلى بناء السلام والأمن الاجتماعي، ودولة المواطنة وحقوق الإنسان، دولة تحترم التعدّد الديني والفكري والحزبي، دولة القانون والمؤسّسات التي تحترم الكرامة الإنسانيّة.