موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
ملاحظات لنهاية العام

جميل النمري :

وصلنا إلى نهاية العام، ونحن نعيش أجواء المواجهات الداخلية الأخطر مع الإرهاب. وسأعلق بفقرات قصيرة مكثفة:

- بعد التهنئة وتقديم أطيب الأمنيات للقراء الكرام بالسنة الجديدة، أريد التنويه إلى المقالة الجميلة للمهندس ليث شبيلات، والتي نشرت في "الغد" يوم الإثنين الماضي؛ "خطبة جمعة ممتازة" عن مثلث الإرهاب الذي يبدأ بالتحريم ثم التكفير ثم التفجير. وذلك عطفا على فتاوى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم. وهي بالطبع واحدة من سلسلة الفتاوى المتطرفة، وبعضها يحرم على المسلمين حتى الاحتفال بعيد المولد النبوي، وأكثر من ذلك اعتبار كل احتفال بدعة وضلالا. وقد رد الأردنيون على آخر نشاط إرهابي بالتزيد في مشاركة إخوانهم المسيحيين بالأعياد، بينما اختصر المسيحيون مظاهر الاحتفال بالطقوس الدينية، حدادا على أرواح الشهداء. إن أفضل تثقيف بالاعتدال والتدين السمح والإيجابي، هو بالممارسة العملية في الحياة الاجتماعية.

- في الأثناء، قرأت عشر تغريدات على "تويتر" للشيخ العريفي، يوصي فيها بطيب المعشر مع النصارى والإحسان إليهم في ما يحتاجونه، لكنه يحرّم تهنئتهم بأعيادهم. وحتى المعاملة الحسنة يربطها بهدف جذبهم إلى الدين الحنيف؛ أي ليست كمبدأ قائم بذاته على أساس الأخوة في الإنسانية والوطن واحترام التعدد والتنوع في الأفكار والمعتقدات. وهذه هي الأرضية الأساس التي توصل في نهاياتها إلى التكفير ثم العنف والإرهاب. والعريفي يأتي إلى عمان فيجد الآلاف في انتظاره لسماع محاضراته بما فيها الجامعات.

إن أساس مكافحة التطرف والإرهاب هو في ثقافة التعدد والانفتاح وقبول التنوع بوصفه حقيقة الحياة والعالم. إن الله لو شاء لجعل العالم أمة واحدة ولغة واحدة ودينا واحدا. وقد يوافقك سلفيون متشددون على هذا في مناظرات عامة، لكنهم في الممارسة يغذون ثقافة الكراهية ونبذ الآخر واحتقاره.

- قال وزير التربية والتعليم إن الوزارة تشرف على ما يناهز ربع سكان المملكة؛ هم مجموع الطلبة والمعلمين والإداريين. وهي الأوسع مسؤولية عن مواجهة التطرف والتكفير. وفي الأثناء، قال لي نائب إنه أراد تصوير صف مدرسة ابتدائية للبنات في دائرته الانتخابية لبيان مدى اكتظاظ الصفوف، فمنعته المعلمة وتوجهت إلى الطالبات في الصف الخامس الابتدائي تسألهن: ماذا قلنا لكن عن التصوير؟ فرددن بصوت واحد "التصوير حرام"! طبعا، هذا الرأي ليس موجودا في المناهج، لكنه يلقن مع أمور أخرى كثيرة للصغار. فأي جهد يجب أن يبذل على المعلمين في المدارس الخاصة والعامة والمشرفين لتنقية فكرهم من هذه الظلامية، وتحويلهم إلى رؤية معتدلة ومنفتحة في شؤون الدين والدنيا، وفي أصول التربية والتعليم. فقبل الطلبة، نحتاج حملة شاملة ليس لإجبار المعلمين على قناعات مختلفة، ولكن على الأقل لضمان التزامهم الصارم بعدم تلقين رؤيتهم الخاصة للطلبة، بل توجيه الطلبة وفق المبادئ الأساسية للتربية الحديثة التي تمنع تلقين معتقدات مسبقة وجاهزة، وإنما تنمية عقل الطلبة وتدريبهم على مهارات التفكير والاطلاع وهضم المعلومات المقدمة بموضوعية وحيادية من دون انحياز مسبق. هذا واجب المعلم، وإلا فإنه يكون جنديا مجندا لخدمة أجندة معينة غير الأجندة الوطنية العامة التي تمثل خط الوزارة.

- أخيرا، تعددت الآراء والاجتهادات بشأن جذور التطرف والإرهاب. والبعض يحبذ إعادتها إلى الظروف الاقتصادية والفقر والبطالة. وشهدنا سجالات كثيرة وتحليلات شتى. وللحقيقة، ففي كل منها وجاهة ما. وبالاستخلاص الأخير، هناك سياق تغذى على عوامل متعددة وبدرجات متفاوتة، أضيف لها شيئا اسمه الفشل؛ الفشل المتكرر مع الأهداف الكبرى، ابتداء بالمشروع القومي الوحدي وانتهاء بالدولة الوطنية القائمة على الديمقراطية والتنمية والازدهار.

وعام مقبل أفضل إن شاء الله.

(نقلاً عن الغد الأردنية)