موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ فبراير / شباط ٢٠٢٠
مقابلة مع البطريرك الكلداني لويس ساكو: التحدي الحقيقي هو مستقبلنا
أجرى الإعلامي دانيلي روكو، من "خدمة الإعلام الديني" (SIR)، التابعة لمجلس الأساقفة الكاثوليك في إيطاليا، مقابلة مع البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، وذلك بعد الاجتماع الذي عقد مع البابا فرنسيس، يوم الجمعة 7 شباط 2020، مع البطاركة الشرق الكاثوليك الآخرين في لبنان والعراق وسوريا ومصر.
البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو خلال احتفاله بخميس الأسرار (efimages)

البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو خلال احتفاله بخميس الأسرار (efimages)

ترجمها إلى العربية المطران روبرت جرجيس :

 

يتحدّث البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، لوكالة "سير" الكاثوليكية، بأن اللقاء الأخير مع البابا فرنسيس "كان ضروريًا". ويوضّح بأن "الأجواء كانت أخوية وصريحة جدًا. لقد عرضنا أمام قداسته، تحديات كنائسنا وبلداننا، وأخبرناه عن حياة المسيحيين. وكم نحن بحاجة إلى دعم البابا لوضع حدود لكل المعاناة التي نعيشها!".

 

ويضيف: "لقد أصبحنا أقلية عددية صغيرة، ومستقبلنا مهدد. لقد شعرنا بقُرب (البابا) بالكامل، وقد قال مرارًا وتكرارًا إنه بطريرك أيضًا، هو بطريرك روما، وهو معنا، مع الكنائس الشرقية التي تعيش في بلدان ذات أغلبية مسلمة". ويصف هذا اللقاء بأنه "ثبتنا بالإيمان، وأعطانا قوة وأملًا جديدًا".

 

وسيكون الكاردينال ساكو حاضرًا في مدينة باري الإيطالية للمشاركة في الاجتماع الذي ينظمه مجلس الأساقفة الكاثوليك في إيطاليا، بعنوان: "البحر المتوسط، حدود السلام" (من 19 وحتى 23 شباط الحالي). وفي هذه المناسبة، يشرح غبطته قائلاً: "سوف أتحدث عن تحديات كنائسنا، وبكل ما يتعلق بمستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط".

 

وفي المقابلة، يشدد البطريرك الكلداني على ضرورة ولادة الدولة المدنية، والتي يصفها بأنها "الحل لأزمات دول الشرق الأوسط"، والتي ستنهي معها "ظاهرة  الطائفية". ويوضح بأن "الأمل في إمكانية مجيء البابا إلى العراق، لربما في الخريف. فالشعب العراقي ينتظره بشوق، لأن حضوره فيما بيننا هو علامة ملموسة لقربه من جميع بلدان الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي تميزت بالحروب والتوترات، كما في العراق و سوريا وإيران".

 

وفيما يلي نص المقابلة كاملة:

 

صاحب النيافة، هل هناك تحدي، يشمل كل شيء، ويوحدّ كنائس الشرق الأوسط؟

 

التحدي الذي يشمل كل كنائسنا هو تحدي المُستقبل الخاص بنا. التحدي الحقيقي هو كيفية الحفاظ على مؤمنينا في بلدانهم، على الرغم من الصعوبات الخطيرة المرتبطة بعدم الاستقرار، وانعدام الأمان الاجتماعي والاقتصادي والحروب. فإننا العراق كما في سوريا، نحسب يوميًا، الموتى والجرحى. فكيف يمكن العيش في سياق الخوف هذا؟ فالمسيحيون، مثلهم مثل أي شخص آخر، يبحثون عن الاستقرار واليقين لمستقبل أطفالهم وعائلاتهم. التحدي هو مساعدتهم على البقاء.

 

في هذا الصدد: هناك انتقادات موجهة إلى بطاركة الكنائس الشرقية من كونهم يتواطئون مع الأنظمة الديكتاتورية في بلدانهم، سوريا، العراق، لبنان، مصر، فقط من أجل الشهرة. كيف ترد؟

 

بخصوص العراق، فقد تغيرت الأمور كثيرًا. فإننا نعبّر عن أفكارنا بشكل علني، من خلال وسائل الإعلام. ولكن يجب القول، إنه من المناسب معرفة عقلية ووضع مختلف البلدان. فالمسيحيون يبحثون عن الأمن والاستقرار غير الموجودين حاليًا. الخوف هو تغيير النظام والسقوط بين أيدي نظام أسوأ. نحن في العراق نعرف شيئًا: أن النظام قد سقط في عام 2003 ومنذ 17 عامًا لم يتطور شيء. فإننا يوميًا نختبر الفوضى بشكل مباشر. لذا فوجود شخص ما، حتى لو كان ديكتاتورًا، لكنه يُحافظ على الجانب الأمني والاستقرار، فهو شر أقل. فقد كان المسيحيون في سوريا حوالي 20٪ واليوم تناقص العدد كثيرًا، لربما إلى 6٪، إنها خسارة كبيرة. فإن التغيير يُصبح مؤلمًا لو كان فقط من أجل التغيير. لأنه يجب علينا أولاً توعية الناس بالديمقراطية، والحرية، وليس بالشعارات.

 

ساحة التحرير، وسط بغداد

 

هناك بذور للصحوة الديمقراطية في العراق، وكذلك في لبنان، في الساحات المليئة بالناس، من كل عقيدة وإثنية وإيمان سياسي، تطالب بالحقوق والخدمات والعدالة ونهاية الفساد. لقد كنتم في ميدان التحرير ببغداد، المركز الحساس للاحتجاج، حيث تمّ استقبالكم بحماس كبير.

 

أتذكر ذلك السبت الذي ذهبت مع الأساقفة المعاونين إلى الساحة. فقد تلقينا ترحيبًا كبيرًا من قبل المتظاهرين. جاء المئات من الناس لإلقاء التحية علينا. فلم يذهب أي مرجعية دينية لتفقدهم. فقد كانوا يقولون لي: "بطريرك الجميع". فمتطلبات المتظاهرين شرعية عادلة ومقبولة. كيف لا يمكننا مشاركة طلبات تدعو إلى العدالة والخير العام والمواطنة و"نريد وطن"؟ اليوم كل شيء طائفي، ومفهوم الوطن غير موجود، وكل شيء منقسم، مجزأ، بما في ذلك الولاء. لقد أدركت وجود المسيح في رغبة متظاهرين في مطالبتهم بالأخوة والعدالة  والكرامة والخير.

 

لقد تحدثت عن لاهوت التحرير…

 

من واجب الكنيسة قراءة علامات الأزمنة، كما في أمريكا اللاتينية. شبابنا وشاباتنا يضحون بدمهم من أجل قضية السلام والعدالة والكرامة الإنسانية والحرية. لغاية اليوم بلغ عدد القتلى 600 والجرحى 25 ألف جريح. يجب أن تكون الكنيسة حاضرة في هذه الحقيقة لكي تهب كلمة رجاء. ليس علينا أن نبقى خارجًا في هذا. لقد طلبت مرارًا من السلطات العراقية الاستماع إلى طلبات المتظاهرين في الساحات لأنهم أبناؤهم وبناتهم، وهم مستقبل العراق.

 

هناك دعوة دائمة لولادة دولة علمانية: هل تعتقد أن الوقت قد حان؟

 

الحل لأزمات دول الشرق الأوسط هي الدولة المدنية، فالدولة المدنية يعني نهاية الطائفية. يجب أن أقول: إنني غالبًا ما أنتقد من قبل لأنني أتحدث بالسياسة. لكن الموضوع بالنسبة لي هو مناسبة لتنشئة الضمير. فالمسلمون أنفسهم يريدون سماع شيء مختلف عما يسمعونه عادة. في الوقت الذي يهدف فيه الإسلام السياسي إلى تأسيس دولة ثيوقراطية، لكنه لا يمكنه النجاح، لأننا لسنا في القرون الوسطى، فللدين والدولة مجالان مُميزان. فللدين مبادئ ثابتة، وللسياسة مصالح متحركة، والتي غالبًا ما تكون وللأسف شخصية وفئوية. في حين أني أتحدث عن دولة مدنية، قائمة على المواطنة، هدفها التكامل وخدمة جميع مكوناتها دون أي تمييز. حتى المرجعية الشيعية، اليوم، بدأت تتحدث عن دولة مدنية. المفهوم واضح وهو: الفصل بين الدولة والدين مع احترام القيم الروحية والأخلاقية. وأنا لا أتحدث عن المسيحيين فقط، ولكن عن كل العراقيين. الأسقف، الكاهن، ليس فقط للقطيع وانما هو للجميع. يجب تقديم المساعدة والدعم للجميع دون تمييز. هذه شهادة عظيمة.

 

جانب من اعمال سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط في الفاتيكان، تشرين الأول 2010

 

ما مدى أهمية، وثيقة الأخوة الإنسانية لأبو ظبي في عملية التجديد هذه، التي تتمنوها من أجل دولة مدنية؟

 

أود أن أسميها وثيقة أساسية، قد تغيّر العلاقات فينفتح المسيحيون والمسلمون على بعضهم من أجل مجتمع أفضل وعيش مشترك متناغم. لم نتوقع أبدًا، رؤية قداسة البابا وهو يحتفل بالذبيحة الإلهية في شبه الجزيرة العربية. ولأول مرة، استطاع المسلمون رؤية المسيحيين وهم يصلون باحترام والاستماع إلى نصوص القداس. فرؤية الآخر ومعرفته تغيّر النظرة والتعامل.

 

يكثر الحديث عن المواطنة والمدنية، وحتى في الإرشاد اللاحق لمجمع "الكنيسة في الشرق الأوسط" للبابا بندكتس السادس عشر. بعد 10 سنوات من سينودس الشرق الأوسط، ماذا تبقى من هذه الوثيقة؟

 

أتذكر أنه خلال الزيارة للاعتاب الرسولية (Ad Limina)، قدمت طلبًا بنفسي للبابا بندكتس من أجل سينودس. ولد هذا الطلب من الوعي بأننا كنائس صغيرة نحتاج  للعمل معًا لمواصلة مستقبلنا. وبالفعل تمّ الاحتفال بالسينودس في شهر تشرين الأول من العام 2010. لحقتها مشاكل مرتبطة بالقاعدة، ولادة داعش، وتفجير الكنائس. يكفي أن نذكر ما حدث في 31 تشرين الأول ببغداد، أي بعد أيام قليلة فقط من نهاية السينودس، حيث فجرت كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك وتوفي أكثر من 50 شخصًا على أيدي الإرهابيين. ولم يترجم على أرض الواقع، السينودس في الشرق الأوسط، في كنائسنا. إنني مقتنع، اليوم مثل البارحة، بأن كنائسنا الشرقية يجب أن تعمل معًا. هناك كنائس صغيرة وأخرى كبيرة، مع إمكانيات أكثر أو أقل، ويخطر ببالي: إنشاء مدارس ومستشفيات وسكن للأشدّ حاجة لمساعدة الناس على البقاء والتواصل. يجب أن نوحّد القوى والمهارات إن كنا نطمح بمستقبل لكنائسنا.

 

في البداية يجب حلّ التنافسات الداخلية بين الكنائس…

 

يوجد داخل الكنائس ارتباط قوي بالهوية القومية التي لا تتوافق مع مسار الكنيسة. فعلى سبيل المثال، نتحدث عن "المارونية" و"الكلدانية"، في حين أن انتماءنا هو إلى الكنيسة الجامعة ورسالتها الشاملة. ففي الكنائس الشرقية، فقدنا البعد التبشيري مع ظهور الإسلام.. فالقومية يجب ألا تجعلنا ككنيسة منغلقة على ذاتها بتطرف.

 

سوف تكونون في باري لحضور الاجتماع الذي ينظمه مجلس الأساقفة الكاثوليك في إيطاليا، بعنوان "البحر المتوسط، حدود السلام". هي لحظة لقاء بين الكنائس، لربما تعرف بعضها بعضًا قليلاً وتتحدث مع بعضها البعض أقل. ماذا تنتظرون من هذا الحدث الذي سيشارك فيه 58 من الأساقفة والبطاركة الكاثوليك القادمين من البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط؟

 

أتمنى أن يكون الكلام بوضوح عن التحديات، لا فقط بالنسبة للمسيحيين بل أيضًا لشعوب هذه البلدان. يجب إزالة جميع الحواجز فيما بيننا. الهجرة تُعدّ تحدٍّ كبير يُفقر حتى ثقافيًا هذه البلدان التي تعاني من خسارة لشخصيات لامعة. كما أن الهجرة تضعنا على المحك مع تحديات أخرى، وهي أولاّ استقبال اللاجئين ومن ثم الاندماج في المجتمع، فأولئك اللاجئين الذين يصلون، لا يمكن تركهم بمفردهم حائرين في مواجهة مصيرهم. فنحن ككنائس شرقية، نحاول مساعدة مؤمنينا في الشتات، ضامنين لهم أيضًا رعاية روحية. لكن دراسة راعوية مناسبة تبقي تقاليدهم وهويتهم الكنسية على قيد الحياة، وبنفس الوقت، تراعي البلد الذي يعيشون فيه، كونها بلدان ذات عقلية وثقافة وتقليد ولغة مختلفة. فإرث إيماننا الشرقي يمكن أن يكون نموذجًا للغرب العلماني، لمراجعة ذاته. نحن بالآمنا وأمانتنا وشهدائنا للكنيسة الجامعة. فمسيحيو الغرب قد يحفزهم مسيحيو الشرق، الذين دفعوا ثمنًا غاليًا للحفاظ على إيمانهم بالمسيح. هناك حاجة للتحدث بهذا الخصوص.

 

لربما بلغة جديدة ومختلفة؟

 

يجب البحث عن مفردات مشتركة جديدة للحديث عن الإيمان. كانطلاقة جديدة من الكتاب المقدس، من اللاهوت الكتابي، ولكن باستخدام لغة مُتجسدة في الحياة اليومية ومفهومة أكثر. كما أن رسالتنا تتشخص أيضًا في الحديث بلغة مناسبة عن الإيمان المسيحي للمسلمين، كواجب، والذي لا يمكن البلوغ إليه باستخدام اللغة الكلاسيكية، الفلسفية، الميتافيزيقية التي تُعدّ ألغازًا بالنسبة للكثيرين. كما يجب اللجوء إلى الشباب ووسائل الإعلام الاجتماعية، كونها وسائل رائعة للقيام بذلك، حيث يجب الحديث معهم عن الحياة والإخوة والاحترام والنضوج الإنساني والروحي والعناية بالخليقة. في الوقت الذي يُعلمنا ربنا يسوع المسيح: "أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل بكل كلمة منه"، لذا فلنُسمع هذه الكلمة. ويقدم لنا البابا مثالاً رائعًا، فهو يفهم الإنسان ويعرف كيف يتحدث إلى قلبه.

 

لا يمكن إنكار الخلاف الذي يدور حول شخصية البابا، والذي يخلق انقسامات واستقطابات بين المؤمنين أنفسهم. ما هو السبب حسب رأيكم؟

 

يُعدّ البابا فرنسيس شخصية غير عادية حتى بالنسبة للمسلمين، فهو محترم للغاية، والجميع يتحدثون عنه. أما بالنسبة لنا نحن المسيحيين فهو "نعمة". ولكننا نعلم، أن لا يوجد أحد كامل والناس لا تقتنع بأحد أبدًا، وتنتقد الجميع، فقد انتقدوا يسوع. أنا واثق أن الخير هو الذي سيبقى وسينكشف وبالتالي وستنتهي الثرثرة.