موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٨ يوليو / تموز ٢٠١٣
مقابلة مع الأب رفيق جريش حول الأحداث الأخيرة التي تمت في مصر

القاهرة - زينيت :

لا نعرف ما سيجري في مصر، ولكننا بالتأكيد على مفترق طرق هام. وكأننا بصدد الفصل الثاني من الربيع العربي، ثورة الحريات ورفض الديكتاتوريات. أثرت فينا كثيرًا مشاهد الشعب المصري الذي اجتاح الطرقات مطالبًا برحيل الرئيس محمد مرسي، وقد اعتبر البعض أنها "أكبر المظاهرات في تاريخ مصر".

لقد شئنا أن نقدم لقرائنا الأحباء بعض التفاصيل والتحاليل من أرض الواقع، من قِبل شخصية مؤهلة لتقديم رؤية من الواقع الملموس نظرًا لمعايشته الواقع المصري والكنسي في مصر منذ عقود.

ننقل إليكم هذه المقابلة مع الأب رفيق جريش كاهن رعية القديس كيرلس للروم الكاثوليك بمصر الجديدة ومدير المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية بمصر ورئيس مجلس ادارة جريدة حامل الرسالة.

* * *

- إذا ما تصفحنا الصحف وآراء رجال السياسة العرب والأجانب، نرى آراءً متضاربة حول ما جرى في هذه الأيام في مصر. ويصعب التوصل إلى فكرة واضحة عما يجري. ما هي قراءتكم كمصري وكرجل كنيسة؟

الأب رفيق جريش ـ فعلاً هناك آراء كثيرة ومتضاربة خاصة من تجاه الغرب، فالذي جرى في مصر ليس انقلاباً عسكرياً على الرئيس لأن الانقلاب بمعناه السياسي هو انقلاب أفراد من الجيش على الرئيس أو الملك أو الحكومة وربما تأخذ شرعيته باستجابة الشعب لهذا الانقلاب، كما حدث في 23 يوليو 1952 في مصر عندما قامت حركة الضباط الأحرار بالانقلاب على الملك فاروق وعزله وقد لقى هذا تأييداً من جموع الشعب فكانت ثورة 1952 .

أما ما حدث في 30 يونيو 2013 فهو ثورة شعبية عارمة اجتاحت كافة محافظات مصر خرج فيها 33 مليون مصري رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً يعبرون عن سخطهم ورفضهم لحكم الاخوان المسلمين الذي سلب البلاد طيلة عام الكثير من مواردها ومدخراتها ونضوب القطاع السياحي واضعاف البنية التحتية للبلاد وتأجيج الفتن الطائفية من وقت لآخر، فقد رآى الشعب رئيسه الذي يحرض على الحرب الاهلية والذي افرج عن مجموعة من الارهابيين وسمح بدخول البعض الآخر الى البلاد وقتل في عهده العديد من رجال الجيش والشرطة وتفجيرات متعددة لأنابيب النفط وتدهور الحالة الامنية وانهيار كبير للاقتصاد المصري وتدني قيمة الجنيه المصري لأدنى مستوياته أمام العملات الاجنبية مما تسبب في اختلال النقد الاجنبي للبنك المركزي وهبوطه من 33 مليار في يناير 2011 الى 10 مليار وازدياد الديون الخارجية وتوتر العلاقات الخارجية مع كثير من الدول العربية والاجنبية والأفريقية.

هذا الاستنفار الشعبي وموجات المد الجماهيري الغاضبة لم يجد الجيش أمامه سوى تلبية نداء الحفاظ على الوطن والأمن القومي له والوقوف صفاً واحداً شعباً وجيشاً وشرطة.

- ما هي أهم الصعوبات التي عاناها الكاثوليك في فترة رئاسة مرسي؟

ـ لقد عانى المسيحيون المصريون مع بقية الشعب المصري المسلم المعتدل الوسطي من جراء هذا الحكم الظالم المستبد وازدياد نسب الفقر والبطالة، وقد استقبل الرئيس المعزول عدة مرات الرؤساء الدينيين المسيحيين والتقط الصور التذكارية في عدة مناسبات دينية الاسلامية ووطنية ولكن لم يتحقق أي شئ لصالحهم من قانون الاحوال الشخصية للمسلمين وقانون دور العبادة بل ازداد التمييز والاقصاء وسمح بالتوتر الطائفي الذي بلغ اقصاه بحرق وهدم الكنائس والتهجير القصري للعائلات المسيحية وخطف البنات واجبارهن على ترك الدين المسيحي وتكلل هذا بالهجوم على مشيخة الأزهر من قبل رجالهم وعلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.

أما الكاثوليك فقد تم تضييق الخناق على المدارس الكاثوليكية وتغيير مناهجها التعليمية لتتأسلم اكثر مع وضع تاريخ الاخوان المسلمين في المناهج كذلك الجمعيات الخيرية والتنموية مثل كاريتاس وجمعية الصعيد وغيرها فقد قامت الحكومة بتجميد المساعدات المرسلة من الهيئات الكاثوليكية في الخارج والتي تقدر بمبالغ كبيرة كانت تقدم الى الفقراء بدون تمييز، كما تعرضت العديد من الراهبات للاعتداءات في الشوارع من قبل المتشددين كحادثة الاعتداء على احدى راهبات مدرسة القديس يوسف الكاثوليكية بمصر الجديدة على يد هؤلاء الاصوليين.

هل من تخوفات مسيحية من المرحلة الإنتقالية؟

ـ نعم هناك تخوفات أساسها أن تدخل البلاد في دوامة من الصراعات بسبب التيار الديني المتشدد ويعطي عدم استقرار للشعب المصري وخاصة المسيحيين ولكن علي المسيحيين ان يدافعوا عن حقوقهم كمواطنين متساويين في الحق والواجبات كما عليهم المساهمة في اعادة بناء الوطن فكلنا أمل ورجاء أن يعم الاستقرار ويأخذ كل واحد حقه في العيش والحرية والكرامة الانسانية بدون تمييز بين مسلم ومسيحي بين رجل وامرأة وبين طقبة وأخرى.

تلوح بعض التيارات الإسلامية المؤيدة لمرسي بتظاهرات حاشدة مؤيدة لعودته. هل تتوقعون اشتعال أجيج فتنة شعبية؟

ـ فعلاً هناك من التيارات الاسلامية خاصة من الاخوان المسلمين والميليشيات التابعة لهم ما يهدد الامن العام وتعكر صفو المجتمع كما كما جرى يوم الجمعة 5 يوليو 2013 في الكثير من المناطق في محافظة القاهرة ومحافظات أخرى الغربية والدقهلية والشرقية والمنوفية وحافظات الصعيد، ولكن هؤلاء القلة أمام الشعب بأكمله يقدر ب85% من جموع الشعب مع الجيش والشرطة والقضاء والاعلام باطفاء أي فتن قد تتأجج.

نسمع الكلام كثيرًا عن "الربيع العربي" ولكن أيضًا عن "الخريف العربي". ماذا ينقص الأول لكي يكون مناخه ثابتًا ومزهرًا؟

- الربيع العربي ينقصه الحرية الحقيقية للمواطن كي يكون قادراً بشكل كامل على التعبير عن آرائه وافكاره وانتمائاته السياسية والدينية، كما تنقصه الديموقراطية الحقيقية التي لا تقصي أحداً بسبب دينه أو عرقه أو جنسه، كذلك الثقة بالنفس والعمل الدؤوب وووضع الخطط التنموية اللازمة للنهوض بمستقبل البلدان العربية وخصوصاً الفقراء والمحتاجين ومرحباً بالاسلام السياسي في الاطار الديموقراطي والمدنية الحديثة بدون استعمالهم أساليب العنف بكل أشكاله اللفظي والبدني والمعنوي.

ماذا تتمنون في العهد الانتخابي الآتي؟

ـ نتمنى أن لا يتقوقع المسيحيون داخل كنائسهم وينخرطوا أكثر وأكثر في العمل الاجتماعي والسياسي وينفتحوا على الجميع كخميرة في العجين ويشاركوا في جميع الانتخابات والاستفتاءات ويعبرون عن رأيهم بكل حرية. وأن تتوحد الكنائس أكثر وأكثر وتمتد الحوارات المسكونية فلا تكون ظروف الضغط والمعاناه هي الأجواء الوحيدة التي يتسارع فيها المسيحيون للوحدة بل تكون هناك حياة مشتركة دائمة بينهم.