موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
معًا... لنحقق السلام

بيروت - الأب د. نجيب بعقليني :

تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة كعادتها باليوم العالميّ للسّلام، وذلك في اليوم الأوّل من شهر كانون الثاني. وللمناسبة أصدر البابا فرنسيس رسالة بعنوان "اللاعنف: أسلوب سياسة من أجل السّلام".

هذا العام يصادف مرور خمسين سنة على المبادرة بالاحتفال باليوم العالميّ للسّلام، تلك التي أطلقها البابا بولس السادس.

منذ خلق البشريّة يتوق الإنسان إلى السّلام الحقيقي، القائم على العدالة والحقّ والحقيقة. بالرغم من ذلك، شهد تاريخ الكون، أفعال وأعمال مناهضة لمفهوم السلام ومبادئه التي تقوم على احترام الإنسان وحقوقه، وصون كرامته وحريّته.

تحدّث ونادى وناضل الكثير، من أجل تحقيق السّلام بين الناس، وحتى بين الإنسان والبيئة. لكن، يبقى السّلام في عالمنا، في حالة متأرجحة، على حافة الخطر والزوال، وذلك في عدّة مناطق من العالم، لا سيّما في كلّ من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. فالسّلام مهدّد والشعوب في حالة حروب مختلفة الأوجه والأهداف.

يقول المجمع الفاتيكانيّ الثاني عن السّلام "إنّه ثمرة نظام رسمه المؤسّس الإلهيّ في المجتمع الإنسانيّ، ويجب أن يتحقّق بواسطة أُناس، لا ينفكّون يتوقون إلى عدلٍ أكمل". نُظّمت مؤتمرات، وأُبرمت معاهدات، وتمّ توقيع اتّفاقيّاتكما أُلقيت كلمات وتصاريح، صبّتجميعها في تحقيق السلام في العالم، ومن أجل العالم بأسره. ولكن، يبقى عالمنا في حالة من الخطر والإرهاب والحروب، والاقتتال، والعنف والدّمار، والخوف والصراعات، والتشرذم. أين نحن من الأخوّة، والمساواة والعدالة، والمسامحة، و...؟ إنّ مستوى فكر الإنسان وثقافتهوتصرفاته، يحدّد تفاعله مع فكرة السّلام، وذلك بطريقة إيجابيّة أو سلبيّة. يُطلب منّا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، العمل على التربية على السلام، ضمن العائلة والمدرسة، ومساحات العمل المهنيّ، ومع جميع أفراد المجتمع، من أجل إنقاذ حياة البشر، والمحافظة على أسمى خليقة الله، أي الإنسان وسائر خلائقه.

التربية على السّلام تنطلق أوّلاً وأخيرًا، من العدالة والمساواة ونبذ الكراهية والحقد والكيديّة والتصدّي للعنف والتوقّف عن التسلّط وإلغاء الآخر والتمييز العنصري والانتقام. التربية على السّلام، لا تقوم فقط على الكلام والشعائر والعناوين، بل بالنوايا الحسنة، والإرادة الصالحة، والأفعال المرئيّة، والأعمال الجيّدة والمبادرات الإنسانيّة، كما على الوعي والثقافة وتربية الضمائر والسّعي الدائم ببذل الجهود لخلق مناخ مؤاتٍ لتحقيق السّلام. التربية على السّلام، لا تُبنى على التسويات والصفقات والفساد والكذب والاحتيال و"التشاطر" والأنانيّة، والتفرّد، واللامبالاة والإنزوائيّة و...، بل على الصراحة والمشاركة وقبول الآخر، والتعاضد والتعاون، ولا سيّما على الغفران والمسامحة والأخوّة والعلاقات الزوجيّة والاجتماعيّة الناجحة.

تعالوا معًا، نبني السّلام، متسلّحين بالإيمان والرجاء والمحبّة، وبالقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة.

تعالوا معًا، نربي أجيالنا على الرأفة والحنان والعطف والحبّ والتصدّي للعنف الأُسريّ والامتناع عن تهميش الضعفاء والفقراء والمحرومين، كما الحدّ من التحقير والإذلال والازدراء.

تعالوا معًا، نعود إلى تعاليم الله الآب وسلام الربّ يسوع "السّلام استودعكم، سلامي أعطيكم، لا كما العالم يعطي، أعطيكم أنا" (يو 14: 27). المسيح هو "أمير السّلام" (أشعيا 9: 5) فهو يصالحنا مع الله ومع أخينا الإنسان ومع ذاتنا (السّلام الداخليّ). فبرحمته وبغفرانه، يزرع في قلب الإنسان السّلام، فهكذا يتقاسمه مع العائلة والمجتمع. "طوبى للجياع والعطاش إلى العدالة لأنّهم يشبعون" (متى 5: 6). نعم، السّلام عطيّة منالله، ولكن علينا المحافظة عليه من خلال البناء الجدّي والواعي والمسؤول. علينا أن نبنيّ السّلام، كلّ يوم، في العائلة والمجتمع، والوطن وبين الشعوب بأسرها. "طوبى لفاعلي السّلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متى 5: 9). فلنكن شهودًا للحقيقة والعدالة والسّلام "عيشوا بالسّلام، وإله المحبّة والسّلام سيكون معكم" (2كو 13: 11).

تعالوا معًا، لنتصالح مع الله والبيئة ومع الإنسان ("إنسانيّتنا").

تعالوا معًا، لنربّي أنفسنا على العدل والحقّ والحقيقة والمشاركة.

تعالوا معًا، إلى الرّحمة والاتّكال على الحوار (بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجيّة)، والإصغاء والمرافقة، والعمل على إدماج الشباب والثقة بهم وخلق فرص عملٍ، وإيجاد حلول للقضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والسياسيّة، وتوزيع خيرات الأرض بالتساوي.

تعالوا معًا، لإنقاذ حياتنا، من خلال توبةٍ صادقة، بتغيير حقيقيّ لنظرتنا تجاه الحياة ومسلكنا، ممتلئين حكمةً وتواضعًا، ومحبّةً وإيمانًا وإنسانيّةً "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السّلام وبالناس المسرّة" (لو 2: 13-14). بالرغم من الخوف والتشاؤم والشرّ، علينا أن نعمل بجهدٍ ورجاء، لتحقيق السّلام، طالبين من الله، أن يعطينا السّلام: السّلام بين البشر، والسّلام الداخليّ والأهم سلام القلب.