موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٥ مايو / أيار ٢٠١٩
معركة الاستقلال الجديدة

د. باسم الطويسي :

ازدادت حساسية الأردنيين نحو التحولات الإقليمية وما يرتبط بها من مشاريع دولية وفي المقدمة ما يشاع حول ” صفقة القرن ” ما يجعل معنى الاستقلال اليوم للأردنيين حتما مختلفا، فلطالما واجهت الدولة الاردنية تحديات كبرى ، لكن تحديات اليوم المرتبطة بمرحلة تصفية الصراعات التاريخية وإعادة تشكيل المنطقة من جديد تجعل الدولة ليست أمام استحقاق الدفاع عن الاستقلال وحسب بل خوض معركة استقلال جديدة.

قبل 73 عاما حصل الأردن على قرار يعترف به دولة مستقلة مع اتفاقية تحد من القدرات الدفاعية والسياسية انتهت بعد نحو 10 سنوات ، صحيح أن الأردن خاض نضالا سياسيا من أجل الاستقلال اكثر من حروب الاستقلال التقليدية، ومع هذا بقي طوال سبعة عقود يخوض هذا النضال السياسي دون توقف حفاظا على الاستقلال وفي مواجهة مشاريع الالحاق والتصفية وإعادة تشكيل المنطقة.

لقد شكلت الجغرافيا والديمغرافيا مساحات رمادية غامضة في فهم الدولة الأردنية ، بين النعمة والنقمة وبين الهشاشة والقوة وبين المطلوب والمفروض ، ولم يمر عقد من العقود السبعة الا واجه الأردن لحظات تاريخية حرجة على شكل مشروع جديد للتصفية أو الالحاق أو إعادة التشكيل كانت تلك المشاريع تتدفق اما على شكل حروب للتحريك والابتزاز أو مشاريع سياسية مصحوبة بحصارات اقتصادية وبموجات من الوعيد والتهديد ، وربما بصدمات سياسية واستراتيجية كما حدث في اوسلو في مطلع التسعينيات.

كان الرهان على أن ضربات المطرقة على هشاشة الجغرافيا والديمغرافيا والموارد سوف تكسر الإرادة السياسية لهذه الدولة الصغيرة ، وهذا ما لم يحدث بل ان الدولة الصغيرة باتت في أيامها الأخيرة تحول مصادر الهشاشة التقليدية إلى مصادر قوة مرغوبة ومطلوبة دوليا . في الوقت الذي يزداد قلق الناس في هذه البلاد حول ما يحاك في شأن مرحلة تصفية الصراعات التقليدية تزداد قدرة الدولة والمجتمع على خلق توافقات وطنية جامعة تعيد فهم الديمغرافيا من جديد.

خلال العقدين الأخيرين أخذ مسار ازدهار الوطنية الأردنية ينمو ويتشكل، وفق عدد من المؤشرات التي تؤخذ في الحسبان في مسار بناء الدول وازدهارها، وعلى الرغم من كل مكامن الضعف ومصادر التهديد التقليدية وما فوق التقليدية ، وأهم هذه المؤشرات على الاطلاق قدرة الأردنيين على خلق التوافق الوطني في اللحظات الفاصلة، صحيح ان هذه ردود فعل طبيعية في لحظات الشعور بالتهديد أو مواجهة خارجية، وتحدث في الكثير من المجتمعات ، لكن ما يحدث في الأردن مختلف تماما ويؤسس لفهم جديد حول دينميات المجتمع الأردني في مواجهة قصة الهشاشة الديمغرافية وهضم التنوع وإعادة انتاجه، ما قد يضعنا بعد عقود قليلة أو سنوات أمام نموذج تاريخي آخر لفكرة بوتقة الانصهار وإعادة انتاج المجتمعات والهويات.

اختبر التوافق الوطني خلال السنوات العشر الماضية في لحظات صادمة مثل تفجيرات عمان 2005 وفي حادثة الشهيد الطيار معاذ الكساسبة 2014 وفي عمليتي إربد والكرك الإرهابيتين ويختبر اليوم بوضوح في مواجهة تحدي ما يسمى ” صفقة القرن ” ، كل من هذه اللحظات خلقت اجماعا وتوافقا سياسيا واجتماعيا قويا، وكل من هذه اللحظات قد ينظر اليها من زاوية مختلفة من حيث مصادر التهديد ومستواه والمستهدف منه والفاعلين فيه.

الوطنية الأردنية تزدهر وتخلق الالتفاف حول الجيش والأمن في محيط تدمر فيه الجيوش الأوطان وتمزق الأجهزة البوليسية المجتمعات وتحولها الى مذاهب وملل، المفارقة الأردنية تبرز في ان الاحداث هي وحدها التي تدشن هذا النموذج المختلف في مسار بناء الدول الحديثة فيما ما زالت الوطنية الأردنية تعاني من فقر مخجل في الادوار البنائية لمؤسسات التنشئة وفي مقدمتها المؤسسة الثقافية والمؤسسة التعليمية والمؤسسة الإعلامية والمؤسسة الشبابية.

معركة الاستقلال الجديدة ليست مقتصرة على مصادر التهديد الخارجية وما يرتبط بها من مشاريع وتصفية والحاق ، بل ايضا مرتبطة بشكل اساسي باستكمال مسار بناء الدولة الأردنية على حقائق الهوية والجغرافيا والتاريخ.

(الغد الأردنية)