موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٢ مارس / آذار ٢٠١٦
مطرانية اللاتين في الأردن تصلي لراحة نفس راهبات اليمن
عمّان - أبونا ، تصوير: سورين خودانيان :

ترأس المطران مارون لحام، مطران اللاتين في الأردن، قداساً عن راحة نفس راهبات الأم تريزا، اللاتي تم اغتيالهن في دار للعجزة والمسنين في مدينة عدن اليمنية، على يد جماعة مسلحة إرهابية، بمشاركة السفير البابوي المطران ألبيرتو أورتيغا مارتين، والمطران سليم الصايغ، وعدد من الكهنة، وذلك في كنيسة قلب يسوع الأقدس في تلاع العلي.

في بداية القداس ألقى السفير أورتيغا نص برقية التعزية التي أرسلها البابا فرنسيس، حيث عبّر قداسته عن صدمته وحزنه العميق لمقتل راهبات مرسلات المحبة والاثني عشر الآخرين في عدن. ورفع البابا الصلوات باسم الكنيسة من أجل الراقدات الشهداء، معبراً عن قربه الروحي مع الضحايا وكل من تأثر من هذا العمل الشيطاني الذي لا معنى له، داعياً أن يوقظ هذا الحادث الضمائر وأن يقود إلى تغيير القلوب وأن يلهم كل الأطراف إلى نزع الأسلحة والسير في طريق الحوار.

من جانبه، قال المطران لحّام في عظته: "اعتدنا في هذه الكنيسة أن نصلّي لأجل راحة أشخاص تركوا الحياة الأبدية. ونصلّي هذا المساء من أجل شهيدات الإيمان المسيحي اللواتي قُتلن بأبشع الأساليب لا لشيء إلا أنهم مسيحيات يقمن بخدمة عشرات المسنين اليمنيين المسلمين في بيت للعجزة في مدينة عدن، في اليمن الجريح".

وفيما يلي النص الكامل للعظة:

اعتدنا في هذه الكنيسة أن نصلّي لأجل راحة أشخاص تركونا إلى الحياة الأبدية. ونصلّي هذه المساء من أجل شهيدات الإيمان المسيحي اللواتي قُتلن بأبشع الأساليب لا لشيء إلا أنهم مسيحيات يقمن بخدمة عشرات المسنين اليمنيين المسلمين في بيت للعجزة في مدينة عدن، في اليمن الجريح. كنت قبل أسبوع في زيارة لبيت راهبات الأم تريزا في الجاردنز (دار السلام) وكانت هناك راهبة تنوي السفر في صباح اليوم التالي للعمل في اليمن. قلت لها: "ألا تخافين من الوضع المتأزم ومن الإرهاب؟"، فأجابتني بابتسامة لا يقوى عليها إلا الأشخاص المليئين بنعمة الله: "لا أخاف، هذه هي رسالتي". من حسن الحظ أن هذه الراهبة تعمل في بيت غير البيت الذي تعرض للقتل. وللعلم فإن لراهبات الأم تريزا أربع بيوت في اليمن، وكلها بيوت لخدمة أفقر الفقراء. وبعد الحادثة، زرت سفير اليمن في عمان وكلبت منه حماية للبيوت الثلاثة الباقية حيث تخدم راهبات الأم تريزا. أجابني السفير: "لا توجد حكومة في اليمن، قل للراهبات أن يتركن البلد". وعندما قلت ذلك للرئيسة الإقليمية رفضت وقالت: "لن نترك البلد، فنحن نذرنا حياتنا لخدمة أفقر الفقراء".

ماذا نقول للقتلة؟ أقول لهم: هل رأيتم في الراهبات ما يستوجب القتل؟ هل حاولن تبشيرَكم لتغيير دينكم؟ هل نسيتم أنهن أتين من بلادهن لخدمة العجزة اليمنيين الذي لا يهتم بهم أحدٌ غيرَهن؟ أتعلمون أنهن يقمن بذلك فقط من منطلق المحبة المسيحية التي هي أساس إيمانِهن، والتي لا تفرّق بين كبير وصغير، غني وفقير، مسيحي أو مسلم؟ ماذا شعرتم عندما قتلتموهن مع عشرة من المساعدين وبينهم السائق اليمني المسلم مثلكم؟ هل غمضت عيونكم في الليل بعد هذا العمل الوحشي؟ إن نمتم مرتاحين تلك الليلة، فهذه علامة على أن ضميركم ميت، وإن الشعور الإنساني فيكم ميت، وأنكم انحدرتم من مستوى انسان إلى مستوى الوحوش، لا بل أكثر من الوحوش لأن الوحوش لا تقتل إل لتسدَّ جوعها. ما لنا ولكم، نترككم، أنتم والذين تأتمرون بأمرهم لحكم الله العادل.

ونحن ماذا نقول وماذا نعمل؟ نعود إلى الإنجيل المقدس، فهو مصباح لخطانا ونورٌ لسبيلنا. ماذا يقول كتابنا المقدس؟ "ما من حب أعظم من حب من يبذل بنفسه من سبيل أحبائه". ويقول أيضًا: "إن لم تمت حبة الحنطة، تبقى في الأرض، وإن ماتت فإنها تثمر ثمرًا كثيرًا". ويقول ترتليانوس، أحد آباء الكنيسة في شمال أفريقيا: "دم الشهداء بذار المسيحيين".

أرأيتم كم الفرقُ شاسعٌ بين الموقف المسيحي والموقف الإرهابي؟ الموقف المسيحي يتألم ويغضب، لكنه يرفض الحقد والكراهية. الموقف المسيحي يجد قوته في الصلاة. ونحن اليوم نصلّي. نصلي من أجل الراهبات الشهيدات، مع أننا متأكدون أنهن في السماء بقرب الحمل الذبيح والممجد. نصلي من أجل قاتليهن، كي يفتحوا في قلونهم السوداء طاقةً تسمح لنور الله ولنعمة الله أن تدخل وتضع شيئًا من الرحمة ومن العدل ومن محبة الآخر المختلف ثقافةً ودينًا. نصلي من أجل "سر الشر" الموجود في العالم، كما كان يدعوه البابا القديس يوحنا بولس الثاني والذي هو أصل الحروب والعنف والإرهاب الذي يضرب بلادنا العربية ومختلف بلاد العالم. نصلي كي يغسلَ دم الراهبات الشهيدات خطيئة المجرمين القاتلين، نصلي كي يعود العالم المجنون إلى رشده ويضع مخافة الله بين عينيه ويعيد لله مكانه في العالم وفي القوانين وفي العلاقات بين الشعوب والأشخاص. نصلّي كي تكون راهباتنا الشهيدات آخر ضحايا العنف والإرهاب، وكي يعود اليمن كما كان "سعيدًا" وتعود سوريا إلى ما كانت عليه ويعود العراق إلى كبريائه الأول وتعود ليبيا لتصبح دولة قانون. نصلي كي يحفظ الله الأردن من المتآمرين عليه والذين بدأوا يطلّون برؤوسهم ليزرعوا فينا الخوف والرعب. لنصلّ أخيرًا كي ينتصر النور على الظلمة والمحبة على البغض والنعمة على الخطيئة، بشفاعة مريم العذراء أمنا وأم البشر أجمعين، مريم التي حماها الله من الخطيئة وملأها بالنور والنعمة والمحبة.