موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ٤ يوليو / تموز ٢٠١٨
مشكلة الأقليات من وجهين

د. حسان ابوعرقوب :

الأقليّة عبارة عن مجموعة عرقية أو إقليمية أو دينية أو غيرها بحيث يكون لها هوية تميّزها عن غيرها ممّن يفوقها عددًا من بقية السكان. وبناءً على هذا المفهوم، نجد أقلية سنية تعيش في محيط شيعي، أو أقلية شيعية في محيط سني، أو أقلية مسلمة تعيش في وسط مسيحي، أو أقلية مسيحية في وسط مسلم، وهكذا.

وفي حالات عديدة تواجه الأقليات سياسات تمييزية عنصرية، حيث يتمّ استبعادها أو التقليل من وجودها في الحياة السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية المتاحة للأكثرية في تلك البلدان، بحجة أن عددهم قليل، وأن تمثيلهم ينبغي أن يتناسب مع عددهم، فالمشكلة الأولى للأقليات هي التهميش والإقصاء غالبًا، وهذا مخالف لحقوق الإنسان، حيث جاء في المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: (لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات أثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم)هذه وجهة النظر الأولى للأقليات.

أما الوجهة الثانية، فطالما كانت مسألة الأقليات وحقوقهم ورقة ضغط تستعملها الدول في دبلوماسيتها من أجل تحقيق سياساتها ومآربها في أي بلد، حيث تُستغل هذه الأقليات من الجهات الخارجية لزعزعة الأمن والاستقرار في بلد وجود تلك الأقليات، وقد يصل الأمر إلى دعم تلك الأقليات بالمال والسلاح بهدف تغذية النزعة الانفصالية عندها، وحثها على التمرد، والكفاح المسلح، وأخيرًا الانفصال عن الدولة الأم، ولهذا الأمثلةُ الكثيرةُ الحاضرة في الأذهان.

وكم من أبناء الأقليات يستغل كونه من هذه الفئة كي يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو دول أوروبا ويطلب اللجوء فيها، بحجة أنه من الأقليات المضطهدة التي يمارَس عليها التمييز والعنصرية، وهدفه تحسين وضعه المعيشي، دون النظر إلى أنه ربما كان غير صادق في دعواه، وأنه يسيء إلى وطنه بافتراءاته.

فبين الحرمان والاضطهاد، والاستغلال الخارجي والانفصال تدور مشكلة الأقليات غالبًا، وتحاول بعض الدول أنْ تتغلبَ على هذه المشكلة من خلال إيجاد ما يسمى بالتمييز الإيجابي، الذي من خلاله يتم أخذ شؤون الأقليات بالاعتبار من حيث التعليم، أو التوظيف، أو التمثيل، أو المناصب العليا، كي لا تظلّ مهمشة، فتوضع لها الحصص أو ما يُعرف بـ (الكوتا)، وهو ما نصت عليه الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، حيث جاء في المادة (2.2): (تقوم الدول الأطراف، عند اقتضاء الظروف ذلك، باتخاذ التدابير الخاصة والملموسة اللازمة، في الميدان الاجتماعي والميدان الاقتصادي والميدان الثقافي والميادين الأخرى، لتأمين النماء الكافي والحماية الكافية لبعض الجماعات العرقية أو للأفراد المنتمين إليها، علي قصد ضمان تمتعها وتمتعهم التام المتساوي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا يجوز في أية حال أن يترتب علي هذه التدابير، كنتيجة لذلك، إدامة أية حقوق متفاوتة أو مستقلة تختلف باختلاف الجماعات العرقية بعد بلوغ الأهداف التي اتخذت من أجلها).

وهذه المحاولات ليست أمرًا متفقا عليه بين الدول، بل هي محلّ نزاع، ففي بريطانيا –مثلا- يعتبر التمييز الإيجابي أمرًا غير قانوني؛ لأنه مخالف لمبدأ المساواة بين المواطنين، ولكن الدولة تضمن تكافؤ الفرص للجميع دون تمييز.

المهم في مسألة الأقليات أن يتم إدماجهم ضمن الهوية الوطنية الجامعة، مع احترام خصوصياتهم الدينية أو الثقافية؛ ليشعروا بانتمائهم لوطنهم، ومساواتهم مع غيرهم، وتحقيق مبدأ العدالة التي تضمن احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان.

(الدستور)