موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٨ يوليو / تموز ٢٠١٧
مسيحيو العراق.. تشبث بالأصول ومخاوف من استمرار ثقافة داعش

الموصل – العرب اللندنية :

مشهد الكاردينال الفرنسي المونسينيور فيليب بارباران وهو يتلقى مساعدة لتسلق جدار كنيسة الروح القدس في الموصل لوضع تمثال للقديسة مريم، وذلك خلال زيارته المدينة التي هجرها المسيحيون بعد اضطهاد دام ثلاث سنوات في ظل سيطرة الجهاديين، يعبر عن عزم المسيحيين على إعادة الأمور إلى نصابها، لكن المشهد لا يخفي الصعوبات التي تواجههم كما المخاوف التي تعتريهم.

الكاردينال بارباران، أسقف ليون، كان قد زار أربيل عاصمة كردستان العراقية في يوليو وديسمبر 2014، حيث لجأ المسيحيون بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على ثاني مدن العراق. وقال بعد أن وضع التمثال الصغير، "إنه رمز جميل جدًا لصداقة متينة آمل في أنها قدمت شيئًا. لا يمكننا العيش ونحن نشاهد من بعيد معاناة الآخرين أو نعلم بشأنها من الصحف. يجب أن نعيشها معهم".

وفي كنيسة أحرقت محتوياتها شارك حوالي 100 مؤمن في قداس "لعودة الحياة إلى هذا البلد وهذه المدينة وهذه المنطقة" من شمال العراق. وفي الموصل التي "حررت" رسميًا من تنظيم الدولة الإسلامية منذ التاسع من يوليو، سار بارباران على خطى المسيحيين شرق هذه المدينة التي شهدت معارك لأكثر من ثمانية أشهر دفع خلالها المدنيون ثمنًا باهظًا.

وجال الوفد الصغير الذي ضم رجال دين وصحافيين وسط حماية أمنية، متفقدًا بعض كنائس الموصل الـ25 في ما يشبه درب الصليب في نقاط مقفرة ومدمرة تدل على قمع المسيحيين إبان سيطرة الجهاديين. وقال بارباران "لم تعد أكثر من عشر أسر إلى المدينة"، مضيفًا "يجب أن تنتصر الحياة والأمل"، في حين تواجه المدينة حاليًا تحديات هائلة لتحقيق المصالحة وإعادة الإعمار. وأضاف "الأصعب هو أن نتمكن من الغفران. إنه أمر شبه مستحيل، المسيح يدرك ذلك. العظات لا تنفع، يجب أن نعيش الغفران ونصلي لينتشر. الغفران هو السبيل الوحيد إلى الحياة والأمل".

وقال البطريرك لويس روفائيل ساكو، رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق "إن تنظيم الدولة الإسلامية اقتلع الرخام الذي كان يغطي الجدران لبيعه"، ولم يبق من الكنيسة الآشورية سوى جدران مهدمة. وأضاف لويس ساكو "وقعت مجزرة. المجزرة لا تعني فقط قتل أشخاص بل هي محو آثار ثقافة".

وعلى جدران كنيسة البشارة كتب الجهاديون عبارات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" و"الدولة الإسلامية باقية بإذن الله". وتغطي أرض كنيسة القديس بولس الكلدانية أكوام من الحجارة الصغيرة وتمثال صغير مدمر. ولا يزال يظهر على واجهة كاتدرائية القديس أفرام المهيبة للسريان الأرثوذكس رسم لراية ضخمة لتنظيم الدولة الإسلامية. ولم ينج داخل الكنيسة سوى صورة جصية للمسيح على ارتفاع يزيد على عشرة أمتار.

مسيحيو العراق ما زالوا يعبرون عن تخوفهم من القادم المجهول بالنسبة لهم، وأكدوا الحاجة إلى بناء الثقة بين مكونات المجتمع العراقي قبل التفكير في العودة إلى الموصل، حيث ذكرت تقارير صحافية نقلا عن مسيحيين أن "بعض مسيحيي العراق يعودون ببطء إلى المنطقة المحيطة بالموصل أعقاب هزيمة تنظيم داعش"، مؤكدين أن "الأمر سيستغرق بعض الـوقت لإعـادة بنـاء حياتنا، بل ولإعادة بنـاء ثقتنـا مع أولئك الذين خانونا".

وقال البطريرك لويس ساكو الذي زار الموصل في 20 يوليو الماضي إن "الحرب لم تنته بعد مع تنظيم داعش، ولا يوجد استقرار، ولا يزال هناك قتال في الموصل، وقد تضررت المدينة خلال احتلالها لمدة ثلاث سنوات من قبل المتطرفين". وأضاف متسائلا "كيف يمكن للمسيحيين العودة ولا تزال هناك منازل مدمرة"، مؤكدًا أنه "لا توجد خدمات، ولكن الأهم هو السلامة، وعودة المسيحيين تحتاج إلى وقت".

وبيّن أنه "على الرغم من أن القوات العراقية أعلنت انتصارها على مقاتلي داعش في الموصل إلا أن المنطقة لا تزال غير مستقرة، مما يجعل المسيحيين غير متأكدين من مستقبلهم في وطنهم التاريخي". وتابع البطريرك ساكو أنه "يجب إعادة بناء الثقة لأن المسيحيين في هذه المنطقة عانوا الكثير من هذا الاعتداء والعنف اللذين حصلا".

وحذر الأب إيمانويل يوخانا، وهو كاهن عراقي من كنيسة الشرق الآشورية، من أنه "على الرغم من أن داعش قد هزم عسكريًا، إلا أن ذلك لا يعني أن عقليته أو أيديولوجيته أو ثقافته ستنتهي". وأضاف إن "عقلية داعش من حيث القبول أو الاعتراف بالآخر المختلف لا تزال موجودة بين الناس، وعلى الرغم من أننا سعداء بتحرير الموصل، في الواقع، لن يعود أي مسيحي أو إيزيدي إلى الموصل، وأقول هذا بألم".

وأوضح أن "الوقت قد حان للتفكير في أماكن بديلة لإقامة الخدمات العامة والرعاية الصحية والأعمال والاقتصاد في المنطقة، وهذه المدن ربما ستكون في واحدة من مدن سهول نينوى، مثل تلّسقف (بلدة عراقية تقع شمال مدينة الموصل ويسكنها حوالي عشرة آلاف مواطن من الكلدان الكاثوليك ويوجد فيها كنيستان وهما كنيسة مار كوركيس وكنيسة مار يعقوب) لخدمة المسيحيين والإيزيديين والمسلمين".