موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
"مستنير.. ظلامي.. إرهابي" وبالعكس

ناديا هاشم العالول :

محطات عدة تلوح بالأفق فمنها ما يروق لنا.. ومنها ما نرفضه.. كل وذوقه.. وكل وطبعه.. وكل وميوله.. وكل وتربيته.

مسمّيات مختلفة تمر أمامنا كشريط إخباري متلاحق على مدار الساعة. يتداول: «مستنير».. «ظلامي».. «متطرف».. «متشدد «.. «ارهابي».. غالبيتها تندرج تحت مفهوم سلبي عدا «المستنير» وشتان ما بين المستنير»المنوّر»، والظلامي»المعتم»!

فالظلامي المنغلق السابح بعتمة رفض الآخر تراوح صفاته بين متشدد ومتطرف وقد تصل لأقصاه لـ «الأرهابي» غير مدركين مسؤوليتنا كأفراد وجماعات بإنتاج وإعادة تدوير هذه الصفات إلا بعد فوات الأوان.. ببساطة كما نزرع نحصد سلبا او إيجابا!

فشتان ما بين الراضي والمتصلّب.. والمنفتح والمنغلق.. والمعتدل والمتطرف.. والمستنير والظلامي.. علما بأن هذه المتناقضات لا ترتبط بمسيرة معينة دينية او ثقافية.. الخ، كالدين مثلا سواء الإسلامي او البوذي او المسيحي.. الخ بل يمكن ان ترتبط بمَن لا دين لهم..

فالاستنارة تشمل كل الأفراد والجماعات ممن يتمتعون بالإنفتاح والقدرة على التحليل المنطقي النقدي، علاوة على تمتعهم بالمرونة والموضوعية والمنطق، كلها برمتها تجعل الواحد منهم ينتقل بتفكيره بأريحية رابطا الوقائع بوقائع أخرى، منطلقا من تفكير منطقي يعتمد قواعد المنطق، التي يقبلها العقل السليم والتفكير السليم والذوق، حيث لا خلاف على التفكير المنطقي، فهو تفكير مقبول من الجميع تقريباً..

بعكس «الظلامي» صاحب التفكير السطحي، فمن «أصله» لا قدرة له على الغوص بالتفكير العميق حتى لو ملك القدرة على ذلك، فمزاجيته ومصلحته تلغي اي منطق رافضة أي رأي آخر بكل «عِنْد» و»تعنّت «و «تصلّب»..

نعم.. ف «العنيد» المتصلب بالرأي هو «مشروع متطرّف» يقف على اول درجة من سلّم التطرف.. وقد بات بحكم المؤكد ان كل من يعارض التفكير المنطقي لا شك أنه يعاني من خلل في التفكير والعقل يوقعه بدائرة «الظلمات» فيصبح عرضة لأن ينحرف ويعتلي أعلى درجات التطرف المؤدية للإرهاب..

ولعل اندفاع بعض المعتدلين فكريا نحو احضان الإرهاب يشكّل ظاهرة تستحق الدراسة، ينضمون للإرهاب ليثأروا لأنفسهم نتيجة وقوعهم دوما ضحية «تنمّر» مجتمعاتهم.. ولهذا ما احوجنا الى التوقف عند هذه الظاهرة ومعالجتها عبر إرساء المزيد من العدالة والمساواة..

فالعلّة من صنع ايدينا.. فالاستنارة لكي تنتشر تحتاج الى «خير» يقوّيها، والظلامية كي تندثر تحتاج الى «خير» يشفيها.. فالشعور بالفوقية وممارسة التمييز والعنصرية على مستوى الافراد والجماعات والشعوب هي الشرّ بذاته المضمّخ بالكراهية.

كلا.. لم نسَطّح المفاهيم لأن التفكير السطحي من اصله ببعده الواحد، يفتقد الى مهارة البحث والغوص بعمق، ولا يملك القدرة على التحليق للأعلى نحو اعلى درجات الوعي -الاستنارة – شاملة بذلك الأبعاد الثلاثة للتفكير المستنير: سطحي..عميق.. مستنير..

فهل يعقل ان نحلل الثمرة بدون ان نعود للجذر ونوعية البذرة والتربة المحيطة بها؟

نشك بذلك.. فالعودة الى الأصل.. الى «السببية».. امر مفروغ منه لا يستغني عنه التفكير المنطقي.. و»السببية» هي مقولة فلسفية تدل على الروابط الضرورية بين الظواهر «فلكل حادثة علة» مفادها: أنه لكل معلول علة أدت إلى حدوثه..

ونحن نتفق فعلا مع هذه المقولة فكثيرا ما نتساءل عن الأسباب ولكننا سرعان ما نرفضها..

لماذا؟ للتملَّص من المسؤولية او لرفضنا الاعتراف بفكر الآخر، حتى لو عرفنا السبب نتجاهله، مع ان الأسباب بمتناول اليد ويلزمها فقط التمحيص والمعالجة لسد الثغرات بنسيجنا الإجتماعي والثقافي والتربوي والاقتصادي..الخ..

باختصار نحن نزرع الكراهية.. لا نقصد بـ «نحن» العرب والمسلمين فقط بل العالم قاطبة.. فالاستعلاء.. والتمييز والعنصرية ما هي الا نتاج تربية «الكراهية».. حتى الطبيعة باتت تنضح كراهية عاكسة علينا غضبها شرّا بعد ان اوسعناها ضربا وخبطا بتلوث اصاب شريان خيرها.. فهبت ظلما عاكسة غضبها علينا بإعصار «هارفي» من جهة و»ايرما» من جهة اخرى و»كاتيا» على الطريق ناهيك عن امطار موسمية غير مسبوقة جرفت الهند وبنغلادش.. وكأن بنغلادش لا ينقصها أعاصير المطر فيهب عليها لاجئو الروهينجا، من ضحايا مذابح ماينمار. المسلمون الفارون من كراهية الآخرين لهم، وحدّث بلا حرج عن شطحات حكام العالم ممن يهددون ويتوعدون بتدمير العالم ذريا وهيدروجينيا..

وماذا بعد، وصفحات الشر تطويها صفحات خطاب كراهية يتم تداوله على صفحات تواصل اجتماعي اصبح منصة للظلاميين ممن اعتنقوا الكراهية خطابا وسلوكا وهدفا..

فالانسانية كقيمة قد زالت تماما.. والبشرية الى زوال.. فسمّ الكراهية تغلغل للنخاع..

فحذار حذار فمن يزرع خيرا يحصد خيرا ومن يزرع شرا يحصد شرا ومن يزرع حُباَ يحصد محبة ومن يزرع كرها يحصد كراهية..

وطبعا من يزرع قمحا لا يحصد شعيرا ام قد يحصل العكس هذه الأيام؟

ولم لا ؟ ونحن نعيش زمن الشقلبة.. الصّح غلط.. والغلط صح!

(نقلا عن الرأي الأردنية)