موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الخميس، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
ما هي أهم التحديات التي تواجه المسيحيين الفلسطينيين؟

د. حنا عيسى - أستاذ القانون الدولي :

تضرب جذور المسيحيين العرب عميقًا في أرض فلسطين، فالقدس تشع دومًا بالحياة وتغذيها، استقبلت على مر العصور إخوة وأخوات في الإيمان كحجاج مقيمين وعابرين، دعتهم للتعرف على المصادر المحيية والمغذية لإيمانهم. فالمسيحيون، هم سكان فلسطين الأصليون قبل الفتح العربي، غير أن عدد المسلمين راح يتزايد بالتدريج نتيجة للتدفق المتتالي للقبائل العربية على الديار المقدسة وبلاد الشام، إلى أن باتت غالبية السكان من المسلمين.

الغالبية العظمى للمسيحيين الفلسطينيين والتي تقدر أعدادهم في العالم 2.3 مليون هم ذو جذور محلية يتكلمون اللغة العربية ولديهم تاريخ عريق يصلهم بالكنيسة الأم. ويتواجد أكثر من 95 بالمئة منهم خارج الوطن بينما بقي 45 مسيحي فلسطيني في الوطن موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفًا، والقدس 4 آلاف نسمة، وقطاع غزة والذي يقطنه 733 مسيحي فلسطيني، أي أن المسيحيين في فلسطين لا تتجاوز نسبتهم 0.5% من جميع الفلسطينيين، والذين يقدر عددهم بخمسة ملايين نسمة في العام 2017 في الأراضي الفلسطينية المحتلة .

يتوزع المسيحيون في الضفة الغربية بما فيها القدس والقطاع على الكنائس المختلفة كما يلي:

الروم الأرثوذكس 51%، اللاتين 35%، الروم الكاثوليك 6%، البروتستانت 5%، السريان والأرمن الأرثوذكس 2% لكل منهما، الأقباط والأحباش والموارنة وغيرهم من المسيحيين 1%. ويصل عدد المسيحيين العرب في داخل الخط الأخضر إلى 140 ألف نسمة من مجموع 8.8 مليون نسمة.

القدس رمز للتعايش بين الجميع، وهي إرث مشترك للمسلمين والمسيحيين معًا، ومسيحيي القدس، مثلهم مثل مسيحيي بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور ورام الله وغيرها، يتعرضون لمحنة حقيقية هي الهجرة المتفاقمة التي تتجاوز بكثير معدلات الهجرة السائدة في المجتمع الفلسطيني. وعلى سبيل المثال، كان عدد المسيحيين في القدس، بحسب إحصاء 1922 نـحو 14700 نسمة، والمسلمون 13400 نسمة، بينما بلغوا في إحصاء 1/4/1945 نـحو 29350 نسمة، والمسلمون 30600 نسمة، وهبط عدد المسيحيين في القدس عام 1947 إلى 27 ألف نسمة بسبب الأوضاع الحربية التي نشأت في فلسطين عشية صدور قرار التقسيم في 29/11/1947.

هؤلاء كان يجب أن يصير عددهم 200 ألف، على الأقل، عام2017. وهم اليوم قرابة 4 آلاف نسمة فقط. وفوق ذلك، فقد خسر 50 في المئة من مسيحيي القدس منازلهم في القدس الغربية عام 1948. ثم صادرت إسرائيل 30 في المئة من الأراضي التي يملكها مسيحيون بعد الاحتلال عام 1967. وجميع هذه العوامل تضافرت لتجعل من المسيحيين مجتمعًا متناقصًا باستمرار.

يواجه المسيحيون العرب تحديات عدة هي في المحصلة النهائية تحديات تواجه المجتمع العربي ككل. ومع ذلك فإن هناك تحديات تتخذ أهمية خاصة وبالتحديد تلك التي تتعلق بالهجرة وبالأعداد المتناقصة للمسيحيين الفلسطينيين والعرب في الأرض المقدسة. وتؤدي الهجرة من البلد لتناقص الأعداد ولتغيير في ديناميكية العلاقات داخل الكنيسة الواحدة وفي علاقاتها مع الكنائس الأخرى ومع المجتمع الأكبر ككل. ولكن تناقص أعداد المسيحيين لا يعود فقط للهجرة وإنما أيضا لعملية التحول الديمغرافي والذي تتميز بنسب ولادة متدنية عند المسيحيين العرب بشكل عام مقارنة ببقية السكان ككل. وتصل تقديرات المسيحيين العرب المتواجدين في الخارج إلى أكثر من 5 ملايين أي ما بين 41% إلى 27.6% من تقديرات أعداد المسيحيين العرب في العالم العربي اليوم، وتشير هذه الأرقام والمعطيات لوجود تيار هجرة قوي عند المسيحيين العرب في الشرق العربي.

من الكنائس التي تتضرر أكثر من غيرها بفعل عامل الهجرة توجد الكنائس الآشورية والارمنية والسريانية والمارونية والروم الكاثوليكية بما يتجاوز 55% من أعضائها العرب خارج ارض الوطن الأم. أما الكلدانيون فإن الأوضاع المضطربة في العراق قد أدت بهم للنزوح سواء لخارج البلد او لداخله ناهيك عن الهجرة المطردة للمسيحيين السوريين نتيجة الحرب الاهلية.

إن أخطر ما تعرض له مسيحيّو فلسطين، ولا سيما بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967، هو التهويد ومصادرة الأراضي، فعلى سبيل المثال صادرت السلطات الإسرائيلية 11 ألف فدان من الأراضي المشجرة بالزيتون في بيت جالا لبناء مستوطنة (غيلو)، وصادرت آلاف الدونمات من الأراضي العائدة للمسيحيين لشق طريق سريع يربط المستوطنات اليهودية الواقعة جنوب بيت لحم والقدس.