موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٢ مارس / آذار ٢٠١٨
ما الانتصار؟

د. صلاح جرّار :

نسمع في كلّ صباحٍ ومساء عن انتصارات تحققها الدول الكبرى والصغرى على أعدائها الخارجيين والداخليين، ولو تأملّنا قليلاً في هذه الانتصارات لوجدنا أنّ أكثرها انتصارات وهميّة ولا تنطبق عليها شروط الانتصار أو مواصفاته، وأنّ الدول تتحدث عن هذه الانتصارات المزعومة لزيادة رصيدها السياسي والعسكري أمام الدول الأخرى، أو للتغطية على نوعٍ أو أكثر من أنواع الخلل في أوصال الدولة التي تدعي النصر، أو للتمهيد لإجراءات اقتصادية مثل رفع الأسعار أو زيادة الضرائب، أو لاستخدام دعاية انتخابية لهذا الزعيم أو ذاك، أو غير ذلك من الأسباب.

إنّ اشتراك مجموعة من الدول الكبرى في تجريب أحدث منتجاتها العسكرية ضدّ شعب أعزل لا يجوز أن يوصف بأنه انتصارٌ لأيّ من تلك الدول. كما أنّ نجاح أيّ نظام بإخماد احتجاج شعبيّ أو ثورة ضدّه باستخدام أحدث أنواع الأسلحة والاستعانة بقوى خارجية لا يجوز بأيّ حال أن يوصف بأنّه انتصار على شعبه. كما أنّ اختراع عدوٍّ وهميّ واستغلال اسمه لتدمير مقدّرات شعبين عريقين عظيمين لا يمكن بأيّ حال أن يوصف بأنّه انتصار. كما أنّ مباغته دولة صغيرة بهجوم عسكري كاسح وبأعتى أنواع الأسلحة وأحدثها لا يمكن أن يعدّ انتصاراً. وكذا يقال عن قمع المحتلين لشعبٍ تحت الاحتلال بالطائرات والصواريخ والقنابل الفسفورية وغيرها لا يمكن أن يعدّ انتصاراً للمهاجمين. فكل هذه الأمور التي يصفونها بأنها انتصارات ما هي إلاّ أوهام واختراعات وجرائم وأطماع وتغوّل على الضعفاء والفقراء.

أمّا الانتصار فإنّ له شروطاً ومواصفات، منها أن يكون نتيجةً لمواجهة عسكرية حقيقية بين جيشين متكافئين في القوة والسلاح والرجال والتدريب، أو أن تكون بين شخصين أو فارسين أو بطلين متكافئين في البنية الجسدية والقوّة والشجاعة، ولا بدّ كذلك أن يكون الخصمان أو الجيشان على معرفة باحتمال وقوع المواجهة واستعداد لها.

ولذلك فإنّ تغلّب دولة كبرى مدججّة بأعتى أنواع الأسلحة على دولة صغرى لا سلاح لديها سوى البنادق أو السكاكين، لا يجوز أن يسمّى انتصاراً، ولكن إذا غلبت الدولة الضعيفة دولة كبرى فعند ذلك يسمّى نصراً بل نصراً مؤزّراً.

كما أن تغلّب فارس ضخم الجثّة سليم الصحّة على طفلٍ لم يبلغ الحلم لا يمكن أن يعدّ انتصاراً.

وتأسيساً على هذه القاعدة فإنّ تغلّب الاحتلال الإسرائيلي مثلاً على مقاومٍ مطارد باستخدام دباباتها وطائراتها وكتائبها واستخباراتها لا يمكن أن يعدّ انتصاراً على ذلك المقاوم بل هو صورة صارخة من صور النذالة والسقوط.

للانتصار شروط كثيرة ومدّعو الانتصار كثيرون في هذه الأيّام وأغلبهم كاذبون.