موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ٦ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
ماذا يقول العلامة الأب سمير خليل سمير اليسوعي حول "داعش" ؟

حاوره إدوارد بنتن :

نقلته إلى العربية ألين كنعان - وكالة زينيت العالمية

ما أسباب هذا الغضب القاتل الذي تضطلع به القوات الجهادية للدولة الإسلامية في العراق والشام؟ انحدار في القيم الأخلاقية في الغرب بالإضافة إلى تاريخ من الغزو العنيف في الإسلام هما يتخفيان وراء الوحشيات "الشيطانية" التي يقترفها الجهاديون الإسلاميون في العراق والشام من بينهم العديد غير المتعلمين والواقعين تحت رحمة الدعاة الأصوليين.

هذا ما أشار إليه الأب سمير خليل سمير اليسوعي، باحث رئيسي في الإسلام وطالب سابق تتلمذ على يد الأستاذ جوزف راتزينغر. إنها مقابلة تم تسجيلها على الهاتف في 30 آب من بيروت مع الأب سمير، المصري الأصل ناقش فيها كيف التعصب الطائفي والإسلامي عزز "صراع الحضارات" وكيف أنّ التعليم هو أمر أساسي في القضاء على آفة التطرف وما إذا كان الدولة الإسلامية في العراق والشام ستدوم في المستقبل.

1) إلى أي مدى موّل هذا الانحدار في القيم الأخلاقية في الغرب وسخريتهم هذا النوع من التطرف الإسلامي؟

هذه نقطة بالغة الأهمية، والناس ليسوا مهتمين بها في الغرب. إذا عدنا قليلاً إلى الوراء، منذ وقت بعيد، كان الغرب مرتبطًا بالحداثة والابتكار الفني. فمثلاً، دخلت مصر مرحلة الحداثة في منتصف القرن التاسع عشر حتى وصلت إلى القرن العشرين كأبعد حدود. كان المصريون يحاولون أن يتكيّفوا مع الحضارة الغربية. لقد نظروا إليها كحداثة لأنّ كل شيء كانوا يستخدموه ويريدوه، يأتي من الغرب الذي كان يُنظَر إليه بالمسيحيين. إنما في الآونة الأخيرة، أعطى الغرب صورة رديئة عنه بالأخص في موضوع التحرر الجنسي. فمثلاً، تعتبر المثلية الجنسية بالأمر العادي اليوم في الغرب. أصبحت بديلاً عن العلاقات مع الجنس الآخر ولم تعد العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة بمقدسة.

عندما كنت أذهب إلى مصر، كنت أُسأل: "هل صحيح أنّ الرجل والمرأة يمارسان الجنس في العلن؟" قلت: "لا، هذا ليس صحيحًا" إنما هذه الصورة التي كانوا يكوّنها عن الغرب. ثم أتت حرب الخليج والعراق التي كان يُنظَر إليها بأنها ضد الإسلام.

2) هل تعتقد بأنّه كان غالبًا ما يُنظَر إلى هذه الحروب كدفاع عن الفجور المتزايد في الغرب؟

نعم، كان يبدو وأنّ الغرب يفرض فوقيته؛ والحروب أكانت صائبة أم لا يُنظر إليها بأنها آتية من الولايات المتحدة وإسرائيل. إنما ردّة الفعل على فجور الغرب كانت واضحة. كل شيء يتعلّق بالحداثة يُنظر إليه بنظرة خاطئة من قِبل هؤلاء الأشخاص وأنا أعني بهم الإسلام.

3) هل تظنّ أنّ هذا الاتجاه هو مرتبط أيضًا بهذا النوع من الغضب الكامن في قلوب الإسلاميين المتطرفين ضد الغرب بكونهم لم يكونوا أوفياء لجذورهم المسيحية؟ هل كانوا سيحترمون الغرب أكثر لو حافظوا على جذورهم المسيحية؟

إنّ صورة الغرب ممزوجة في عقول الإسلاميين المتطرفين بالخطيئة والأمور السيئة والسلطة الخاطئة. إنما في الوقت نفسه، كل شخص يستخدم المنتجات الغربية بالأخص التكنولوجيا. إنهم يشعرون بنوع من العدائية لأنّ الغرب يبدو وأنه يسيطر على العالم مما يمكن أن يكون قوة للخير إنما هم ينظرون إليها كهيمنة وليس كتقدّم. لذا هم يميلون إلى العودة إلى القرن السابع ميلاديًا حيث كانوا يشعرون بأنهم الأفضل في وقت النبي محمد. كنت أشاهد بعض أشرطة الفيديو عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وهذا أمر لا يُصدّق. يقومون بكل شيء ويقولون "الله أكبر" قبل القيام به، يضعون كل شيء بين الله ودعوة الإسلام. حتى لو يقومون بقتل الأبرياء، يقولون "الله أكبر" هؤلاء الإسلاميون عادوا إلى القرن السابع بالأخص بطريقة جذرية وفي الحرب. شاهدت فيديو يشرح بأنّ الخلافة هي الحل الوحيد وسوف يتحقق ذلك بالسيف. لذا فهذا رفض للقيم الأخلاقية الصادرة عن الغرب ولسيطرته. الغريب بأنهم يستخدمون العنف ضد بعضهم البعض لأنّهم يسمون كل من لا يوافقهم بالكافر ويُسمح لهم بقتله.

4) إلى أي مدى يبدو سبب التعصب إلى هذا التطرف بالعقيدة وبالقوة المعنوية متناقضًا مع المجتمعات ذات الغالبية علمانية التي هيمنت عليها النسبية الأخلاقية؟ هل هذا صراع التناقضات؟

إنّ مسألة النسبية تتخفى وراءها بالطبع. إنّ هذه المجموعات متطرفة؛ هذا يعني أنهم يتظاهرون بأنهم يميّزون الصح من الخطأ ويعرّفون عنه. هذا يشمل حتى أصغر الأشياء كطرق التصرف والوعود الجنسية التي يقومون بها لأولئك الذين يذهبون إلى الجنة. هذا أمر لا يُصدّق! لقد رأيت اليوم على اليوتيوب مشهدًا يبيّن مئات الأشخاص يصغون إلى الواعظ في المسجد وكان يصف كيف ستكون الجنة. إنّ كل مسلم جيد سيحصل على زوجته لمدة 70 عامًا بالإضافة إلى 72 حورية من المستوى الرفيع وكل حورية تملك 72 جارية يمكنه أن يستعين بها وهلم جرا. كان الواعظ يبتسم ويقول: "هذه هي جنتنا" هذا أمر لا يصدق... كل شيء واضح بالنسبة إليهم: "هذه هي الطريقة لتقوموا بذلك" وكل ما لا ينظر إلى الأمور مثلهم يكون كافرًا. منذ 7 سنوات، عُقد اجتماع في المملكة العربية السعودية من تنظيم ملك إصلاح الإسلام. وكانت النقطة الأساسية التي كانوا يتداولون فيها هي إيقاف التكفير بما معناه أنّ الآخر هو كافر. إنّ التكفير يُستخدم كل يوم في كل شيء. كل شخص لا يقوم بالأمور مثلهم يكون كافرًا ويقولون: "يحق لنا أن نقتله".

5) هل تقول بأن العلاقة بين النسبية الأخلاقية المتزايدة في الغرب وهذا التعصب هو ما كان يحذّر منه بندكتس السادس عشر في خطابه الشهير في ريغينسبورغ في العام 2006؟

إنّ العلمانية من مجتمع مدني وحرية دينية وحرية الضمير كانت تتداول منذ قرنين في الغرب. لذا لكي تفهم ذلك، عليك أن تختبر الثقافة الغربية قليلاً حيث يختلف الدين عن الدولة والأخلاق والسياسة. إنما مزيج كل هذا هو ضعف وقوة الإسلام. كل شيء هو ويمكن أن يكون إسلاميًا. تأكل إسلاميًا، ترتدي إسلاميًا وهذا ما يمنحك القوة، قوة لا تصدق، إنما تضع حواجز أيضًا. لا يمكنك أن تفهم نظرية أخرى وهذه هي المشكلة. إنّ العلمانية وبحسب ما يشير إليها البابا بندكتس السادس عشر في خطابه الشهير في ريغينسبورع هي شيء عالمي حيث يوجد متسع للجميع ولكل الأديان الأخرى أو لعدم الإيمان. إنها تشمل حرية التفكير وحرية الضمير، حرية تغيير الدين، إلخ. وهذا ما ليس معروفًا لدى الثقافة الإسلامية وغير مقبول. ولكنه شيء أساسي للعيش معًا في مجتمع متحضّر.

الناس لا يفهمون ذلك. يقول المتطرفون الإسلاميون: "نحن نحترم وندافع عن حرية الدين" ثم يجبرون المسلم بأن يبقى مسلمًا ولا يمكنه أن يهتدي إلى دين آخر. ولكنني أقول: "أين هي إذًا حرية الضمير؟" ثم يقولون: "نعم، ولكنّ الحرية هي بألا نقوم بشيء خاطىء". إذًا نحن نتحدّث بلغتين مختلفتين ونعيش في عالمين مختلفين. وتجد في الإسلام، المسلمين المعتدلين الذين يسخر منه المتطرفون أو يتعاطون معهم بعنف. إنّ المسلمين المتحررين هم مفكرون ليس إلاّ ويضمون حوالى مليون شخص ولكن هذا لا شيء بالنسبة إلى مليار ونصف مليون مسلم.

أما الأمر الآخر المهم فهو أن نلاحظ الافتقار إلى التعليم. في مصر، يوجد 40% من الأميين ما يعني حوالى 35 مليون مصري. لا يمكنهم أن يكتبوا أسماءهم. والأمر نفسه نجده في المغرب ونجد 50% منهم في اليمن. لذا فتوجيههم الوحيد هو الدين كما يعبّر عنه الواعظون القادرون على اقتباس القرآن والأحاديث النبوية وهي من الإسلام الأصيل. إنّ غالبية المسلمين مصدومون من أعمال هؤلاء الإرهابيين إنما الكثير ينعتهم بالإسلاميين الأصليين والقليل القليل يتحدّث ضدهم.

6) هل تقول بإنّ التعصب العلماني في الغرب وكل ما يطابق القيم العلمانية، جنبًا إلى جنب تزايد انعدام احترام الاستنكاف الضميري، منعكس على التطرف الإسلامي؟ وهذا التعصب وعدم احترام حرية الضمير يقود إلى صدام حتمي؟

نعم، إنّ كلا الجانبين قد أصبحا أكثر تعصبًا. فمثلاً، في فرنسا، إنّ العلامة الأصغر من الإسلامية في الشارع تعتبر استفزازًا ويتعاملون معها من الناحية القانونية. وهذا ما يجعل من هؤلاء المسلمين أكثر تعصبًا. فمثلاً مسألة الحجاب مستعملة من كلا الجانبين باعتبارها رمزًا للإسلام الحقيقي للإسلاميين المتعصبين وكعدوان للإسلام بالنسبة إلى الشعب الفرنسي. لذا صراع الحضارات الذي تنبّأ به صمويل هانتينغتن يتنامى أكثر فأكثر لأنّ كل من هم معتدلين ومثقفين لا يقومون بأي ردة فعل. كذلك فإنّ المتعصبين جاهزون للقيام بأي شيء: المعارك في الشوارع، السجن؛ يقومون بكل ما يرونه مناسبًا برأيهم. يقول المعتدلون بإنهم أناس أغبياء ولا يمكن مناقشة أي شيء معهم. لذا لا يتكلّم المعتدلون؛ لا يكتبون؛ القليل منهم يتحرّك في صحف خاصة. أما المتعصبون الذين هم أقل، أقل بكثير فهم أكثر عدوانية.

7) هل تقول بإنّ الدولة الإسلامية في العراق والشام تمثّل الإسلام الحقيقي بطريقة ما؟

غالبًا ما نسمع المسلمون يقولون: "هذا ليس له علاقة بالإسلام". هذه ردة فعل عفوية من قبل المسلمين في الشارع. إنما في الواقع، إنّها ردة فعل خاطئة. هذا جزء من الإسلام ويمكننا أن نجد ذلك في القرآن وأكثر بكثير في حياة النبي محمد الذي كان له موقف قوي جدًا وعنيف تجاه غير المؤمنين. كان النبي محمد متسامحًا إلى حد ما مع اليهود والمسيحيين. إنما لم يكن أبدًا متسامحًا مع من لم يكونوا لا يهود ولا مسيحيين. وكان الحل الوحيد أمامهم في القرآن وفي حياة محمد هو الاهتداء أم الموت.

لذا هؤلاء المتعصبون يتبعون المسار ذاته إنما بفرق واحد: يسمّون كل من هو ليس منهم بال"كافر" حتى الشيعة واليزيديين والمسيحيين. في هذه الحالة، هؤلاء المتعصبون لا يتبعون القرآن والسنّة. وعندما يقولون "علينا أن نقتل كل الكفار إلاّ إذا أسلموا" فهذا نوع من تعليم الإسلام. إنما الأمر الوحيد الذي علينا أن نأخذه بعين الإعتبار هو بأنّ العنف هو عنصر من الإسلام. العنف ليس عنصرًا من المسيحية. عندما كان المسيحيون يستخدمون العنف في الحروب وما إلى ذلك، لم يكونوا يتبعون الإنجيل ولا حياة المسيح. عندما يقوم المسلمون باستخدام ذلك، فإنهم يتبعون القرآن والسنة ومثال محمد. وهذه نقطة بالغة الأهمية. على المسلمين أن يعيدوا التفكير في الإسلام اليوم. نواجه مشكلة مشابهة في المسيحية واليهودية وكل الديانات. لدينا الكثير من العنف في العهد القديم: عندما دخل اليهود ما يسمى بالأراضي المقدسة، استخدموا العنف تحت أمر الله ليس لأنهم متعصبون بل لأنّ الله أمر بذلك. كان عليهم أن يستخدموا ذلك وعندما كانوا يرفضون، كانوا يُعتبَرون خطأة. هذا هو الكتاب المقدس، والكتاب المقدس هو كلام الله. إنما يكمن السؤال: "كيف أفهمه أنا اليوم؟" وهذا هو السؤال الأساسي في كل ديانة والمشكلة الأساسية التي يواجهها الإسلام. لا يقومون بأي نوع من التفسير. في الماضي، كانوا يقومون بذلك. يوجد مبدأ معروف في الإسلام علينا أن ننظر إليه وهو يسمى بمقادس الشريعة كالشريعة الإسلامية. دعونا نأخذ مثالاً على ذلك: عندما يقول القرآن علينا أن نقطع يد السارق، يسأل من يتبع المقاصد: "لماذا؟" ويجيبون: يعني أن نوقفه عن القيام بذلك من جديد". لذا مقاصد هذا السؤال هو: إنّ النية ليست بقطع اليد وإنما منعه من القيام بالأمر نفسه مجددًا. إن كنا اليوم نملك وسائل أخرى، إذًا علينا أن نستخدمها وعلينا أن ننظر إلى نية القرآن. هذا ما فعله المسيح مع المرأة الزانية عندما قال: "من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر". عندما قام بذلك، خلّص قلب المرأة حتى تستطيع أن تهتدي إلى طريق آخر في الحياة؛ وخلّص قلوب الرجال الذين أرادوا أن يرجموها داعيًا إياهم لكي يفحصوا ضمائرهم: هل هم كاملون؟ وهذه هي الطريقة الصحيحة لتفسير كلمة الله.

8) هل تظنّ أنّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وكل هؤلاء المتطرفين سيكون لهم مستقبل؟

سوف ينجحون لبعض الوقت إنما آمل ألاّ يطيل بهم الأمر كثيرًا. لا يمكن تصوّر ما يقومون به! إنه من غير الإنساني أن يتصرّف إنسان مثلما هم يتصرّفون. سوف يدومون ربما لأعوام عديدة. إنهم يتصرفون تمامًا مثلما طلب منهم النبي في البداية، في الحرب والغزو. عندما تغزون بلدًا، تقومون بما تريدون. وهذا أمر خطير جدًا جدًا، بالأخص إن كان هؤلاء الإرهابيون يتلقون المال والأسلحة عندئذٍ لن يهابوا شيئًا. في كل الحالات، هم "المنتصرون": إذا قتلوا، ينتصرون؛ إذا قُتلوا ينتصرون لأنهم يعتقدون بأنهم بذلك يحصلون على الجنة. لذا فهم "ينتصرون" في كلا الحالين لو مهما حصل. لا يملكون أي مبادىء أو معايير أو قيم سوى أن يطبّقوا الشريعة حرفيًا. إنما الأمر المذهل، كما أشرت إليه في البداية، هو أنهم يقاتلون فجور الغرب. ولكنهم يقومون بأشياء لا أخلاقية أكثر بكثير بإسم الإسلام.

لا أحب أن أقول هذا ولكنهم يتصرفون بطريقة "شيطانية"؛ وهذا شيء لم يشهد له مثيل في التاريخ. لذا أظنّ أنه لن يكون لهم مستقبل على المدى البعيد. إنما على المدى القريب، فإنهم سينتصرون أكثر فأكثر وعلينا أن نوقفهم على الفور.