موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٩ يوليو / تموز ٢٠١٩
ليس الله إرهابيًا، لم ولن يكون كذلك!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

لأول وهلة، قد يستغربُ قارئُ عنوان هذه الأسطر؛ فلو صيغَ على شكلِ سؤال "هل اللهُ إرهابيٌ؟!"، لجاءَ الجوابُ عنه بالرفض الجماعي البديهي. وهذا الجواب لا يقبلُ أدنى شكّ؛ فالله ليسَ إرهابيًا على الإطلاق، ولن يكون إلى الأبد، وحاشاه أن يكون كذلك. ولكن مهلاً، فنحنُ الذين نطلبُ من الله أحيانًا أن يلبسَ ثوبَ الإرهابي وأن يعملَ مثله! أليسَ كذلك؟! عندما نطلبُ منه أن ينتقمَ بأن يُميتَ أعداءنا ويقتلهم ويُهلكهم شرّ هلاك، ألسنا بذلك نطلبُ منه الارهاب؟!

دعونا نرى أولاً مَن هو الإرهابي؟!

إنّه ذلك الذي يزرعُ الخوف في نفوس كثيرين، من خلال قيامه بعملٍ مشين قاتِل، من أجل تحقيق أهدافه أو فكرته الخاصّة. لاحظوا من خلال هذا التعريف، أن هدفَ الإرهاب ليس مجرّد وضع سيارةٍ مفخخة أو قنبلة لقتل مجموعةِ أشخاص، بل يريدُ من خلال هذا العمل بالضبط، أن يشنّ حربًا نفسيّة مدمِّرة هي أبشعُ بكثيرٍ من القتل. وهكذا يستطيعُ الإرهابُ أن يحققَ هدفَه المنشود: بأن يجعلنا نخافُ، حتّى من بعضنا البعض، وبالتالي أن نتفرّقَ وتتشتتَ إرادتُنا الواحدة ... وعواقب أخرى تنتجُ من هذا الخوف يمكننا جميعًا أن نراها بأعيننا أو نتخيلها في عقلنا. والآن، فلنتساءل: هل اللهُ هكذا؟! وهل يستطيعُ مَن له "حبّة خردلٍ" من الإيمان به أن يكون هكذا؟! ولذلك، لا علاقةَ لله بالإرهاب، لا من بعيدٍ ولا من قريب، "لأنه يُطلِعُ شمسه على الأشرار والأخيار، ويُنزِلُ المطر على الأبرار والفجّار" (متى 5/45).

متى نطلبُ من الله أن يصيرَ إرهابيًا؟!

عندما تسيطرُ علينا فكرةُ الإرهاب. عندها يضعفُ إيماننا ومعه تضعفُ إرادتنا وعزيمتنا، فتصبحُ حتّى طريقةُ تفكيرنا تجاه الله "إرهابيةً"، ونطلبُ عندها (منه!) أنْ يخضعَ لمشيئتنا بأن يبيدَ مَن يقفُ في طريقنا، لأنّه، بحسب التفكير الإرهابي، إلهٌ جبّار قادرٌ على تدمير البشرية جمعاء في لحظةٍ من الزمن! وعندما لا يفعلُ ذلك، نتمرّدُ عليه ونشكّ في قدرته وحتّى في وجوده أحيانًا...!

ولكن، إذا أردنا البحثَ عن مثل هذا الإله الإرهابي، فلنبحثْ عنه بعيدًا جدًا عن أبي يسوع المسيح! لأنّ الإلهَ الإرهابي ليسَ هو على الإطلاق اللهَ الآب الذي نؤمنُ به في شخص يسوع، بل هو اختراعٌ ناتجٌ عن الخوف والرعب فقط. فعندما يسيطرُ علينا الإرهاب، ولم يكنْ إيمانُنا قويًا، فإنّنا نتوجّهُ نحو إلهٍ آخر غير إلهنا الحقيقي، وغالبًا ما يقودنا إلى اليأس والإحباط لأنّه ببساطة غير حقيقي. جملائيل، المعلمُ اليهودي الذي دافعَ عن رسل المسيح أمام مجلس اليهود في سفر أعمال الرسل، أقنعَ الجميع بهذه الكلمات: " كُفّوا عن هؤلاء الرّجال (رُسُل يسوع)، واترُكوهم وشأنَهم، فإِن يَكُنْ هذا المقصَدُ أو العملُ مِن عِندِ النَاس فإنّه سيَنتَقِض، وإن يَكُنْ مِن عِندِ الله، لا تَستَطيعوا أَن تَقْضوا علَيهم" (5/38 و39). فكلّ ما هو من الله هو حقيقي، وكلّ إله مصنوعٍ من الناس فإنه سينتقض.

فلنقلب المعادلة: بدلاً من أن تسيطرَ علينا فكرةُ الإرهاب، فلنجعلْ أن يحلّ اللهُ أبونا في قلوبنا وفكرنا وحياتنا. فلنؤمنْ بالله ولنعطهِ الأولوية في حياتنا، ولنتذكر أن هذا الإيمان لا يُعاش بعيدًا عن الجماعة، فالانعزالُ يُفعّلُ الخوفَ في الإنسان ويُضعِف إيمانَه فيجعله يبحث عن إلهٍ آخر. أمّا "نحنُ" كجماعة واحدة، متحدة في الإيمان والفكر والرجاء، فيمكننا أن نستمرّ في المسيرة. من الطبيعي أننا لن نستطيع أن نمحيَ الإرهاب، ولكننا نستطيع على الأقلّ أن نُزيلَ آثارَه عنّا وعن غيرنا!